عمود من الدخان الأبيض ثم انفجار برتقالي وسحابة من الدخان الأسود تجتاحه، كان ذلك آخر ما رآه روني مكتّف بعينيه قبل أن يترك انفجار مرفأ بيروت بصمة قاسية على وجهه. يقول الطبيب النفسي بينما ما يزال جرحه ينزف «لقد فقدت الرؤية الجانبية بالكامل أو ربما رؤيتي لنفسي. إذا نظرت إلى نفسي في المرآة، أشعر أنني خسرت ما كنته مع عينين».وتسبّب انفجار المرفأ المروع في 4 أغسطس/آب بمقتل 177 شخصاً عدا عن إصابة أكثر من 6500 شخص، تشوّهت وجوه عدد منهم خصوصاً من جرّاء تساقط الزجاج وتناثره. ويعاني 400 شخص على الأقل إصابات في العين، تطلبت أكثر من 50 منها تدخلاً جراحياً، وأصيب 15 شخصاً على الأقل بعمى دائم في عين واحدة. بعد نحو أسبوعين على الانفجار، يجلس مكتّف في مكتبه على الأريكة المخصصة عادة لمرضاه، يؤشر بيده إلى جرحه، ويقول: «هذا هو تأثير الانفجار».عند دوي الانفجار، كان مكتّف يجلس على شرفة منزل صديقه المطل على المرفأ، وألقاه عصف الانفجار نحو الباب الأمامي كما لو أنه «ذرة غبار». حتى اللحظة، لا يدرك ما إذا كانت الإصابة في عينه ناتجة عن اصطدامه بالباب أو عن قطعة زجاج طائرة.إلا أنه ينقل عن الأطباء أن ضغط الانفجار نفسه قد يكون أدى إلى تمزق عينه، وهو ما يجعل عملية ترميمها مهمة صعبة. ويشرح أن شخصاً لا يعرفه نقله ك«المجنون» على دراجته النارية التي اخترقت الركام إلى مستشفى مجاور سرعان ما تبيّن أنه خرج من الخدمة؛ من جرّاء الانفجار. ومن حيث لا يدري، أقبلت راهبة نحوه بعدما أخرجت سيارتها وسط الدمار، ونقلته إلى مستشفى آخر تبيّن أنه بدوره خرج من الخدمة. ويصف المشهد في تلك اللحظات قائلاً: «بدت المدينة كأنها رؤية من الجحيم».نصف أعمى وتمكّن أحد أصدقائه أخيراً من ترتيب موعد لجراحة خضع لها في مستشفى في مدينة صيدا جنوباً. استغرقت العملية نحو ساعتين من دون أن يتمكن الأطباء من إنقاذ عينه. لا ينكر مكتّف أنه «أكثر حظاً من معظم» ضحايا الانفجار؛ لكن ذلك لا يبدّد مرارة الخسارة.في مستشفى العين والأذن في منطقة النقاش شمال بيروت، يجري مارون داغر، مطور المواقع مراجعته الطبية الثالثة منذ وقوع الانفجار. ويقول: إن «انفجار بيروت غيّر كل شيء» بعدما خسر قدرته على الرؤية في إحدى عينيه، وبات القيام بأبسط الأمور مهمة صعبة.وكان مارون يقف مقابل نافذة على بعد شارع واحد من المرفأ حين دوّى الانفجار ودخلت زجاجة بطول سنتيمترين في الجهة العليا من عينه اليسرى. في الأيام القليلة الأولى، اقتصر ألمه على الجانب «الجسدي فقط»، لكنّ الوجع اتخذ منحى آخر عندما جرى إبلاغه بأن نظره قد تضرر على الأرجح بشكل دائم. وباتت صباحه يعد صعباً منذ ذلك الحين. ويوضح: «كنت أحلم أنّه بإمكاني رؤية كل شيء ومن ثم أستيقظ.. نصف أعمى»، ما يتسبّب بتدفق «مشاعر سيئة».(أ ف ب)
مشاركة :