فتح قرار المحكمة الخاصة باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري باب الجدل على مصراعيه حول مآلات الوضع السياسي المرتقب بعد الكشف عن المتورطين في هذه العملية، خاصة وأن شبهة تورط حزب الله والنظام السوري لا تزال قائمة، رغم أن القضاة ليس لديهم أدلة كافية على أنهما هما من حرّكا خيوط المؤامرة خلف الكواليس للسيطرة على مفاصل الدولة اللبنانية بالقوة. بيروت – طوت محاكمة المتّهمين في قضية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري قبل 15 عاما، من قبل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي أُنشئت لهذا الغرض، صفحة مسار استمر لسنوات في غياب المتهمين، ولكن القرار الصادر الثلاثاء خلّف سيلا من التساؤلات حول مآلات الوضع السياسي في بلد مدمر بالكامل وعلى جميع الأصعدة. ويبدو أن توقيت إعلان الحكم غير مناسب في ظل الأزمة السياسية التي تعصف بلبنان منذ أكتوبر الماضي وخلفت سخطا على الطبقة السياسية الفاسدة. ومع ذلك يستبعد مراقبون أن يكون للمحاكمة تأثير على الأزمة خاصة وأن هناك مرحلة الاستئناف التي قد تأخذ وقتا طويلا أيضا. ورغم أن هناك توقعات ترجّح أن تزيد الأحكام من التوترات المتصاعدة بين التيارات السياسية في ما بينها من جهة، وبين القوى السياسية المغضوب عليها والطبقة الشعبية من جهة أخرى، بعد أسبوعين من انفجار كارثي هز مرفأ بيروت وأودى بحياة قرابة 180 شخصا على الأقل وإصابة أكثر من ستة آلاف شخص وتدمير الآلاف من المنازل في العاصمة اللبنانية. وحتى قبل الانفجار المدمر في مرفأ بيروت، كان قادة البلد، الذين يحاولون التمسك بالسلطة مهما كانت التكاليف، قلقين من العنف بعد صدور الأحكام، فقد كان رفيق الحريري أبرز سياسي سني لبناني في ذلك الوقت، في حين أن حزب الله المدعوم من إيران جماعة شيعية كانت تتلقى الدعم من النظام السوري قبل انسحابه من البلاد بعد تلك الأزمة. وقد أدت التوترات بين السنّة والشيعة في الشرق الأوسط إلى تأجيج صراعات مميتة في سوريا والعراق واليمن وعلى نطاق أصغر في لبنان. ويرى بعض اللبنانيين في المحكمة الدولية وسيلة محايدة لكشف حقيقة مقتل الحريري، بينما يصفها حزب الله، الذي ينفي تورطه، بأنها مؤامرة إسرائيلية لتشويه سمعة الحزب. حزب الله في الواجهة مايكل يونغ: المرتبطون أساسا بما يحدث لا تزال الأحكام بشأنهم ذات أهمية مايكل يونغ: المرتبطون أساسا بما يحدث لا تزال الأحكام بشأنهم ذات أهمية زعم حزب الله مرارا وتكرارا أن هناك أطرافا تحاول استثمار قرارات المحكمة الخاصة باغتيال رفيق الحريري لتخفيف اندفاعته نحو تشكيل حكومة تكون تحت سيطرته على ضوء نتائج الانتخابات النيابية التي حقق فيها مع حلفائه أغلبية. ورغم أن المحكمة تفتقد الأدلة الكافية لتورط حزب الله وسوريا ولذلك لم تدن هذه الجهة المدعومة من إيران، إلا أن طيفا واسعا من السياسيين اللبنانيين يرون أنه السبب وراء اغتيال الحريري. وبرّأت المحكمة ثلاثة من الأربعة المتهمين في القضية، فيما أدانت متهما واحدا هو سليم جميل عياش وتم اتهامه بالتآمر بهدف ارتكاب عمل إرهابي وهو القتل العمد مع سبق الإصرار باستخدام مواد متفجرة، بينما قضت بعدم ثبوت الأدلة لإدانة الرجال الثلاثة الآخرين وهم حسن مرعي وحسين عنيسي وأسد حسن صبرا. ويعتقد المحللون أن التحقيق المطول والمحاكمة قد جعلا النتيجة شبه زائدة عن الحاجة، خاصة وأنّ المتهمين أحرار وخارج أسوار السجن. وكتب مايكل يونغ، وهو محلل من مركز كارنيغي للشرق الأوسط، معلقا على هذه القضية يقول إن الأحكام “ستبدو أكثر بقليل من مجرد تذييل لكتاب نفدت طباعته”. ويرى كثيرون أنه تم تسليط الأضواء على تحقيق الأمم المتحدة بشكل كبير باعتباره آلية لإنهاء الإفلات من العقاب، ولكن قرار المحكمة أثبت أنه على عكس ذلك تماما. ويقول يونغ “أولئك الذين يُعتقد أنهم نفذوا الاغتيال لا يجازفون بأي شيء تقريبا اليوم”، لكن بالنسبة للآخرين، وخاصة أولئك المرتبطين بشكل وثيق بالعنف، الذي يعصف بلبنان، فلا تزال الأحكام ذات أهمية. ويعتبر الكثيرون في لبنان أن لسوريا يدا في اغتيال الحريري، وهو ما أدى إلى انقسام البلاد منذ ذلك الحين بين تحالف مدعوم من الغرب وآخر تدعمه دمشق وطهران. وقد نفت سوريا أي علاقة لها بمقتل الحريري. وفي أعقاب الاحتجاجات التي أعقبت اغتيال الحريري، أُجبرت دمشق على سحب الآلاف من قواتها من لبنان، منهية بذلك سيطرتها على جارتها التي استمرت ثلاثة عقود. خلل بنيوي في الدولة الحكم في قضية اغتيال الحريري تزيد الضغوط على حزب الله الحكم في قضية اغتيال الحريري تزيد الضغوط على حزب الله ثمة خلل بنيوي في ولاء السياسيين الممثلين للمكونات اللبنانية الذي عادة ما يكون لصالح سياسات قوى إقليمية ودولية، أو لصالح الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية اللبنانية الجامعة الغائبة إلى حد ما. وربما تكون لحكم المحكمة الخاصة أبعاد أخرى ستكيّفها كل جهة وفق ما تراه على مقاسها وخاصة من الموالين لإيران، إذ أن حزب الله قد يعيد حساباته في هذا الموضع الحساس مرة أخرى بعيدا عن الجهات الدولية مثلما رفض إجراء تحقيق دولي في كارثة مرفأ بيروت. ويقوم النظام السياسي اللبناني على أساس اقتسام السلطات والمناصب السيادية على أساس الانتماءات الدينية والطائفية. وكرّس اتفاق الطائف 1989 الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية (1975 إلى 1990) معادلة اقتسام السلطة على أساس المحاصصات المكوناتية التي توزع المناصب الرئيسية بين المكونات الأساسية الثلاثة، المسيحيون والسنة والشيعة. وتتوزع الرئاسات الثلاث بواقع، الجمهورية للمسيحيين ورئاسة الحكومة للسنة ورئاسة البرلمان من حصة الشيعة، بينما يتنافس هؤلاء مع باقي المكونات على المناصب الرئيسية في الإدارات الحكومية مثل الوزارات وغيرها. ويرى مراقبون أن هذا الخليط من المكونات في رقعة جغرافية صغيرة تحيط بها منطقة تعيش فترة اضطرابات أمنية غير مسبوقة قد يزيد من تعقيدات المشهد السياسي اللبناني، وأن الأمر سيكون رهينا بسياسة أميركية أكثر صلابة تجاه أذرع إيران في البلاد. ويعاني عموم اللبنانيين من مشاكل يومية وأزمات متراكمة خلفها واقع بنية النظام السياسي الذي شكّل بيئة مواتية للفساد والمحسوبية وبالتالي الدخول في أزمات اقتصادية. وتلك الأزمات لا يمكن حلها في بلد يفتقر أصلا إلى الموارد دون تدخل المجتمع الدولي الذي ترفض القوى الفاعلة فيه تقديم أي مساعدات طالما ظل نفوذ حزب الله قائما في مؤسسات الدولة والشراكة في الحكم. ومنذ أكتوبر الماضي، خرج المحتجون إلى شوارع العاصمة اللبنانية احتجاجا على رفع الضرائب على الاتصالات والتبغ ومواد أخرى. وتطورت الاحتجاجات للمطالبة بإصلاحات جذرية للنظام السياسي القائم وإعادة تأهيل البنية التحتية للقطاعات الخدمية والحد من تراجع خدمات الكهرباء والماء وتكدس النفايات في شوارع العاصمة، بالإضافة إلى مكافحة الفساد المالي والمحسوبية وتوفير فرص عمل للعاطلين وإصلاح القطاع المصرفي وغير ذلك. لكن تفشي فايروس كورونا وفرض الحظر الجزئي أدّيا إلى تراجع زخم الاحتجاجات التي عادت ثانية أواخر أبريل الماضي بعد تفاقم الأوضاع المعيشية بشكل غير مسبوق وصعوبة الحصول على أبسط مستلزمات الحياة اليومية مثل الخبز الذي شهدت أفران العاصمة طوابير طويلة من المواطنين تصطف لساعات من أجل الحصول عليه. وتجددت الاحتجاجات بزخم أكبر ومطالب أوضح بعد انفجار مرفأ بيروت في الرابع من هذا الشهر، والذي خلف نحو 180 قتيلا وأكثر من ستة آلاف مصاب، بينما تقدر الخسائر الأولية بأكثر من 5 مليارات دولار والخسائر الإجمالية بنحو 15 مليار وفق تصريحات مسؤولين لبنانيين.
مشاركة :