أعلنت وزارة الطاقة عن تحرير أسعار الوقود في دولة الإمارات، بدءاًَ من مطلع أغسطس/آب المقبل. وهذه خطوة صحيحة وأساسية لتصحيح الخلل المتوقع في الموازنة العامة، نتيجة للانخفاض المستمر في أسعار النفط الذي يشكل المصدر الرئيس للموازنة العامة في الأسواق العالمية، خاصة أن التوقعات تشير إلى أن هذا الانخفاض سيظل قائماً لفترة طويلة مقبلة. ولقد كان الوضع القائم في الدولة من ناحية أسعار المشتقات النفطية قائماً على دعم أسعار هذه المنتجات، الأمر الذي حمّل الخزانة العامة أكلافاً مالية ضخمة جاوزت المليارات. وسياسة الدعم يمكن أن تكون مقبولة إذا كان هذا الدعم موجهاً لإفادة شرائح المجتمع الأقل دخلاً، أو التي تعاني صعوبات معينة، إلا أن السياسة السابقة للدعم كانت تستفيد منه حتى الفئات غير المعسرة أو غير المحتاجة إليها. لذلك فإن الاستمرار في سياسة الدعم السابقة، فضلاً عن أنها تكلف الخزانة أعباء مالية هائلة، فإنها لم تكن تتماشى مع المنطق الطبيعي للدعم. وقد يتخوف البعض من أن تحرير أسعار المشتقات النفطية قد يؤدي إلى ارتفاع سريع لمعظم أسعار السلع والخدمات، خاصة المعتمدة على النقل، إلا أن واقع انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية حالياً وفي الفترة القادمة، تجعل احتمالات هذا الأمر منخفضة جداً. صحيح أن البعض من التجار قد يستغل هذا الأمر لزيادة غير مبررة وغير حقيقية في الأسعار، لكن الدولة يجب أن تكون لهم بالمرصاد. كما أن الدولة يمكنها أن تخفّف أي عبء محتمل على الفئات الأقل دخلاً، بسبب تحرير أسعار المشتقات النفطية، من خلال وسائل عدة. منها إصدار بطاقات ذكية للمواطنين يتمّ شحنها شهرياً بمبالغ محددة، وفقاً لعدد أفراد الأسرة، وتكون هذه البطاقات قابلة للاستخدام في منافذ بيع الوقود فقط. وكنت قد أشرت إلى هذه الآلية في مقال بعنوان ارتفاع أسعار المحروقات والتضخم نشرته الخليج بتاريخ 4 سبتمبر/أيلول 2005. وملاحظة أخيرة في هذا الشأن هي أن التحرير يجب أن يكون في الاتجاهين، بمعنى أن أسعار المشتقات النفطية يجب أن تنخفض مع انخفاض الأسعار العالمية. وحسناً فعلت وزارة الطاقة، حين أعلنت أنها ستحدد أسعار الوقود استناداً إلى الأسعار العالمية، مع إضافة الكلفة التشغيلية حتى لا يترك الأمر للمتلاعبين. وختاماً نقول إن الإمارات تثبت يوماً بعد يوم، أنها تتبنى نهجاً سليماً في كل المجالات، وأنها تبني الدولة على قواعد مؤسسية سليمة قابلة للاستمرار والديمومة.
مشاركة :