«حلاوة» للروائية الأمريكية توني موريسون (2-2)

  • 8/22/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أخبرتها أن تناديني بـ«سويتي» بدلاً من «والدتي» أو «ماما». كان ذلك أكثر أمنًا. فكونها بذلك السواد ولما لها من شفتين غليظتين وتناديني «ماما» كان سيربك الناس. إضافة إلى ذلك، كان لها عينان ذات لون يثير الضحك، سوداء كالحة كلون الغراب مع صبغة زرقاء. شيء يوحي بالسحر فيهما أيضًا. ولذلك، كنا نحن الاثنتين فقط لمدة طويلة، ولا داعي لأن أخبركم كم هي صعبة الحياة؛ لكوني زوجة مهجورة. أتصور أن لويس قد شعر أيضًا بالحزن قليلاً لتركنا بهذا الشكل، لأنه بعد عدة أشهر، فيما بعد، وجد المكان الذي انتقلت إليه، وبدأ يرسل لنا بعض المال كل شهر، بالرغم من أنني لم أطلب منه ذلك، ولم أذهب إلى المحكمة لاستلامه. فالحوالة المالية بخمسين دولارًا التي كان يرسلها، وبعملي الليلي في المستشفى، اكتفيت بهما. ولولا آن أن نكون خارج برنامج الرعاية الاجتماعية، وكان ذلك شيئا جيداً. أتمنى لو يتوقفوا بتسميته الرعاية الاجتماعية، ويعودوا إلى ما كانوا يسمونه عندما كانت والدتي فتاة. حينذاك كانوا يسمونه «إغاثة». ذلك يبدو أفضل، لأن ذلك كان بمثابة فترة قصيرة للتنفس حتى تستعيد قواك. أضف إلى ذلك، إن كتَّاب الرعاية الاجتماعية، كانوا في غاية السوء كالبصاق. وعندما حصلت على وظيفة أخيرًا، لم أعد بحاجة إليهم، كنت أكسب أكثر مما كانوا يكسبون. أتصور أن نذالتهم كانت نابعة من ضآلة شيكات مرتباتهم، والتي كانت السبب في معاملتنا كالشحاذين، خصوصًا عندما كانوا ينظرون إلى لولا آن ومن ثم إلي، كما لو كنتُ أحاول أن أغش وأرتكب شيئًا من هذا النوع. بدأت الأمور تتحسن، ولكن مع ذلك، كان لابد عليَّ أن ألتزم جانب الحذر. كنتُ حذرة جدًا في كيفية تربيتها. كأن عليَّ أن أكون صارمة، صارمة جداً. كانت لولا آن بحاجة لأن تتعلم كيف أن تكون حسنة التصرف، كيف أن تحافظ على أدبها وأن لا تثير أية متاعب. لا يهمني كم من المرات تغير اسمها. إن لونها عبارة عن صليب ستحمله على الدوام، ولكن هذا ليس خطئي، إنها ليست غلطتي أبدًا. أوه، نعم، أحيانًا أشعر بالتعاسة بسبب معاملتي للولا آن عندما كانت صغيرة. ولكن يجب أن تتفهم، كان ينبغي عليَّ أن أحميها. لم تكن تعرف العالم، مع تلك البشرة، لا فائدة من كونك قاسيًا أو مرحًا، حتى عندما تكون على حق، ليس في عالم حيث بإمكانهم أن يرسلوك إلى سجن الأحداث للرد بوقاحة أو الشجار في المدرسة، في عالم ستكون الأخير عند التوظيف والأول عند الاستغناء عنك. لم تكن تعرف شيئًا من هذا القبيل أو كيف أنَّ بشرتها السوداء ستخيف البيض أو تجعلهم يضحكون أو يحاولون أن يخدعوها. وفي إحدى المرات، رأيت فتاة لم تكن أبدًا في قتامة لون لولا آن التي لم تكن أكبر من عشر سنين، تعثرت من قبل مجموعة من صبيان بيض، وعندما حاولتْ أن تنهض، وضع فتى آخر رجله على مؤخرتها وألقاها منبطحة على الأرض مرة أخرى. هؤلاء الأولاد أمسكوا بطونهم وانحنوا ضاحكين. وبعد أن غادرتْ بمدة طويلة لا زالوا يقهقون، فخورين بأنفسهم. لو لم أكن أشاهدهم من خلال نافذة الحافلة لكنتُ مددتُ لها يدَ العون وسحبتها بعيدًا عن حثالة هؤلاء البيض. انظر، لو لم أقم بتدريب لولا آن جيدًا، لما عرفت كيف تعبر الشارع وتتفادى الصبية البيض. لكن الدروس التي علمتها أتت ثمارها، وفي النهاية جعلتني أشعر بالفخر كالطاؤوس. لم أكن أمًا سيئة، ينبغي أن تعرف ذلك، ولكنني ربما اقترفت بعض الأشياء المؤذية لابنتي الوحيدة؛ لأنه كان ينبغي عليَّ أن أحميها. كل ذلك بسبب امتيازات البشرة. في البداية لم أتمكن من رؤية كل ذلك السواد يمضي لمعرفة ماذا كانت، وإنما أحبها فقط ببساطة، ولكنني أحبها، أحبها حقًا، أظن أنها تفهم ذلك الآن، أظن ذلك. في المرتين الأخيرتين، وعندما رأيتها، كانت مثيرة وبخير. كانت جريئة وواثقة من نفسها. وفي كل مرة جاءت لزيارتي، نسيت كم هي سوداء؛ لأنها كانت تستخدم ذلك لفائدتها في ثياب بيضاء جميلة. لقد علمتني درسًا كان يجب عليَّ أن أعرفه طوال هذه الفترة، ما تعمله من أجل الأطفال مهم. إنهم قد لا ينسونه مطلقاً، وحالما استطاعت، تركتني وحيدة في تلك الشقة المريعة. لقد ذهبتْ بعيدًا عني بقدر ما تستطيع، نضجتْ كامرأة، وحصلتْ على وظيفة كبيرة في كاليفورنيا. ما عادت تتصل بي أو تزورني. ترسل لي بعض المال وبعض الأشياء من وقت لآخر... ولا أتذكر آخر مرةٍ رأيتُها.إنني أفضلُ هذا المكان، ونستون هاوس، على بيوت التمريض الكبيرة المكلفة خارج المدينة. بيتي صغير ومريح وغير مكلف، توجد به ممرضة على مدار الساعة وطبيب يزورنا مرتين خلال الأسبوع، إنني في الثالثة والستين، صغيرة جدًا على سن التقاعد، ولكنني جئت هنا بسبب مرض في العظام، لذا فإن العناية الجيدة ضرورية. إن الشعور بالملل أسوأ من الضعف أو الألم، لكن الممرضات هنا طيبات المعشر. وقد طبعت إحداهن قبلة على خدي عندما أخبرتها أنني سأكون جدة. كانت ابتسامتها وتمنياتها تصلحان لشخص على وشك أن يتزوج. أريتها الرسالة المكتوبة على ورق أزرق، تلك التي استلمتها من لولا آن، وهي موقعة بـ «عروسة». ولأنني لا أعير ذلك أي اهتمام، بدت كلماتها مضطربة: خمني ياس، أنا في منتهى السعادة لأمرر هذا الخبر. سأحصل على طفل قريبًا. أنا في غاية السرور وأتمنى أن تكوني أنت أيضًا. أحسب أنه سرور بسبب الطفل، ليس بسبب والده؛ لأنها لا تذكره على الإطلاق، إني أتساءل إن كان هو في سوادها أيضًا. فإذا كان الأمر كذلك فلا داعي لها أن تقرأ كما فعلتُ أنا. تغيرت الأمور كثيرًا منذ أن كنتُ صغيرة. فالسود الزرق كثيرون على شاشة التلفزيون الآن، وفي مجلات الموضة وفي الإعلانات التجارية، وحتى في بطولة الأفلام السينمائية. لا يوجد عنوان المرسل على الظرف، لذلك أتصور أنني لازلت الوالدة السيئة التي تُعَاقب للأزل، إلى يوم مماتها بسبب الطريقة المقصودة، في الحقيقة الطريقة الضرورية التي ربيتها عليها. أنا أعلم أنها تكرهني، وعلاقتنا تتعلق بإرسالها لي بعض المال فقط. لا بد أن أعترف أنني ممتنة لهذا المال؛ لأنني غير مضطرة لطلب المزيد، كما يفعل بعض المرضى الآخرين. فإذا أردت شدة من ورق اللعب للعبة السوليتير، أستطيع الحصول عليها، ولا داعي لأن ألعب بأوراق قذرة تالفة في غرفة الجلوس. كما أنني أستطيع شراء كريم الوجه الخاص لاستعمالي. لكنني لست ممن يسهل خداعه، أنا أعرف أن المال الذي ترسله لي ما هو إلا وسيلة للبقاء بعيدة، ولكي تطيل حياة الضمير لديها. فإذا بدا لكم أني سريعة الانفعال وناكرة للجميل؛ فلأن جزءًا ممَّا أشعر به في داخلي هو الأسف. فبسبب كل الأشياء التي لم أفعلها أو أسأت فعلها، أتذكرعندما بدأت أول عادة شهرية لها وكيف كانت ردود أفعالي. أو تلك المرات التي علا فيها صوتي صائحة عندما تعثرت أو سقط منها شيء، كنت منزعجة حقًا، حتى عندما أصِبتُ بصدمة بسبب بشرتها السوداء عند ولادتها، وكيف فكرتُ في البداية أن... كلا يجب أن أبعد هذه الذكريات بعيدًا عني وبسرعة. ليس هناك من طائل وراء ذلك. أنا أعلم أنني قمت بعمل الأفضل في ظل كل الظروف، فعندما هجرنا زوجي، كانت لولا آن عبئًا ثقيلًا. عبءٌ ثقيل إلا أنني تحملته بصبر. نعم، لقد كنت قاسية عليها، تأكد من ذلك أنني كنت كذلك. فعندما بلغت الثانية عشرة هي في طريقها إلى الثالثة عشرة، كان عليّ أن أكون أشد قسوة. كانت ترد عليّ، وترفض أن تأكل مما اطبخه، وتزين شعرها بعناية. وعندما أقوم بتضفيره، تذهب إلى المدرسة وتفك الضفائر. لم أستطع أن أتركها تسيء الأدب. لقد واجهتها بصراحة وحذرتها من الشتائم التي تستخدمها. ومع ذلك، فإن بعضًا من تربيتي لا بد أنها قد زالت، انظروا كيف انتهى بها الحال؟ فتاة صاحبة مهنة وثرية... هل تستطيع أن ترى ذلك؟. والآن هي حامل. إنها خطوة جيدة، لولا آن. إذا كنتِ تعتقدين أن الأمومة تعني الهديل، الجوارب والحفاظات؛ فستصابين بصدمة كبيرة جدًا. أنت وصديقك مجهول الاسم، زوجك غيَّر المخطط له، كائن من كان، تصوري ذلك، أوووه! طفل! كيتشي كيتشي كوو!استمعي إليَّ. أنت على وشك أن تجدي ما يتطلب، كيف هو العالم، كيف يعمل وكيف يتغير عندما تكوني له أماً؟حظًا سعيدًا، وليكن الله في عون الطفلة.

مشاركة :