بيروت: فيفيان حداد مرة أخرى، قامت الدنيا ولم تقعد في لبنان، بسبب البرنامج التلفزيوني الساخر «بسمات وطن»، الذي انتهى عرض الحلقة الأخيرة منه ليل أول من أمس بقطع طرق في مناطق لبنانية عدة واشتعال مواقع التواصل الاجتماعي، احتجاجا على تقليد أحد ممثلي البرنامج شخصية الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. وأثارت إطلالة الممثل اللبناني جان بو جدعون كضيف رئيس في الحلقة الأخيرة من البرنامج على شاشة «المؤسسة اللبنانية للإرسال» (إل بي سي)، مرتديا زي نصر الله الديني، مع لحية بيضاء طويلة وعمامة سوداء، حالة من التوتر، بعد أن تبين أنه يقلد نصر الله وبدا الشكل وطريقة الكلام متقاربين. وما أن انتهى بث الحلقة حتى انتشر مؤيدو الأخير في عدد من المناطق اللبنانية، أبرزها على أوتوستراد سن الفيل في بيروت فقطعوا الطريق وأطلقوا الهتافات المؤيدة. كما تجمع في ساعة متأخرة من الليلة نفسها عدد من مناصريه أمام سرايا بعلبك احتجاجا على بث الحلقة. أما في مدينة طرابلس الشمالية، والتي تشهد حالة من الغليان الأمني منذ فترة فقد رأى بعض شبانها أن الحلقة تضمنت «إساءة إلى الله عز وجل وإلى النبي يونس عليه السلام»، فتجمعوا أمام مسجد (الحربا) ومن ثم توجهوا إلى الطريق العام في المدينة عند دوار (أبو علي) حيث قطعوها احتجاجا. كما قطع شبان أوتوستراد طرابلس الدولي احتجاجا على ما اعتبروه «استهزاء بالنبي يونس والعزة الإلهية». وسبق لمعد البرنامج وكاتب فقراته شربل خليل أن تعرض أكثر من مرة إلى شخصيات دينية في لبنان من خلال تقليدها على الشاشة، علما بأنها ليست المرة التي يقلد فيها شخصية نصر الله. ففي عام 2006 أطل خليل بحلقة من برنامجه مقلدا نصر الله، فكان ما لم يكن بالحسبان، من تظاهرات وقطع طرق وحرق إطارات ومطالبات بالاعتذارات وإيقاف الحلقة وحتى البرنامج ككل. كما أثار تقليد البرنامج لبطريركي الطائفة المارونية بشارة الراعي (الحالي) ونصر الله صفير(السابق) والشيخ السلفي أحمد الأسير وغيرهم، حفيظة مناصريهم ومؤيديهم، الذين اتهموا البرنامج بـ«تحريك النعرات الطائفية». وفي سياق متصل، أكد رئيس مجلس إدارة «المؤسسة اللبنانية للإرسال» الشيخ بيار الضاهر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «أننا كوسيلة إعلامية مرئية نتصرف بمهنية، ولدينا كل الحق في توجيه الانتقاد لأي إنسان خصوصا إذا كان يمثل شخصية عامة تعمل في السياسة»، معتبرا أنه «ليس هناك من أحد معصوم عن الخطأ إلا الخالق عز وجل». وذكر الضاهر أنه سبق للبرنامج أن قلد عددا من الشخصيات الدينية كالبطريرك الراعي والمفتي محمد قباني وغيرهما ولم تقم القيامة، مشيرا إلى «أننا على كل حال اعتدنا على ردة الفعل هذه وهو حق تعبيري ديمقراطي للطرف الآخر الممتعض من موضوع التقليد، مثلنا تماما إذ لنا الحق بذلك أيضا». وفي موازاة تأكيده على أن المحطة «ليست بوارد الرد أو التوضيح، إذ إن كل ما في الأمر أننا نتبع طريقة انتقاد معينة لرسم البسمة على شفاه المواطن اللبناني الذي يعاني الأمرين»، دعا الضاهر المسؤولين اللبنانيين إلى أن «يأخذوا مؤيديهم إلى اتجاهات مختلفة، بتوعيتهم مثلا على الانضواء تحت سقفي الدولة والقانون وليس باتجاه الأحزاب». ورأى أن «الواقع السياسي تغير منذ عام 2006 عندما أثار تقليد السيد نصر الله تحفظات لدى (حزب الله) فاعتبروا الأمر يومها بأنه يصب في المؤامرة التي تحاك ضدهم، لكن حاليا وضع الحزب تغير». وفي حين شدد الضاهر على أن «الرقابة التي نتبعها هي ذاتية بحتة» و«نعمل بمهنية وليس هناك من يؤثر على قراراتنا»، متسائلا: «لماذا يساند اللبنانيون من مختلف الأطياف اليوم الإعلامي المصري باسم يوسف ولا يساندون أولاد بلدهم؟»، اعتبر شربل خليل، معد وكاتب حلقات «بسمات وطن» أن «ما يقوم به ليس موضوع جرأة بل حق مسموح له بممارسته في دولة ديمقراطية». وقال خليل، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «الدستور اللبناني يحميني ويؤمن لي حرية التعبير ومن لديه أي احتجاج فليلجأ إلى القانون لأننا كلنا منضوون تحت سقفه بالنهاية وليس تحت إرادة التهديد وقطع الطرق وحرق الإطارات». ولم تقتصر الحلقة الأخيرة من البرنامج على تقليد نصر الله فحسب، إذ استهلت بعرض «إسكتش» انتقادي لحزب الله ولأداء دولة قطر في ظل تدخلها في الأزمات اللبنانية الداخلية، من خلال استخدام شخصية النبي يونس الذي وبحسب الحلقة استطاع الإفلات من حوت البحر بقدرة بلد عربي (قطر)، وانتهى المشهد على خلفية كيفية إنقاذه من قبلها وهو يردد «شكرا قطر». ولم ينكر خليل أنه أراد من خلال هذا المشهد «الإضاءة على الدور الذي تلعبه هذه الدولة (قطر) حاليا وعلى كيفية تعاطيها مع كل أزمة تحل بنا وكأنها دولة تصنع العجائب أو كأن اسمها سيدون قريبا في الكتب المقدسة». وعزا اختياره للنبي يونس نظرا لأن «جميع الطوائف تؤمن به وهو ليس حكرا على واحدة منها فقط». واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات تناولت مضمون الحلقة، فدعت بعضها إلى مقاطعة القناة التلفزيونية، وهي من أبرز القنوات اللبنانية الخاصة، متهمة اياه بـ«الطائفية»، فيما اعتبرت شريحة أخرى أن الأمر طبيعي وأن السيد نصر الله كغيره من السياسيين، يمكن تقليده وانتقاد أدائه السياسي. ووصلت حالة التوتر بالبعض إلى تهديد مراسلي المحطة المذكورة ومطالبتها بعدم التوجه إلى طرابلس لتغطية أي أحداث فيها تحت طائلة المسؤولية، على خلفية تناول شخصية النبي يونس أيضا.
مشاركة :