على مدار زمن طويل لم يكن الاستشراق يستشعر حاجة إلى التساؤل عن أصوله ولا أسسه، وقد ركن إلى وجوده، وكان ذلك كافياً له، لكن حركة نزع الاستعمار العامة قد أرغمته على أن يضع نفسه موضع تساؤل، وعلى أن يتساءل: ما إذا كان لم يتورط في أغلب الأحيان مع الاستعمار، والحال أن محصلة هذه الأزمة قد تمثلت في تعريف مزدوج للاستشراق، هو في آن واحد عقلاني علمي وغربي.هكذا يذهب مكسيم رودنسون إلى أن الاستشراق هو نتيجة لعدد من الممارسات العلمية في أوروبا وأمريكا، تهتم بدراسة شعوب البلدان الإسلامية وحضاراتها ولغاتها. في القرن 19، كما يؤكد هنري لورنس في كتابه «الأصول الفكرية للحملة الفرنسية على مصر»، كان الوجه الغربي للمسألة يختفي تحت الوجه العقلاني - العلمي، وفي أيامنا، وبسبب امتلاك الشرقيين لتاريخ خاص بهم، قوبل ذلك رفض ديماغوجي للاعتراف بصلاحية العلم، فجرى الاكتفاء بهذا الشاهد دون البحث فعلاً في إثبات صحته.يوضح لورنس، أنه يمكن دائماً العثور على رواد سباقين، لكن الاستشراق المتأسلم الحقيقي، ولد في النصف الأول من القرن السابع عشر، وعلى المستوى الفكري يظهر بوصفه تطبيقاً من جانب بحث متخصص طوره الإنسانيون.