الخرطوم – حاول رئيس الحكومة الانتقالية السودانية عبدالله حمدوك، امتصاص غضب الشارع السوداني بتوجيه خطاب، الجمعة، غلبت عليه لغة المصالحة مع القوى الثورية التي بدأت تتخلى عن دعم حكومته، وذهبت باتجاه معارضتها بشكل علني ومتكرر، ورهَن استمراره في منصبه برغبة الجماهير التي تقبلت فكرة عودة المظاهرات إلى الشارع مجددا، متأثرة بصعوبة الأوضاع الاقتصادية التي تواجهها. وكشف في مقابلة مع الإذاعة السودانية الرسمية، أنه “لو طُلب مني أن أتنحى سأفعل لأننا خدام الشعب”، واعتبر النقاش مع لجان المقاومة لا يحتاج إلى التظاهر وإغلاق الشوارع بالمتاريس وإشعال إطارات السيارات. وجاء خطاب حمدوك في وقت واصلت فيه تنسيقيات لجان المقاومة مظاهراتها التي شلّت الخرطوم، وأغلقت بعض شوارعها الرئيسية بالمتاريس، احتجاجا على عدم حضور الحكومة لاستلام مذكرة تطالب بإصلاحات، من متظاهرين أمام مجلس الوزراء بالتزامن مع الذكرى الأولى لتوقيع الوثيقة الدستورية في 17 أغسطس. وتخشى الحكومة الانتقالية من انفراط عقد القوى السياسية المدنية التي تشكل ظهيرا لها، كما أن تهديدات التصعيد الثوري جاءت من قبل لجان المقاومة التي تنشط في الأحياء الشعبية، ولها علاقات قوية بالحزب الشيوعي الذي ينفذ بقوة داخل قوى الحرية والتغيير، ويقود الحزب ذاته تحالفا مع تجمع المهنيين الذي جمد عضويته في هياكل التحالف الحكومي، بما جعلها على وشك التفسخ. وجاء ذلك في وقت أعلن فيه حزب الأمة، والذي يشكل الجناح المقابل للحزب الشيوعي، تجميد نشاطه في هياكل قوى الحرية والتغيير، وأضحى أكثر شراسة في معارضة الحكومة. ويستشعر حمدوك مخاطر استمرار المظاهرات الحالية، وسعى من وراء خطابه إلى تذكير القوى الثورية بأن هناك تحديات تهدد الجميع متمثلة في نظام عمر البشير البائد. محمد خليفة صديق: حمدوك يحتاج إلى خطوات عملية بعيدا عن الخطابات محمد خليفة صديق: حمدوك يحتاج إلى خطوات عملية بعيدا عن الخطابات وأراد أن يوصل رسالة، مفادها أن الاستغراق في البحث عن مكاسب قصيرة النظر، وإقامة تحالفات ثنائية، تستهدف السلطة الانتقالية في فترة ما بعد التوقيع على اتفاق السلام قد تطيح بالمكاسب التي حققتها الأحزاب منذ الإطاحة بالبشير، وتفتح الباب لعودة فلوله إلى الساحة. وذهب مراقبون، إلى التأكيد على أن حمدوك عمل على تحذير القوى الثورية من مغبة تجاوز التركيبة الحالية للسلطة الانتقالية، ممثلة في مجلسي السيادة والوزراء، وأن ذلك سيهدم المعبد على رؤوس الجميع، وأي محاولة للاستئثار بالسلطة لن تنجح ومكتوب عليها الفشل. وشدد حمدوك في حواره المطول مع الإذاعة، على أن الشراكة بين العسكريين والمدنيين منعت انهيار الدولة، وأن ثمة تحديات كثيرة تواجه الطرفين، وأهم أولويات المرحلة السابقة كانت السلام مع الشعب، وأطلق على هذا العام “عام التأسيس”، منبها إلى أن السودان كان يمكن أن ينزلق مثل بعض دول الجوار، لكن هذا لم يحدث. وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة أفريقيا العالمية في الخرطوم، محمد خليفة صديق، لـ”العرب”، إن الشارع انتظر حوارا من هذا النوع لحمدوك بالتزامن مع ذكرى توقيع الوثيقة الدستورية للمزيد من الفهم والمصارحة والمكاشفة. وبرهن الخطاب على أن الحكومة بحاجة إلى استدعاء طرق جديدة للتعامل مع الأوضاع السياسية والاقتصادية المعقدة، وإثبات حسن النوايا في التقارب مع القوى الثورية لن يكون مفيدا مع احتقان الشارع، وبالتالي يجب الالتفاف حول الأجندة الوطنية. وأضاف صديق، أن حمدوك يحتاج إلى خطوات عملية بعيدا عن الخطابات التي تستهدف كسب الشارع إلى جانبه، لأنه بعد مرور عام على توليه منصبه لن يكون مفيدا الاستغراق في المشكلات السابقة من دون اتضاح رويته العملية نحو المستقبل، ما يفرض عليه تحركات سريعة على المستويين الداخلي والخارجي، لترميم شعبيته التي تضررت بصورة كبيرة مؤخرا. وأشار، إلى أن خطابه انطوى على حيرة في البحث عن حلول عاجلة للانشقاقات التي حدثت لتحالف قوى الحرية والتغيير، بعد أن انعكست الخلافات على أداء الحكومة في المجال الاقتصادي، لأن رؤيتها للتعامل مع الأزمات الحالية تختلف كثيرا عن رؤية تحالف قوى الحرية والتغيير، وأراد التلميح إلى أن جزءا من هذا الإخفاق تتحمله الحاضنة السياسية، باعتبارها تمثل الحزب الحاكم. وأكد حمدوك في حواره الذي تناقلته وسائل إعلام محلية وعربية عدة، أن تحقيق أهداف الثورة تقف في طريقه عقبات يجب أن يواجهها الجميع، في إشارة إلى قوى الحرية والتغيير، وبدا أنه ينتظر ما سوف يسفر عنه مؤتمرها الذي سيتم تدشينه قريبا، لوضع النقاط على الحروف في ظل عدم تلقيه مساندة ملموسة من التحالف، معتبرا أن “المؤتمر سيقيّم كل الفترة الماضية”. ويقول متابعون، إن الحكومة لن تصمت طويلا على حالة الازدواجية التي يعاني منها تحالف الحرية والتغيير، حيث يتعامل مع حمدوك باعتباره ملكها، ومن حقها أن توجهه وتتدخل في اختيار الوزراء، بينما هي ذاتها من تعمل على تأليب الشارع ضده. وأوضح المحامي والناشط الحقوقي حاتم إلياس لـ”العرب” أن الدخول في المزيد من المشاورات والحوارات بين رئيس الحكومة وقوى الثورة، هو عملية ضرورية للفترة المقبلة، لأن المكونات الموجودة على رأس السلطة تستند على قوى توفر لها الحد الأدنى من التماسك، فيما يشكل الشارع القوة الرئيسية التي يجب أن ترتكن عليها الحكومة.
مشاركة :