جون أوثرز * عند كتابتي هذا المقال، سجل الذهب مستوى قياسيا آخر متجاوزاً 2050 دولاراً للأونصة. فهل هذا السعر مبالغ فيه؟ قد تكون الإجابة عن هذا السؤال مستحيلة. فالذهب يستمد قيمته من قناعة مقتنيه، وعلى مدار التاريخ البشري رسخت قيمته في أذهان الناس. ورغم أنه لا يحقق دخلاً مباشراً، وتتحكم الأسواق في أسعاره، لكنه يختلف عن الأصول الأخرى بأن فنيات التقييم التي تتحكم في أسعارها لا تنطبق عليه.لكن صعوبة ضبط معادلته السعرية الدقيقة لم يمنع المحللين من محاولات البحث التي تقول أن ارتفاعه الحالي منطقي، وقد يرتفع أكثر بكل بساطة.ومن طرق قياس أسعار الذهب المعتمدة مقارنته بالسلع الأخرى. في السبعينات، كان من الممكن النظر إلى صدمات أسعار النفط على أنها وسيلة لمصدري النفط للحفاظ على قيمة منتجاتهم ثابتة مقابل الذهب، بعد فك ارتباط الدولار بالمعدن الأصفر. على هذا الأساس، يبدو الذهب باهظ الثمن. فقد بلغت نسبة النفط إلى الذهب، أو كمية المعدن التي قد تحتاج إليها لشراء برميل من الخام، أدنى مستوياتها منذ نهاية ربط العملة في وقت سابق من هذا العام بسبب انخفاض النفط. ثم حدث انتعاش مرشح للتعزيز بعد التعافي التدريجي لأسعار النفط.الاحتمال الآخر هو صورة النقد المهتزة. فتقييم الذهب بالدولار يعتمد على قيمة العملة، بقدر ما يعتمد على قيمة المعدن. وقد فقد الدولار كثيراً من قيمته في الأشهر القليلة الماضية. ولكن إذا نظرنا إلى سعر الذهب باليورو، والين، فسوف نجد أن الأمر يتعدى ضعف العملة الأمريكية. وقد سجل الذهب أعلى مستوى له على الإطلاق مقابل هاتين العملتين العام الماضي، وهو حالياً عند رقم قياسي في العملات الثلاث.ثم نأتي إلى موضوع التضخم. يُنظر إلى الذهب على أنه مخزن للقيمة. ولا بد أن تميل هذه القيمة بشكل طبيعي إلى الارتفاع عندما يتوقع الناس حدوث تضخم في المستقبل. وعلى هذا الأساس أيضاً، قد يبدو سعر الذهب في البداية مبالغاً فيه. وقد تعرض مجلس الاحتياطي الفيدرالي للكثير من الانتقادات بسبب تعامله مع الاقتصاد الأمريكي على مدى العقدين الماضيين. لكنه في واحد من المعايير كان ناجحًا، وهو معيار التضخم، حيث لم يعتقد أحد أن التضخم سوف ينتعش. وقد حدد الاحتياطي الفيدرالي معدلات التضخم منذ عام 1998 بين 1% و3%، ولم تتجاوز توقعات التضخم المستندة إلى سوق السندات خلال عشر سنوات 3%، وانخفضت إلى أقل من 1% لفترة وجيزة جداً.لكننا الآن نأتي إلى التأثير الأهم في الذهب، وهو العائد الحقيقي المتاح على السندات. فالذهب لا يعطي دخلاً، وهذه المشكلة تتلاشى تدريجياً كلما تراجعت معدلات العائد على سندات الخزانة. وفي الوقت الحالي، صارت معدلات العائد الفعلي على سندات السنوات العشر سلبية منذ أن أصبحت السندات المرتبطة بالتضخم متاحة على نطاق واسع. وأحد التطورات المهمة في العام الماضي هو انضمام الولايات المتحدة إلى ألمانيا في تدني معدلات العائد إلى النطاق السلبي، وهذا كفيل بتراجع الدولار ورفع أسعار الذهب.النقطة المهمة هنا بالنسبة للمتداولين الأفراد هي أنه عندما يكون سعر الذهب على مسار صعودي فهو مرشح لبلوغ مستويات ما فوق قيمته العادلة. ومن هنا فإن سعر الذهب المرتفع حالياً لن يكون نهاية المطاف، ولا يزال أقل كلفة بكثير مما كان عليه في الذروة السابقة في أواخر عام 2011.وللذين يرغبون في التعرض لمخاطر المضاربات، قد لا يوفر تداول الذهب عندما تكون الأسهم في الذروة، رهانات مضمونة للمستثمرين الأفراد الذين هم وقود التقييمات المبالغ فيها لأسعار الأسهم، كما حدث في عام 1980 حيث تهافت الناس على استبدال ما لديهم من نقد بحيازات من الذهب. مثل هذه الرهانات لم تعد مضمونة اليوم بعد انتشار أسهم الصناديق المدرجة التي رفعت سعر الذهب عام 2011 إلى مستويات خيالية. أما السيناريو الأكثر تفاؤلاً فناتج عن استمرار ضخ الأموال لتحفيز الاقتصاد من قبل البنوك المركزية، ما يدفع مستويات العائد على السندات هبوطاً، ويمنح الذهب المزيد من الزخم. ثم يبدأ التضخم بالانتعاش بعد الإفلات من القيود الحالية متجاوزاً نسبة 3%، رغم أن هذا الهدف قد يتأخر سنوات، عندها يرتد المستثمرون الأفراد إلى الذهب ما يزيد من مكاسبه.لكن المخاطر تكمن في تغيير سياسات البنوك المركزية - وهو ما حصل عندما هبطت أسعار الذهب بقوة بمجرد أن بدأ الاحتياطي الفيدرالي محاولة تخفيف مشترياته غير المحدودة من الأصول. مثل هذا التغيير يبدو أقل احتمالاً هذه المرة. ولذلك حتى لو بدت أسعار الذهب مرتفعة جداً، ليس هناك من سبب لتوقع انخفاضه في أي وقت قريب. * بلومبيرج
مشاركة :