أسرار للحياة في قاع البحار

  • 7/22/2015
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

كما في باطن الأرض هناك كائنات لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، فإن قاع المحيطات مملوء بمثلها، منها ما يعيش بعملية التمثيل الضوئي ومنها الكيميائي ،والأخير معقد ولم يكن معروفاً للكثير من علماء الأحياء، إلا أنه منتشر بشكل كبير بين الكثير من المخلوقات ومخصص للكثير من الكائنات التي تعيش في ظلام قاع البحار والمحيطات الدامس وحتى في جوف الأرض. يعد التمثيل الكيميائي (chemosynthesis) العملية التي يتم فيها تحويل جزيء إلى مواد عضوية عن طريق الأكسدة، كمصدر للطاقة، عوضاً عن أشعة الشمس ،كما نعرفه في التمثيل الضوئي للنبات. وهناك أحياء تستغل التمثيل الكيميائي للحصول على الكربون والنمو من خلال التمثيل الكيميائي كبكتيريا تؤكسد الكبريت، وبكتيريا تؤكسد الحديد وأخرى تؤكسد النيتروجين وكذلك ما يؤكسد الميثان. وتعتمد الكثير من الأحياء الميكروبية التي تعيش في أعماق البحار والمحيطات على التمثيل الكيميائي لاستمرار الحياة، كما أن كثيراً من الأحياء التي تجري التمثيل الكيميائي تعيش عليها أحياء أخرى في البحار والمحيطات. في عام 1890 اقترح عالم الأحياء الروسي ذو الأصول الأوكرانية سرجي فينوجرادسكي طريقة جديدة لحياة الكائنات تسمى التمثيل الكيميائي، وكان اكتشافه أن بعض الميكروبات ربما يمكنها العيش على مواد غير عضوية، واعتمد في أبحاثه خلال الثمانينيات من القرن ال19 في شتراسبورج و زيوريخ على الحديد والكبريت وبكتيريا النتروجين. اكتشف باحثون في عام 2013 بكتيريا تعيش في صخور في قشرة قاع المحيط، وأشارت النتائج الأولية إلى أن تلك البكتيريا تعتمد على الهيدروجين الذي ينتج من التفاعل الكيميائي لصخر أوليفين مع ماء البحر الذي يتسرب إليه من خلال شقوق في طبقة البازلت التي تحتويها قشرة قاع المحيط، وبالتالي تنتج تلك البكتيريا غاز الميثان عن طريق تفاعل الهيدروجين و ثاني أكسيد الكربون. ربما يتساءل الكثير كيف تعيش المخلوقات بمعزل تام عن الشمس وضوئها الضروري للحياة، لاسيما أن معظمها لا يملك فماً ولا معدة، فوجدت خريجة جامعة هارفارد كولين كافانو من خلال دراساتها للكائنات الحية أن المياه المتدفقة من الينابيع المعدنية مملوءة بكبريت الهيدروجين وعناصر أخرى غنية بالطاقة. إذ كان من المعروف سابقاً أن ينابيع المياه الكبريتية الموجودة على اليابسة موطن للبكتيريا التي تستمد طاقتها من أكسدة الكبريت الموجود في الماء وبالتالي، فإن هذه البكتيريا تحصل على الطاقة من خلال التركيب الكيميائي بدلاً من التركيب الضوئي. وكذلك الأمر في الينابيع المعدنية التي تعج بالبكتيريا التي تقوم بأكسدة الكبريت، أي التركيب الكيميائي، لتشكل مصدر طاقة في ظل غياب ضوء الشمس، ويعد ذلك من أهم الاكتشافات في علوم الأرض. وأثبتت الدراسات العلمية لاحقاً أيضاً أن البطلينوس الأبيض الذي يبلغ طوله نحو 25 سنتيمتراً، وكذلك الرخويات الموجودة في الينابيع ومعظم الفجوات الأخرى، تحتوي على بكتيريا تعايشية في خياشيمها. وكل هذه الحيوانات تعيش في البيئات التي تحتوي على الرواسب الطينية الغنية بالكبريت، وفي حين أن معظم العمليات الكيميائية تعتمد على الكبريت كمصدر للطاقة، فإن عدة عناصر غنية بالطاقة يمكنها دعم التعايش بين الحيوانات المائية والبكتيريا مثل غاز الميثان والمنغنيز وماء النشادر. ومؤخراً، أثبت العلماء أن الكثير من اللافقاريات البحرية لديها بكتيريا تستمد طاقتها من غاز الميثان الموجود في بيئات مختلفة كالفجوات المعدنية وحتى الينابيع الصغيرة الباردة في خليج المكسيك وبحر الشمال، وبحسب التقارير فإن 81 ألف نوع من الكائنات الحية تعيش من دون ضوء على عمق 656 قدماً. وفي 2012 اكتشف العلماء بكتيريا قادرة على العيش منذ آلاف السنين من دون أوكسجين أو ضوء، وفي درجة حرارة تصل 13 درجة مئوية تحت الصفر، في بحيرة مالحة تحت طبقات الجليد بقارة أنتاركتيكا في المنطقة القطبية الجنوبية. وكان علماء أمريكيون عثروا على هذا النظام الحيوي من البكتيريا الذي يعيش منذ 2800 سنة على الأقل تحت طبقات الجليد في قارة أنتاركتيكا. وبحسب الفريق العلمي الذي أشرف عليه أليسون موري من معهد الأبحاث بمدينة رينو بولاية نيفادا الأمريكية، فإن هذه البكتيريا قادرة على العيش من دون أوكسجين أو ضوء. وكان العلماء حفروا عام 2005 ثقباً بعمق 16 متراً في جليد القارة القطبية الجنوبية، بالقرب من محطة ماك موردو الأمريكية للأبحاث العلمية، وحاولوا خلال الحفر توخي أقصى درجات الحذر حرصاً منهم على ألا تتسلل عناصر غريبة إلى مياه هذه البحيرة، التي قال العلماء إنها لم تتصل بالعالم الخارجي على مدى 2800 عام. وفحص الباحثون آثار المياه الملحية التي اكتشفوها أثناء الحفر، وعثروا خلال ذلك على بكتيريا متنوعة قادرة على العيش بأقل قدر ممكن من عملية التمثيل الغذائي الأيض في هذا الوسط الملحي قليل الحمضية. وأوضح العلماء أن هذه البكتيريا تحصل على طاقتها من دون ضوء أو أوكسجين من خلال تفاعلات كيميائية، وأن البحيرة المالحة الموجودة تحت الطبقات الجليدية تحتوي على الكثير من المركبات الكربونية، إضافة إلى أوكسجين ومركبات معدنية منخفضة. هناك الكثير من الرخويات التي تعتمد على عملية التمثيل الكيميائي في نموها وتعيش في قاع البحار وتعتبر من الأغذية المفيدة للصحة مثل محار الكوكل واللافقاريات البحرية لديها بكتيريا تستمد طاقتها من غاز الميثان بالنسبة للأشخاص الذين يعيشون بالقرب من الشواطئ.

مشاركة :