الفلسطينيون لا يتعلمون من دروس الماضي، يكررون الأخطاء نفسها، يعمّقون بأنفسهم جراحهم بسلوكيات وتصرفات غير مسؤولة، ولا يتوقفون عن البحث عن خصوم جدد، والتخلي عن الداعمين لهم، بما ساعد على التفريط بحقوقهم، وبما جعل الاهتمام بقضيتهم يتناقص عربياً ودولياً. * * من سيبقى لهم من داعمين إذا كانوا سيتعاملون مع كل من يعترف بإسرائيل بمثل ما تعاملوا به مع دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث الشتائم، والتطاول على رموز دولة الإمارات، والتعامل مع صور ولي عهد أبوظبي بمثل ما تم في غزة، في ممارسات صبيانية عبثية، أبعد ما تكون عن التعبير برأي يخالف ما أقدمت عليه دولة الإمارات. * * هناك كلام وتسريبات عن أن دولاً عربية أخرى سوف تحذو حذو دولة الإمارات، وأن بعض الفلسطينيين بتشجيع من قطر وتركيا وإيران سوف يتعاملون معها كما فعلوا مع دولة الإمارات، أي اتهام قادتها بالخيانة، متناسين كل ما وثقه التاريخ، من دعم مادي وسياسي وعسكري، وأن أي تطبيع للعلاقات مع إسرائيل، إنما تمليه مصالح هذه الدول، وقراءاتها للسياسات الخطأ في الماضي والحاضر وما يخطط له في المستقبل لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، سواء من الفلسطينيين، أو من العرب، أو من دول العالم، بل وحتى من إسرائيل. * * اتهام الآخرين بالخيانة، والإساءة إليهم بأقذع العبارات، وتسابق القادة الفلسطينيين في الظهور الإعلامي عبر قناة الجزيرة للتعبير بما يتوافق مع توجهات قطر في الإساءة إلى دولة الإمارات وولي عهد أبوظبي، سوف يزيد من عزلة هذه المنظمات الفلسطينية، سواء أكانت «حماس» أو «فتح» أو غيرهما، لأن المزاج الإماراتي والعربي لن يقبل بهذا السقوط الأخلاقي المريع بوصفه رد فعل على قرار سيادي لهذه الدولة أو تلك. * * الخيار الوحيد أمام الفلسطينيين بعد أكثر من سبعين عاماً من الضياع، هو الواقعية في التعامل، وقراءة ما يمكن عمله بشكل صحيح، وتجنّب المنزلقات التي تدفعهم إليها قوى ومؤسسات ودول لا تريد لهم الخير، بعد أن قزّمت ثورتهم، وأضاعت حقوقهم، وجردتهم من أهم أسلحتهم وهو تضامن العرب معهم، بسبب مواقفهم من الدول الخليجية تحديداً، وهي الداعم الأكبر لهم. * * أكتب هذا وكلي حزن وألم مما آلت إليه القضية الفلسطينية بسبب قادتها، إذ كيف لهؤلاء القادة أن يفعلوا ما فعلوه في لبنان حين كانت تأوي منظمة التحرير الفلسطينية قبل إجبارها وقادتها للانتقال إلى تونس، وقبلها ما أقدموا عليه في الأردن بما سمي بأحداث (أيلول الأسود) عندما كانت المنظمة بقادتها في ضيافة الأردن، حيث كانت -آنذاك- ممارسات للإخلال بالأمن وإحداث فوضى وقتال في كل لبنان والأردن، بل كيف لهم أن يقبلوا بتشريد الشعب الكويتي دعماً لاحتلال صدام حسين لبلادهم، وهي الدولة الخليجية التي دعمت الثورة الفلسطينية، وانطلقت منها حركة فتح، ثم يطالبوا الدول الخليجية باستمرار الدعم لقضيتهم، ومعالجة مأساة من هم بالشتات منهم، غير مكترثين بالجرح النازف الذي يعاني منه الكويت إلى اليوم. * * وماذا سيكون موقف دولة الإمارات بعد أن عوملت بهذا الإسفاف والبذاءات في الشوارع الفلسطينية وعبر القنوات الفضائية ومنصات التواصل الاجتماعي، وهي من بين أكثر الدول المساندة للقضية الفلسطينية بما لا ينكره فلسطيني واحد إلا أن يكون ناكراً للجميل وجاحداً، ومتآمراً على دولنا. * * لقد ظل الفلسطينيون يتجاهلون مواقف دول مجلس التعاون باستثناء قطر من القضية الفلسطينية، ويتبادلون الأدوار في الإساءة إلى هذه الدول، وينتهزون الفرص والمناسبات للتقليل من مواقفها المشرفة، بينما يكررون الثناء والإشادة والمديح لدول تتآمر عليهم، إما نفاقاً لها، أو خوفاً منها، أو مجاملة لها، وهو ما لم يغب ولن تنساه شعوب دول مجلس التعاون، أو تتسامح معه. * * نحن مع دولة فلسطينية وعاصمتها القدس، ومع عودة اللاجئين، ولكن هذا لن يتحقق بالعنتريات والسباب والشتائم، والخيانات، وإنما بالعمل والإخلاص، وتحمل المسؤولية، وهو ما افتقده الشعب الفلسطيني في قادته منذ عام 1948 وإلى اليوم، مثلما افتقدناه نحن أيضاً.
مشاركة :