أكثر من 500 تجربة سريرية في جميع أنحاء العالم وسط السباق المحموم لإيجاد علاج فعّال لفيروس كوفيد-19. فالكل يريد العثور على الدواء، إلا أنه غير موجود حتى الآن. لكن أحد العلاجات الواعدة لمرضى فيروس كورونا المستجد تتمثل في استخدام «الخلايا الجذعية الوسيطة» أو الإم إس سيز MSCs الموجودة في الأوعية الدموية في جميع أنحاء الجسم.وفي الدراسات الأولية على الفيروس، خفضت هذه الخلايا معدل الوفيات بشكل كبير، خاصة بين المرضى الأشد إصابة. فمن خلال توجيه ضربات قوية بمعدل 3-2-1، تقضي هذه الخلايا على الفيروس، وتهدّئ رد الفعل المناعي المفرط المعروف باسم «عاصفة السيتوكين»، وتقوم بإصلاح أنسجة الرئة التالفة، وهو مزيج لا يقدمه أي دواء آخر. وقد يكون هذا النوع من الطب التجديدي علاجًا ثوريًا يغيّر مجرى التاريخ مثل لقاح شلل الأطفال الذي قدّمه العالم الأمريكي جوناس سالك Jonas Salk.وفي إحدى الدراسات التجريبية التي تمت في مارس الماضي، عالج الأطباء بمستشفى ماونت سايناي Mount Sinai في نيويورك عشرات من مرضى كوفيد- 19 المصابين بأمراض خطيرة على أجهزة التنفس الصناعي مع استخدام الإم إس سيز. وتسبب ضخ جرعتين من العلاج في تعديل نظام المناعة مفرط النشاط، كما نجا 83٪ من المرضى الذين تم تطبيق العلاج عليهم.وبعد هذه النتائج الواعدة، فاز فريق ماونت سايناي Mount Sinai وشركة ميزوبلاست المحدودة Mesoblast Ltd الموردة للخلايا الجذعية الوسيطة بتصريح إدارة الغذاء والدواء وتمويل المعاهد الوطنية للصحة لإجراء تجربة عشوائية على 300 مريض. وتلقى المرضى الأوائل في التجربة العلاج أوائل مايو الماضي.وذكرت مقالة نُشرت في 10 يوليو بمجلة ذا لانسيت الطبية أن 13 مريضًا في حالة حرجة من مرض كوفيد -19 عولجوا أيضًا باستخدام الإم إس سيز. وعاش 11 من أصل الـ13 مريضًا منهم، بما يعادل معدل بقاء 85٪ على قيد الحياة، وهو ما يؤكد نتائج ماونت سايناي أيضًا. وارتفع عدد الخلايا التائية (نوع من خلايا الدم البيضاء تحمي الجسم من الخلايا السرطانية ومسببات الأمراض) التي تكافح الفيروسات حتى مع انخفاض الالتهاب، مما يشير إلى أن هذه الخلايا يمكنها التحكم في الاستجابة المناعية حسب الحاجة. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت صور الأشعة السينية على الصدر أن الدواء يصلح أنسجة الرئة، وفي بعض الحالات تم ذلك خلال 48 ساعة فقط.ويُعدّ شفاء الأنسجة أمرًا ضروريًا؛ لأن معركة السيتوكين (المناعة المفرطة) مع فيروس كوفيد-19 تكون شرسة للغاية لدرجة أنها تحدث ثقوبًا في أغشية الرئة الحساسة، مما يسمح للفيروس بالتدفق إلى مجرى الدم وتجويف الجسم. ويجب إصلاح هذه الثقوب، حيث يؤدي تسرب الفيروس إلى حدوث بعض المضاعفات التي لا ترتبط عادةً بالتهابات الجهاز التنفسي، مثل: تخثر الدم والنوبات القلبية والسكتة الدماغية، وفشل الأعضاء المتعددة، والتي تسبب حوالي 40٪ من الوفيات المرتبطة بكوفيد-19. وتتناقص كثافة الأوعية الدموية، وبالتالي عدد الخلايا الجذعية الوسيطة، مع تقدمنا في العمر أو زيادة الوزن أو الإصابة بأمراض، وهو ما قد يفسّر سبب كون كبار السن وذوي الحالات الصحية المزمنة أسوأ حالًا.بعبارة أخرى، يمكن القول إن هذا المرض هو عدوى تنفسية وللأوعية الدموية. وذلك هو السبب في أن القدرة على محاربة العدوى، والتحكم في الاستجابة المناعية وإصلاح الأنسجة التالفة هي مزيج مهم جدًا في العلاج.وإذا كنت تسأل نفسك كيف يمكن لعقار واحد أن يفعل كل هذا؟ فالإجابة هي أنه تم تحديد خلايا الإم إس سيز لأول مرة وتسميتها بواسطة البروفيسور أرنولد كابلان Arnold Caplan وزملائه في جامعة كيس ويسترن ريزيرف Case Western Reserve في أوهايو منذ ما يقرب من 30 عامًا. ولترجمة هذا الاكتشاف إلى علاجات، أطلقت أنا (كاتب المقال كيفين كيمبرلين) مع كابلان في عام 1993 شركة أوسيريس ثيراببيوتكس Osiris Therapeutics، التي طوّرت الإم إس سيز إلى أول علاج خلوي معتمد في العالم.وخلال السنوات الأولى من البحث العلمي، اكتشف كابلان وزملاؤه أن الخلايا الجذعية الوسيطة تراقب وتحمي تقريبًا كل وعاء في أجسامنا، والتي يصل عددها لـ60 ألف ميل من الأوعية تنقل الأكسجين والتغذية والنفايات من وإلى كل خلية من خلايانا.وعندما تكتشف الخلايا الجذعية الوسيطة وجود عدوى أو إصابة لتلك الأوعية، فإنها تتحوّل إلى مصنع لتجنيد وضخ عوامل تعديل المناعة وإصلاح الأوعية. وتعمل هذه الخلايا على تحسين الظروف المعوّقة والمميتة عندما تفشل الأدوية الكيميائية أو الكيميائية الحيوية التقليدية، وعدد الاستخدامات المحتملة لهذه الخلايا هائل. ويتم اختبار الخلايا الجذعية الوسيطة على أكثر من 900 مرض بشري مختلف. ويصف كابلان هذه الخلايا ليس على أنها «عقار خارق»، ولكن كمخزن أدوية عجيب.وضَع في اعتبارك أيضًا نتائج التجارب التي أجرتها ميزوبلاست على ظاهرة مقاومة مرض الكسب غير المشروع مقابل المضيف (وهو أحد المضاعفات الطبية بعد تلقي الأنسجة المزروعة من شخص مختلف وراثيًا)، حيث يعاني الأطفال المصابون بهذه الآلام الرهيبة من رد فعل مناعي عنيف يؤدي إلى تقشر الجلد وبطانة الأمعاء، ويموت ما يصل إلى 80٪ من الأطفال إذا لم توقف الستيرويدات الالتهاب. ولكن في إحدى التجارب، نجا 160 من 239 مريضًا (67٪) ممن لم يستجيبوا للستيرويدات وغيرها من العلاجات بعد حقنهم بالخلايا الجذعية الوسيطة، واختفت عاصفة السيتوكين لديهم، وتم علاج الأنسجة المصابة. وبناءً على هذه النتائج، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على الإسراع في مراجعتها، ومنح القرار المرتقب بحلول 30 سبتمبر المقبل.وهذا هو بالضبط نوع الخلايا التي يتم اختبارها لعلاج كوفيد-19 في تجربة مايو. وإذا عملت الخلايا كما فعلت في تجربة ماونت سايناي في مارس وأماكن أخرى، فمن المفترض أن تكون النتائج متاحة قبل نهاية سبتمبر المقبل. ويمكن أن تساعد النتائج الإيجابية الأشخاص الأكثر عُرضة لخطر الآثار السيئة للمرض. لكن المجتمع الطبي والجمهور الأوسع نطاقًا غير مدركين إلى حد كبير إمكانية استخدام الخلايا الجذعية الوسيطة في علاج كوفيد.ووسط هذا القدر الهائل من الإحباط الذي يسببه الفيروس، تُعدّ الخلايا الجذعية الوسيطة بصيص أمل - ليس فقط لمرضى فيروس كورونا الأكثر يأسًا من الشفاء، ولكننا جميعًا أصبحنا على استعداد لإنهاء الوباء، واكتشاف طرق جديدة لإصلاح أنظمة الجسم المتضررة.كيمبرلين هو رئيس شركة سبينسر تراسك أند كو Spencer Trask & Co. وأحد مؤسسي أوسايرس ثيربيوتكس Osiris Therapeutics ومايريد جيناتكس Myriad Genetics وسينا كورب Ciena Corp.تجرى«الخلايا الجذعية الوسيطة ليست عقارا خارقا، ولكنها مصنع أدوية عجيب».. البروفيسور أرنولد كابلان - مكتشف خلايا الإم إس سيز83%من المرضى الذين تم تطبيق علاج الخلايا الجذعية الوسيطة عليهم في التجارب الأولية نجوا من فيروس كوفيد - 19
مشاركة :