يبدأ الديموقراطيون في الولايات المتحدة تجربة سياسية غير مسبوقة اعتبارا من الاثنين، إذ يعقدون مؤتمرا وطنيا تجري جميع مجرياته على الإنترنت لتسمية جو بايدن كمرشح لمنافسة دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية تحت وطأة تفشي كوفيد-19. وباختياره كامالا هاريس، أول امرأة من أصحاب البشرة الملونة تترشّح لمنصب نائب الرئيس، يركز بايدن في حملته على توحيد بلد تمزّقه الاضطرابات السياسية والعرقية والمخاوف بشأن قمع الناخبين والقلق حيال أزمة فيروس كورونا المستجد. لكن المرشحين لمنصبي الرئيس ونائبه سيوصلان رسالتهما الهادفة لإقناع القاعدة الديموقراطية وجذب الجمهوريين المحبطين في ظل ظروف فريدة. ولن يشهد المؤتمر هذه السنة هتافات أو إلقاء بالونات على حشود ومرشحين متحمّسين كما جرت العادة في المؤتمرات السياسية الأميركية. بدلا من ذلك، يعيد المنظّمون ترتيب أدواتهم لإجراء نشاطاتهم عبر الإنترنت، على غرار تحديد منبر الحزب وتنسيق عشرات المحاضرات والخطابات اعتبارا من منتصف يوم الاثنين. ومساء الأربعاء، ستسلّط الأضواء على هاريس، السننتورة البالغة 55 عاما والمدعية السابقة المولودة لمهاجرين من الهند وجامايكا. وروّج بايدن لقصة حياتها على أنها مثال على "الحلم الأميركي". يبلغ المؤتمر ذروته ليل الخميس عندما يدلي مندوبو الولايات بأصواتهم عبر الإنترنت لترشيح بايدن، المعروف بمواقفه المعتدلة والذي كان نائب الرئيس في عهد باراك أوباما وتولى مقعدا في مجلس الشيوخ على مدار ثلاثة عقود. من ثم، سيلقي خطاب قبوله من ولايته ديالاوير. وكان من المقرر أن ينعقد المؤتمر في ميلووكي، في ولاية ويسكنسن التي تعد متأرجحة الانتماء الحزبي، وشكل إلغاؤه ضربة قاسية للمدينة الواقعة في وسط غرب البلاد التي أنفقت ملايين الدولارات على التحضيرات لاستضافة المناسبة. وبدت شوارع وسط المدينة خالية تقريبا الجمعة حيث تحسّر السكان على ما كان يمكن للوضع أن يكون عليه. وقال دان الذي عرّف عن نفسه باسمه الأول فقط نظرا إلى أنه يعمل في جهاز إنفاذ القانون "اعتقدت أن (عقد المؤتمر) سيكون جيّدا بالنسبة للمدينة، الجميع اعتقدوا ذلك". وفي وقت خسر الاقتصاد الأميركي ملايين الوظائف جرّاء الوباء، سيروّج بايدن لخطته البالغة قيمتها 700 مليار دولار تحت شعار "إعادة البناء بشكل أفضل" والتي تعد باستثمارات في التكنولوجيا الحديثة وتتعهّد خلق خمسة ملايين فرصة عمل جديدة، في تحد قوي لسياسة ترامب الاقتصادية. ووعد المنظّمون بمؤتمر حيوي تصل أصداؤه إلى "أنحاء أميركا" رغم الأجواء المربكة المحتملة جرّاء عقده عبر الإنترنت. وقالت المسؤولة عن تنفيذ برنامج المؤتمر ستيفاني كاتر "في غضون ثلاثة أيام، سنطلق المؤتمر الوطني الديموقراطي الذي سيحمل شكلا وطابعا مغايرا جدا عن المؤتمرات الماضية". وأضافت أن المشاركين سيسلّطون الأضواء على "قيادة دونالد ترامب الفاشلة والوعود بشأن ما يمكننا وما علينا أن نكون بوجود جو بايدن كرئيس". دعا الحزب شخصيات لامعة في صفوفه، بدءا من الرئيس السابق باراك أوباما وزوجته ميشيل اللذان سيلقي كل منهما خطابا افتتاحيا يومي الأربعاء والاثنين على التوالي، وصولا إلى هيلاري وبيل كلينتون وحاكم نيويورك أندرو كومو. وسيلقي كلمات كذلك عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الذين نافسوا بايدن في الانتخابات التمهيدية للحزب بينهم بيرني ساندرز وإليزابيث وارن. وفي مسعى لتجنّب الانقسامات التي خيّمت على الحزب في 2016 عندما اصطدم أنصار هيلاري كلينتون مع مؤيدي ساندرز، راعى فريق حملة بايدن دعوة الجناح اليساري الأكثر ليبرالية للمساعدة في تشكيل منصة الحزب. وسيكون للشخصيات الليبرالية الصاعدة فرصتها لإلقاء كلمات على المنصة الافتراضية بما في ذلك عضو الكونغرس البالغة 30 عاما والتي تتمتع بشعبية كبيرة ألكسندريا أوكاسيو-كورتيز. والاثنين، سيتحدث حاكم أوهايو السابق جون كاسيتش، الذي يمثّل الشخصيات في حزبه التي تخلّت عن الرئيس المثير للجدل. وبينما ألغى الديموقراطيون خططهم في ميلووكي، سيزور ترامب ولاية ويسكنسن الاثنين في مسعى لترك بصمته مجددا في الولاية التي انتزعها قبل أربع سنوات من كلينتون عندما لم تجر حملتها الانتخابية فيها. وقال ترامب في اجتماع مع الناخبين عقد عبر الإنترنت الأربعاء إن الديموقراطيين "سيتجاهلون ويسكنسن تماما كما فعلوا في 2016". وأعلن ترامب، متجاهلا الوباء، أنه سيلقي خطابا في أوشكوش، شمال ميلووكي، سيشير فيه إلى "إخفاقات" بايدن في مجال الوظائف والاقتصاد، بحسب فريق حملة الرئيس. ولن يحضر ترامب مؤتمر الحزب الجمهوري شخصيا في الأسبوع التالي، لكنه سيلقي خطابا من مكان سيعلن عنه لاحقا. وبالنسبة لاستاذ الإدارة السياسية لدى جامعة جورج واشنطن كريستوفر أرترتون، يعد التخلي عن حضور المؤتمر شخصيا "مؤسفا" لكنه مفهوم. ومن شأن ذلك أن يقلّص من الدور الحيوي للمؤتمر، بما في ذلك الكيفية التي يشكّل فيها المكان عادة ساحة حيوية للصفقات ووضع الاستراتيجيات بين المجموعات المختلفة والمندوبين، والذين عادة ما "يهتفون بحماسة" عند تسمية المرشّح، بحسب أرترتون. واستبق بايدن وهاريس المؤتمر بمهاجمة ترامب، بما في ذلك معارضته للتصويت عبر البريد ورفضه إقرار تمويل طارئ لخدمة البريد الأميركية لضمان إيصال الأصوات في موعدها. وقال بايدن الخميس إنه من الطبيعي أن يصدر ذلك عن ترامب الذي "لا يرغب بأن تجري انتخابات".
مشاركة :