فاجأت المحكمة الدولية، التي نظرت في قضية اغتيال رفيق الحريري ورفاقه، اللبنانيين عندما اكتفت بإدانة متهم واحد من حزب الله هو سليم عياش. لكن سياسيين لبنانيين أعربوا عن اعتقادهم أن أهم ما في الحكم هو الرسالة السياسية التي انطوى عليها عندما وضع اغتيال رفيق الحريري في الرابع عشر من فبراير 2005 ضمن سياق استياء النظام السوري وحزب الله من سلوكه. والمتهمون البارزون في القضية، الذين لهم صلات بحزب الله، هم سليم جميل عياش، وحسن حبيب مرعي، وحسين حسن عنيسي، وأسد حسن صبرا، إضافة إلى خامس يدعى مصطفى بدرالدين “قُتل في سوريا”. والتقط سعد الحريري الذي حضر إلى لاهاي للاستماع إلى حكم المحكمة أبعاد هذا الحكم قائلا “عرفنا الحقيقة اليوم جميعا، وتبقى العدالة التي تريد أن تنفذ مهما طال الزمن”. وعبّر عن ارتياحه لقرار المحكمة طالبا من حزب الله التعاون وتسليم المدان بقتل والده، كما طالب اللبنانيين بعدم قبول أن يصبح وطنهم مرتعا للقتلة أو ملجأ للهروب من العقاب. وكان أمين عام حزب الله حسن نصرالله قال، في خطاب الجمعة، إن الحزب سيتعامل مع قرار المحكمة “وكأنه لم يصدر”. واعتبر الرئيس اللبناني ميشال عون، الثلاثاء، أن تحقيق العدالة في جريمة اغتيال الحريري ورفاقه “تجاوب مع رغبة الجميع في كشف ملابسات هذه الجريمة البشعة”. وأضاف عون عقب صدور قرار المحكمة الدولية أن جريمة اغتيال الحريري “هددت الاستقرار والسلم الأهلي في لبنان، وطالت شخصية وطنية لها محبوها وجمهورها ومشروعها الوطني”. ودانت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان الثلاثاء واحدا من المتهمين الأربعة الأعضاء في حزب الله في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري بعد محاكمة استمرت ستة أعوام. وقال رئيس المحكمة القاضي ديفيد راي في ختام نص حكم استغرقت تلاوته ساعات “تعلن غرفة الدرجة الأولى سليم عياش مذنبا بما لا يرقى إليه الشك بصفته شريكا في ارتكاب عمل إرهابي باستخدام مادة متفجرة، وقتل رفيق الحريري عمدا، وقتل 21 شخصا غيره، ومحاولة قتل 226 شخصا”، هم الجرحى الذين أصيبوا في التفجير الذي قتل فيه الحريري. وأضاف القاضي أن المتهمين الآخرين حسن حبيب مرعي وحسين حسن عنيسي وأسد صبرا “غير مذنبين في ما يتعلق بجميع التهم المسندة إليهم”. وقالت المحكمة في قرارها إن “الاغتيال عمل سياسي أداره هؤلاء الذين شكل الحريري تهديدا لهم”. وأضافت أن المتهمين “تورطوا في المؤامرة على الأقل يوم 14 فبراير 2005 والفترة التي سبقتها، والأدلة لا تثبت على نحو مؤكد مَن وجّههم على قتل الحريري ثم تصفيته كخصم سياسي”. وذكرت أنها “تشتبه بأن لسوريا وحزب الله دوافع لاغتيال” الحريري، “لكن ليس هناك دليل على أن قيادة حزب الله كان لها دور في الاغتيال”، و”ليس هناك دليل مباشر على ضلوع سوريا في الأمر”. واعتبر رئيس الحكومة اللبنانية السابق سعد الحريري أن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي أصدرت حكمها في قضية اغتيال والده رفيق الحريري، كشفت “الحقيقة”، معلنا باسم عائلته وعائلات الضحايا “قبول” الحكم. وقال الحريري في مؤتمر صحافي عقده في لايدسشندام حيث مقر المحكمة قرب لاهاي “المحكمة حكمت ونحن باسم عائلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري وباسم عائلات الشهداء والضحايا نقبل حكم المحكمة، ونريد تنفيذ العدالة”، مضيفًا “عرفنا الحقيقة اليوم جميعًا وتبقى العدالة التي نريد أن تنفّذ مهما طال الزمن”. وأضاف “التضحية يجب أن تكون اليوم من حزب الله الذي أصبح واضحا أنّ شبكة القتلة خرجوا من صفوفه، ويعتقدون أنّه لهذا السبب لن يتسلموا إلى العدالة وينفذ فيهم القصاص، لذلك أكرّر: لن أستكين حتى يتم تسليمهم للعدالة ويتنفذ فيهم القصاص”. واعتبرت مصادر سياسية لبنانية أن حصر الاتهام في سليم عياش لا يعني أنه الوحيد المسؤول عن التنفيذ، بل لأن مثل هذه العملية التي نفذتها مجموعة موثوقة جدا وشبكة مُغلقة ومحترفة من حزب الله يصعب اختراقها، فيصبح من الصعب جدا معرفة كل المتورطين والوصول إلى الأدلة الكافية لإدانتهم. واعتبر سياسي لبناني أن قرار اغتيال شخصية مثل رفيق الحريري لا يتخذه حسن نصرالله وقاسم سليماني فقط، إنهما شركاء في القرار، لكن جريمة بهذا الحجم لا تحصل إلا بعد موافقة علي خامنئي شخصيًّا. وأضاف السياسي في تعليق على قرار المحكمة الدولية “حصلنا اليوم على الجزء التقني من الحقيقة، لكن اغتيال رفيق الحريري هو مشروع سياسي متكامل، وما الحقيقة التقنية التي عرفناها إلا وسيلة لهذا المشروع”. وشدد السياسي في تصريح لـ”العرب” على أن الاكتفاء بالحقيقة التقنية والعدالة هو خيار منقوص، لأنهما لا يشكلان رادعا كافيا لوقف آلة القتل. وطالب بالعقاب باعتباره واجبا ضروريا؛ لأن “منظومة الإجرام فاجرة وفيها كل الشر، لا ترتدع أخلاقيًّا بانكشاف الحقيقة”.
مشاركة :