علامة استفهام مثيرة ضمن سياق انتخابات الرئاسة الأميركية 2020: «لمن سيصوت المسلمون... للرئيس ترمب، أم لمنافسه الديمقراطي جوزيف بايدن؟».جاءت نتيجة انتخابات التجديد النصفي في 2018 لتعزز من الحضور الإسلامي الأميركي على صعيد الحياة السياسية الأميركية، ولعل المتابع لتحركات المسلمين الأميركيين من عرب وأفارقة وآسيويين منذ بضعة أشهر، يرى تحركات حثيثة لجعل قضية المشاركة في الانتخابات القادمة مسألة منهجية، لها رؤيتها وخطواتها التكتيكية، ومعاييرها ومحدداتها التي تدفع بها من أجل تحقيق أهدافها الاستراتيجية.في هذا الإطار، كانت هناك حملات تبرعات منظمة من أجل تعميق المشاركة، وإظهار الولاء والانتماء الوطني للدولة الأميركية، الأمر الذي يصد ويرد الاتهامات الموجهة لكل ما هو ومن هو مسلم وإسلامي داخل أميركا.الدعوة إلى التبرعات وتنظيم الصفوف، يمتد الآن عبر عدة ولايات أميركية كبرى مثل ميشيغان، فيرجينيا، بنسلفانيا، أوهايو، فلوريدا، جورجيا، نيويورك، إلينوي، تكساس، وكاليفورنيا... ما المقصود بالصد والرد هنا؟ليس سراً أنه في حملة الانتخابات الرئاسية 2016 جرت بعض المحاولات للإساءة إلى كل ما هو إسلامي في الداخل الأميركي، واعتبر الأمر جزءاً من خطة الجمهوريين، ولهذا فإن الهدف الأول من التبرعات الأخيرة هو الوصول إلى المنصات الإعلامية التي تقوم على تقديم الصورة للمواطن الأميركي، ومنها صورة المسلم الأميركي، لا سيما أنَّ الانتخابات لا تجري فقط على صعيد الرئيس، بل تتناول أعضاء الكونغرس وحكام الولايات وعمد المدن والبلدات الأميركية، أي أنه موسم أقرب إلى العرس الانتخابي، في معناه ومبناه البسيط وغير المركب.من الواضح أن مسلمي الداخل الأميركي، الذين هم بالضرورة جزء من النسيج المجتمعي الأميركي، قد اكتسبوا من الخبرة الانتخابية الكثير منذ بدايات التسعينات وحتى الساعة، أي نحو ثلاثة عقود من التراكم المعرفي، بأسس وآليات هذه العملية المثيرة، ولهذا تم تطوير أنظمة حسابية لتحديد الناخبين المسلمين المحتملين، واستخدام أنظمة معلومات أخرى مثل نماذج العرق في بيانات الناخبين.هل كان خطاب الإسلاموفوبيا في العقد الأخير، عامل جذب لمسلمي الداخل الأميركي، للإقبال على ممارسة الحياة السياسية، بما فيها التصويت في وقت الانتخابات؟علامة الاستفهام المتقدمة تصدت للإجابة عنها صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية الشهيرة، التي قطعت بأن ذلك كذلك بالفعل، ودللت على صدقية قراءتها بالأرقام، فقد ترشح مائة مسلم لخوض انتخابات التجديد النصفي الأميركي التي أجريت في 6 نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، بعد أن كان عددهم 12 مرشحاً في انتخابات 2016... إلام يعزى هذا التوجه؟قد يختلف المرء قليلاً أو كثيراً مع إدارة أميركية بعينها، ديمقراطية أو جمهورية، لكن هذا لا يهم، ذلك أنه في نهاية المطاف نحن أمام نسق مؤسساتي يتيح للجميع الإدلاء بالرأي، وهذه الميزة الحقيقية للديمقراطية القادرة على تداول السلطة، وليست تلك التي رأينا مثالاً مغشوشاً لها في بعض دول العالم العربي في السنوات القليلة التي أعقبت عام 2011 زمن الثورات المغشوشة، والجماعات الأصولية التي نظرت للديمقراطية بوصفها سلماً، يمكن تسلقه مرة لتحقيق أهدافها ثم الإطاحة به بعيداً.من المؤكد أن الرؤية النقدية لدى الناخب الأميركي، هي التي تمكنه من إفساح المجال واسعاً للجميع، وهي في الوقت ذاته التي تسمح له بإعادة تقييم تجربته مرة كل عامين لمجلس النواب بأكمله، ولثلث أعضاء مجلس الشيوخ، وللرئيس كل أربع سنوات.هناك في سياق التصويت الخاص بمسلمي أميركا في انتخابات الرئاسة المقبلة بعد مهم، وهو الدور الذي يمكن أن تلعبه تجمعاتهم في الولايات المتأرجحة أو المتقلبة في مزاجها التصويتي، والملاحظ أن هوى مسلمي أميركا طوال الأعوام 2012، 2016، 2018 كان ديمقراطياً، وبدعم يصل إلى 74 في المائة من مجمل عدد من يحق لهم التصويت... هل من أرقام محددة عن هؤلاء؟تعد مؤسسة «بيو» للأبحاث في واشنطن واحدة من أعرق المؤسسات البحثية، وأكثرها صدقية، وقد أشارت مؤخراً إلى أن عدد مسلمي أميركا يبلغ 2.15 مليون نسمة، وفي الوقت نفسه وجد معهد «ISPU» في واشنطن أن 73 في المائة من المسلمين البالغين والمؤهلين تم تسجيلهم للانتخابات في عام 2019، وهذا يحقق ارتفاعاً بنسبة 60 في المائة عن عام 2016، وقد قام 29 في المائة منهم بالتصويت.هل تعني السطور المتقدمة أن مسلمي أميركا يمكن أن يشكلوا أهمية بعينها على صعيد الانتخابات الرئاسية المقبلة؟أغلب الظن نعم.
مشاركة :