بيروت – منذ صدور قرارات المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، الثلاثاء، تتصاعد تساؤلات بين اللبنانيين حول مكان تواجد سليم عياش (56 عاما)، وإن كانت جماعة حزب الله ستسلمه أم لا. “غيابيا”، أدانت المحكمة، ومقرها مدينة لاهاي بهولندا، عياش، عضو حزب الله، باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، عبر تفجير استهدف موكبه في العاصمة بيروت، ما أودى أيضا بحياة 21 شخصا آخرين، في 14 فبراير 2005. ومقابل إدانة عياش، برأت المحكمة المتهمين الثلاثة الآخرين (حسن مرعي، حسين عنيسي، وأسد صبرا)، وهم أيضا أعضاء بـحزب الله، لعدم وجود أدلة كافية، كما قررت عدم وجود أدلة على ضلوع كل من قيادة الجماعة ولا النظام السوري في اغتيال الحريري. وكان في القضية متهم خامس، يدعى مصطفى بدرالدين، لكن ثبُت للمحكمة أنه قُتل في سوريا، حيث يقاتل حزب الله إلى جانب قوات النظام السوري، في أعقاب اندلاع انتفاضة شعبية عام 2011، وهو ما يثير انتقادات للجماعة في لبنان. واعتبر مصطفى علوش، وهو قيادي في “تيار المستقبل”، بزعامة رئيس الوزراء السابق سعد الحريري (نجل رفيق الحريري)، أن “قرار المحكمة هو إدانة لحزب الله، إلّا إذا سلّم المذنب (عياش). وأضاف علوش في تصريحات صحافية “أصلا حزب الله لم يعترف بالمحكمة.. تبرئة المحكمة للمتهمين (الثلاثة الآخرين) لعدم الحصول على الدليل القاطع تؤكّد أن المحكمة ذات مصداقيّة عالية”. واستطرد “المذنب والمدان سليم عياش هو من كوادر حزب الله، والحزب وحده يعلم ماذا يعمل وأين هو، وإذا أراد الحزب أن يثبت حسن نيّته فعليه أن يُسلّم عياش.. لكن، بالتأكيد حزب الله لن يُسلّمه”. وحدّدت المحكمة 21 سبتمبر المقبل موعدا لإصدار العقوبة بحق عياش. ولا يعني النطق بالحكم أو العقوبة انتهاء عمل المحكمة، لكونها فتحت قضية أخرى العام الماضي موجهة تهمتي “الإرهاب والقتل” لعياش في ثلاث هجمات أخرى استهدفت سياسيين بين العامين 2004 و2005. وردا على سؤال بشأن خطوات “تيار المستقبل” إذا لم يسلم “حزب الله” عياش، أجاب علوش بأن “المحكمة هي التي تقرّر كيف ستتابع القضيّة، أمّا سياسيا فسعد الحريري أكّد أنّ أيّام التضحيات (من جانبه) قد ولّت”. مصطفى علوش: حزب الله وحده من يعلم أين هو عياش وماذا يعمل مصطفى علوش: حزب الله وحده من يعلم أين هو عياش وماذا يعمل وعقب قرار المحكمة، قال الحريري إن “التضحية يجب أن تكون اليوم من حزب الله، فقد أصبح واضحا أن شبكة القتلة خرجوا من صفوفه”، مشددا على أنه لن يستكين حتى تسليم الجاني للعدالة وتنفيذ القصاص. وأثار تشكيل المحكمة الدولية منذ البداية جدلا وانقساما في لبنان بين مؤيدين لها من حلفاء الحريري وآخرين من حلفاء حزب الله شككوا في مصداقيتها. وقد تؤدي نتيجة الحكم في لاهاي إلى تعقيد الوضع المضطرب بالفعل بعد انفجار الرابع من أغسطس الجاري واستقالة الحكومة المدعومة من حزب الله وحلفائه. وبشأن موقف السلطات اللبنانية من قرار المحكمة الدولية، يرى بشارة خيرالله، المحلل السياسي ، إن “قرار المحكمة تقني، حيث وجهت المحكمة اتهامها إلى المجرم، وحدّدت الجهة المنتمي إليها، لكنّها لم تستطع الحصول على أي دليل على أن حزب الله طلب من عياش تنفيذ الجريمة”. وأردف “على حزب الله تسليم المجرم.. وعلى السلطة السياسيّة والتنفيذيّة في لبنان تنفيذ قرار المحكمة وملاحقة عياش والمطالبة بتسليمه”. وتنفي جماعة حزب الله الشيعية المدعومة من إيران أي ضلوع لها في تفجير 14 فبراير 2005. واستبعد الكاتب والمحلل السياسي أسعد بشارة أنّ يسلم “حزب الله” عياش، قائلا ”بالتأكيد لا، ولكنّ هذا الأمر يرتب مسؤوليّة على الدولة، وإن لم تسلم الدولة المجرم تصبح خارج الشرعيّة الدوليّة”. من جهته اعتبر علي الأمين، محلل سياسي معارض لـحزب الله، أنه “بناء على ما قدّمته المحكمة، فإنّ حزب الله مدان في جريمة اغتيال الحريري”. وحسب الأمين ، فإن أي قارئ لهذا الحكم يدرك جيّدا أنّه إدانة للحزب، ليس بالمعنى القانوني، لأنّ طبيعة هذه المحكمة أنها تحاكم أفرادا، لكنّ مجرّد أن تدين مسؤولا في الحزب، فهذه بحدّ ذاتها إدانة”. وبرأيه فإن هذه الجريمة لا يمكن أن تُنفذ من جانب شخص واحد، هناك فريق عمل كامل خطط لها، وبالتالي لأنّ الفرد الذي ثبت عليه الحكم ينتمي إلى حزب الله، فهناك إدانة معنويّة للحزب. واستغرقت عملية التحقيق والمحاكمة الغيابية لأعضاء حزب الله الأربعة 15 عاما وبلغت تكلفتها نحو مليار دولار. وقد تكون المحكمة المختلطة المستندة للقانون الجنائي اللبناني ولمزيج من القضاة الدوليين واللبنانيين نموذجا إذا قررت بيروت تشكيل محكمة مماثلة لمحاكمة المسؤولين عن انفجار هذا الشهر. وعلى الجهة المقابلة، رأى قاسم قصير، محلل سياسي مقرب من حزب الله، أن “المحكمة الدولية لم تُدِن حزب الله في حكمها”. وتابع قصير “المحكمة ليس لديها أي دليل على أي دور لحزب الله في عملية الاغتيال”. ولدى سؤاله إن كان “حزب الله” سيتنصل من عياش وهو قيادي في الحزب، أجاب “لا أظنّ، فالحزب يعتبر أنه غير معني بالمحكمة بشكل عام، وهو لا يثق بها”. واستبق حسن نصرالله، الجمعة، صدور قرار المحكمة الدولية بالقول إنه سيتعامل مع القرار “وكأنه لم يصدر”. ومن بين تفسيرات الفريقين لقرار المحكمة، رأى وزير العدل اللبناني، السابق شارل رزق، أن “هذا الحكم لا يُعدّ انتصارا لأي فريق سياسي على الآخر، باعتبار أن هذا القرار قانوني قضائي، والمحكمة الدوليّة تحاكم الأشخاص ولا تحاكم دولا ولا مؤسّسات ولا منظمات”. وختم بقوله “نحترم القرارات القضائيّة، ومن يشعر أنه متضرّر من القرار باستطاعته أن يستأنف الحكم”. ومع تمسك الحريري بالقصاص وعدم اعتراف “حزب الله” بالمحكمة، تبدو ملفات لبنانية عديدة، ذات أبعاد إقليمية ودولية، مرهونة بتنفيذ العقوبة التي ستتخذها المحكمة.
مشاركة :