فترات الركود تدفع الأفراد لارتكاب أخطاء مالية فادحة

  • 8/19/2020
  • 00:00
  • 24
  • 0
  • 0
news-picture

بعدما استمتعوا بواحدة من أطول فترات صعود الأسواق في التاريخ، يتجرع ملايين من أبناء الألفية الجديدة ومستثمرون شباب، وأنا من بينهم، للمرة الأولى، المذاق الحقيقي للركود الحادّ، وهو سيناريو غالباً ما يؤدي إلى قرارات مالية باهظة التكلفة، على نحو تقشعر له الأبدان.وجراء حالة الوباء العالمي التي نعايشها اليوم، من غير الواضح متى سيجري استئناف الفعاليات الاجتماعية والتفاعلات بين الأفراد، الأمر الذي يأتي بمثابة لكمة مدمرة لكثير من الصناعات. حتى مبلغ التريليوني دولار التي خصّصتها الحكومة الأميركية لتخفيف حدة الأضرار التي خلّفها الوباء، أخفق في توفير شبكة حماية مناسبة، ناهيك عن معدلات البطالة الضخمة، المؤلفة من عددين، التي نعاينها اليوم.واليوم، يبدو واضحاً أن تداعيات حالة الركود التي سبّبها وباء فيروس «كورونا» ستضاهي، إن لم تتجاوز، تداعيات الفترة التي عرفت باسم «الركود العظيم». وفيما يخص أولئك الذين يخوضون للمرة الأولى تجربة إدارة مالية في خضم موجة انحسار اقتصادي كتلك التي نشهدها اليوم، من المهم للغاية معرفة الأخطاء الواجب تجنبها. ومن أجل ذلك، لجأت إلى معين خبرة 8 من المخططين الماليين الموثوقين. وفيما يلي أسوأ القرارات المالية التي عاينوا وقوع عملاء فيها خلال فترات الركود.التوقف عن الإسهام في خطط التقاعد، من بين الخطوات الخاطئة الشائعة بين المستثمرين من مختلف الفئات العمرية، والإصابة بالذعر حيال انحسار السوق، والتوقف عن الاستثمار كلية، بما في ذلك الإسهام في خطط التقاعد.قبل أن تدخل أي تغييرات على توزيع الأصول الخاصة بك، حتى دراسة سحب أموال، من المهم أن تتوقف قليلاً للتفكير في ماهية هدفك واستراتيجية الاستثمار الخاصة بك، حسب نصيحة إنغا تيمرمان، البروفسورة المساعدة بمجال التمويل في جامعة ولاية كاليفورنيا في نورثريدج ومالكة شركة «أتينابل ويلث».وأضافت تيمرمان: «إذا كنت في الـ35 من العمر، فليست هناك حاجة لتغيير مخصصات استثماراتك المتعلقة بحساب تقاعد لن تمسه قبل بلوغك الـ60. وإذا ما قررت جعل المحفظة أكثر تحفظاً، عليك التأكد من وجود خطة واضحة أمامك، خطة محددة المعالم، بخصوص متى ستعود، وليس مجرد فكرة عامة حول متى ستبدأ السوق في التعافي، خاصة أنه من المستحيل معرفة ذلك».نقل الاستثمارات إلى النقد، باعتباري شخصاً يعمل لحسابه الخاص، تعرض دخلي لانهيار شديد خلال مارس (آذار) وأبريل (نيسان) جراء الوباء. وجرى إلغاء كثير من الفعاليات التي كان من المقرر مشاركتي فيها بإلقاء كلمة، وشرعت شركات إعلامية في تجميد موازناتها المخصصة للعاملين معها على نحو حرّ. وأعترف أنني قد انتابني الذعر لبعض الوقت لعدم وجود احتياطات نقدية كافية لديّ. إلا أنه لحسن الحظ، شعرت ببعض الارتياح كوني أعمل بمفردي وكافأتني السوق عن ذلك لدى استعادتها عافيتها. ومع هذا، فإن كثيراً من الأشخاص لا يعرفون كيف يمكنهم التشبث بأماكنهم في أوقات الأزمات.من ناحيتها، أخبرتني لورين أناتازيو، المخططة المالية المعتمدة لدى شركة «صوفي»، عن رجل نصحه أحد السماسرة ببيع محفظته بالكامل. وكان هذا المستثمر في أوائل الستينات من العمر، وباع محفظته بالفعل في وقت كانت السوق في القاع. ولم يعاود استثمار المال، وبالتالي فاتته فرصة الاستفادة من فترة معاودة السوق الصعود، وأصبح يملك أقل بنسبة 25 في المائة عما كان سيصبح بحوزته، لو أنه أبقى على استثماراته ببساطة دونما تغيير.الملاحظ أن غالبية المخططين لديهم صورة أو أخرى من هذه القصة. وبدلاً عن نقل الأموال من شركة السمسرة إلى حسابك المصرفي الذي يتسم بمعدل الفائدة الزهيد، عليك أولاً التفكير في إعادة تحقيق توازن في استثماراتك باتجاه محفظة أكثر محافظة.التركيز على العائدات قصيرة الأجل، ترى هيلين نغو، الرئيسة التنفيذية لشركة «كابيتال بنشمارك بارتنرز»، أن العملاء يميلون عادة إلى التسبب في تفاقم شعورهم بالذعر، من خلال تركيزهم على البيانات ربع السنوية أو الشهرية لحساباتهم، بدلاً عن تقييم مجمل الأداء.وأضافت: «كان ذلك واضحاً للغاية في مارس وأبريل عندما تسلموا بياناتهم ربع السنوية، وعاينوا تراجعاً بنسبة 20 في المائة في حساباتهم. إلا أنهم إذا نظروا إلى مجمل الأداء منذ فتح الحساب، سيجدون أن الوضع ليس بذلك السوء».وتنصح نغو العملاء بأن يبقوا نصب أعينهم نمط الحساب الذي يملكونه، والأفق الزمني المرتبط به. وعن هذا، قالت: «إذا كان الأفق الزمني 5 سنوات أو أكثر، فإن حدوث فترة ركود تعتبر بمثابة فرصة للاستفادة من استثمارات أرخص ومعدلات فائدة أرخص إذا ما كنت تتطلع نحو اقتراض المال». ورغم ذلك، من المهم تجنب المبالغة في الاقتراض.الاقتراض من أجل الاستثمار في سوق الأسهم، في محاولة لتخفيف حدة مخاوف الرأي العام، عادة ما ترفع الشخصيات الإعلامية المعنية بمجال المال والخبراء الماليين على حد سواء شعار أن فترة الركود تعتبر فرصة للشراء بأسعار زهيدة للغاية أو اقتناص عقارات بأسعار رخيصة. وبطبيعة الحال، تحمل هذه الرؤية بعض الحقيقة، لكنها ليست سبباً كافياً لأن تسقط نفسك في فخ الرفع المفرط.في الغالب يكون من الخطأ الحصول على قروض مِلكية، عقارات أو قروض شخصية مرتفعة الفائدة، أو استغلال النقد الذي توفره بطاقات الاعتماد، في محاولة استغلال السوق المنخفضة، حسبما تنصح نِكي دون، مؤسسة شركة «شي توكس فاينانس». وتخبر دون عملاءها بأنه عند معايشة فترة ركود، فإن أسعار الأصول، بما فيها المنازل، يمكن أن تتراجع، وفي الوقت ذاته يمكن أن يصبح أمنك الوظيفي محط مخاطر.في هذا الصدد، قالت إناتازيو إن «الاستثمار بالاعتماد على الاقتراض يمكن أن يبدو منطقياً فيما يخص أولئك الذين يحظون بموقف مالي قوي (بمعنى أنهم يحظون بسيولة ولا يحملون على عاتقهم ديوناً مرتفعة الفوائد ولديهم مصدر دخل جدير بالاعتماد عليه)، لكن اقتراض المال بفائدة تتراوح بين 10 في المائة و15 في المائة أو أكثر لأنك تظن أن بمقدورك مضاعفة ذلك المال، أمر لا ننصح بالإقدام عليه مطلقاً».من جهتها، ترى مورين رايت، المستشارة المالية لدى شركة «سيفانت كابيتال مانيجمنت»، أن التركيز على تصعيد المخاطر بدلاً عن نزع المخاطر عن الاستثمارات من الخطوات التي كثيراً ما يقدم عليها البعض خلال فترة الركود الحالية، وذلك بفضل توافر أدوات استثمارية وتكنولوجية (مثل تطبيقات الاستثمار الصغير والأسهم المكسورة) لم تكن متاحة خلال فترة ركود 2008 - 2009.التركيز على إعادة سداد الديون بقوة، ينصح المخططون الماليون كذلك بعدم الإقدام على تعزيز أو تخفيض الموارد من أجل سداد ديون على نحو أسرع عن المطلوب. خلال فترات الركود، من الأفضل الالتزام بالحد الأدنى المطلوب للسداد.وفي هذا الصدد، قالت سامانثا غوريليك، مخططة مالية معتمدة لدى شركة «برنش آند بدجيت»: «بمجرد أن تنتهي من سداد تلك الديون، ستفاجأ أن المال نفد. لذا، عليك التشبث بمدخراتك تحسباً لأن تحتاج إليها حال فقدانك مصدر دخلك».ومع هذا، فإنه حال تراكم الديون بدرجة هائلة، يتعين عليك حينها السعي لطلب العون.عدم السعي لطلب المساعدة، أشارت ليز ويستون، المخططة المالية والكاتبة لدى «نيرد واليت»، إلى أن «أحد أكبر الأخطاء عدم استشارة محامٍ متخصص في قضايا الإفلاس، إذا كنت تعاني من أعباء ديون ثقيلة. الملاحظ أن غالبية الناس يستمرون في محاولة سداد ديونهم بعد تجاوزهم بفترة طويلة النقطة التي كان ينبغي لهم الاستسلام والتوقف عندها، أو يحاولون تسوية ديونهم، في وقت يمكن إسقاط تلك الديون على نحو قانوني».وأوضحت ويستون أن الأفراد بوجه عام يتمتعون في الوقت الراهن بقدرة غير مسبوقة على الاستفادة من برامج تسهيلات سداد الديون من جانب جهات الإقراض، والتي يمكن للمرء من خلالها كسب مزيد من الوقت لسداد ديونه. إلا أنه إذا كنت على وشك اتخاذ قرار بخصوص الإفلاس، فإن استشارة محامٍ يمكن أن تفيدك في الخروج من تلك الأزمة في أفضل صورة ممكنة.اتخاذ قرارات مذعورة بدلاً عن التقدم ببطء؛ إذ من أكثر الأمور إثارة للشعور بالألم فيما يخص الوباء والحجْر الصحي، الشعور العام بأننا نقف في مواجهة المجهول. وفي هذا الصدد، شرحت جود بوردو، المخططة المالية البارزة لدى «ذي بلانينغ سنتر»، أن «النصيحة الكبرى التي أقدمها للأفراد خلال الفترات التي تسودها الشكوك تدوين كل ما يدور في أذهانهم كتابياً».واستطردت موضحة أن «كتابة جميع المخاوف التي تراودني يعينني على تقييمها على نحو موضوعي. وتتضمن تلك المخاوف الاعتماد على مصدر دخل متقلب والعيش في منطقة باهظة التكلفة والحاجة لسداد تكاليف طبية باهظة إذا ما اضطررت أنا أو زوجي دخول المستشفى حال الإصابة بفيروس (كوفيد - 19) أو أي مشكلة صحية أخرى. ورغم أننا نتمتع بغطاء تأمين صحي جيد، غالباً ما نشعر أننا على بُعد مشكلة صحية واحدة من تحمل ديون هائلة، وينطبق القول ذاته على كثير من الأسر الأميركية. وكان من شأن دفعي لتلك المخاوف خارج رأسي السماح لي بوضع موازنات للمواقف المختلفة. كما أنني قلّصت الراتب الذي أمنحه لنفسي كي أضمن بقاء الاحتياطي التجاري الخاص بي لفترة أطول، إذا ما استغرقت فترة أطول في بناء دخلي الأسري».نسيان التاريخ. رغم أنه لا توجد فترتا ركود متماثلتان، فإنه من المهم للغاية تذكر أن فترات انحسار الأسواق جزء طبيعي من النمو الاقتصادي. لقد أعقب «الكساد العظيم» أطول فترة صعود للأسواق في التاريخ، وصل خلالها مؤشر «داو جونز الصناعي» لمستويات غير مسبوقة من حيث الارتفاع.موجز القول إن أكثر المستثمرين المخضرمين من المحتمل أن يخالجهم بعض الذعر خلال فترات الركود، لكن من المهم للغاية أن تأتي التحركات المالية في تلك الفترات انطلاقاً من الحقائق، وليس المشاعر والهواجس.- بالاتفاق مع «بلومبرغ»

مشاركة :