سلّط وزير الخارجية التونسي السابق خميس الجيهناوي في حواره مع "العرب" الضوء على مستجدات الساحة الليبية، لافتا إلى ضرورة لعب دول الجوار الليبي دورا دبولماسيا أكبر في ظل المخاطر الأمنية المحدقة ومع إصرار أطراف خارجية مثل تركيا في تأجيل النزاع بالبلد، محذرا من تداعيات الصراع على أمن واستقرار الدول المجاورة. تونس - دعا وزير الخارجية التونسي السابق خميس الجيهناوي في حواره مع “العرب” دول الجوار الليبي إلى لعب دور دبلوماسي أكثر حيوية، في ظل تزايد التدخلات الخارجية في ليبيا وتحويلها إلى معركة نفوذ جديدة. واعتبر الجيهناوي أن انشغال الطبقة السياسية في تونس بالوضع الداخلي ليس مبررا لتراجع التركيز على الملف الليبي، مستحضرا الحركية الدبلوماسية النشطة في عهد الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، كما أبدى رأيه في العديد من الملفات الأخرى مثل العلاقات التونسية – الأوروبية وقضية الهجرة ومصير الاتحاد المغرب العربي، إضافة إلى التطورات بالشرق الأوسط. تشكل الأوضاع الأمنية في ليبيا اليوم تحديا بالنسبة إلى تونس، هل تعتقدون أن التونسيين واعون بالمخاطر المحدقة؟ ليبيا بلد جار تربطنا به علاقات جوار وأواصر عديدة ومتنوعة ازدادت متانة مع مر التاريخ وتكرست في الروابط البشرية المكثفة والمصالح المشتركة، فليبيا امتداد لتونس وكل ما يحدث فيها له تأثير مباشر على بلادنا في مختلف الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية والعكس بالعكس. من الطبيعي أن تهتم تونس بما يجري في هذا البلد الشقيق وأن تتابع عن كثب مختلف التطورات فيه وتسعى إلى مساعدته على الخروج من محنته، كما أن ما تشهده ليبيا حاليا من أحداث غير مسبوقة تتسم باشتداد التصادم العسكري وانحسار المسار التفاوضي وتحول هذا البلد إلى مسرح مفتوح لحرب شرسة بالوكالة أهدافها ومداها ليسا في صالح ليبيا والمنطقة، ومن شأنه منطقيا أن يدفع التونسيين، رأيا عاما وسلطات، إلى المزيد من الاهتمام بهذا البلد الذي نتقاسم معه حدودا مشتركة في حدود خمسمئة كيلومتر والذي أضحى مع الأسف مرتعا لآلاف المرتزقة والإرهابيين القادمين من كل حدب وصوب وبؤرة توتر وعدم استقرار في قلب المتوسط. إن اهتمام الطبقة السياسية بالوضع الداخلي التونسي وبتحديات الانتقال السياسي والاقتصادي لا يمكن أبدا أن يمثل عذرا مقبولا لتراجع التركيز على الملف الليبي أو لتهميش دور تونس في المساعدة على إيجاد حل للمسألة الليبية. فأمن ليبيا واستقرارها من أمن واستقرار تونس كما أن إحلال السلام في هذا البلد الجار من شأنه أن يفتح أمام الشعبين الشقيقين آفاقا جدية وهامة لتوسيع التعاون الثنائي والعمل معا على إحياء وتنشيط العمل المغاربي المشترك. ما تعليقكم عن التقارير الأخيرة التي تتحدث عن استقدام الجهاديين والمرتزقة وعن إقامة القواعد العسكرية الأجنبية في ليبيا؟ هذه تطورات خطيرة تتجاوز حدود القطر الليبي بل تهدد أمن واستقرار كل المنطقة وأعتقد أنها مصدر انشغال داخل ليبيا نفسها لأنها تقلص بصفة ملحوظة من حظوظ الحل السلمي والعودة إلى المسار السياسي وتؤكد أن هذا البلد أصبح فعلا مسرحا لحرب بالوكالة لقوى إقليمية ودولية، كما أنها تمثل خطرا حقيقيا على دول الجوار وعلى رأسها تونس، ولا بد أن تكون محل متابعة لصيقة من السلطات التونسية نظرا لتداعياتها الخطيرة والمباشرة على بلادنا. تونس من أكبر المتضررين اقتصاديا من النزاع الليبي. هل ذلك من الاعتبارات التي يمكن طرحها على الغرب؟ نعم، ويتجلى ذلك في التراجع الكبير لحجم المبادلات والتعاون بين البلدين. فليبيا التي كانت إلى حدود سنة 2011 الشريك التجاري الثاني لتونس بعد الاتحاد الأوروبي وطرفا هاما على المستوى الاقتصادي أصبحت منذ ذلك التاريخ مصدر انشغال للعديد من الفاعلين الاقتصاديين التونسيين الذي تقلص تواجدهم على الساحة الليبية جراء الأوضاع الأمنية هناك فضلا على تراكم ديون الجانب الليبي تجاه المؤسسات التونسية العمومية والخاصة على غرار المصحات. هذه المسائل معلومة لدى الجانب الليبي وهي محل متابعة من الطرفين ويمكن حلها في الأطر الثنائية التقليدية للتعاون والتشاور بين البلدين كاللجنة المشتركة ولا حاجة حسب رأيي في طرحها في الوقت الراهن على أطراف ثالثة. هل برأيك استقرار شمال أفريقيا كله مهدد خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الاضطراب الأمني في منطقة الساحل والصحراء؟ من الواضح أن هناك ارتباطا وثيقا بين ما يجري في ليبيا والانفلات الأمني والعسكري في هذا البلد والوضع السائد في عدد من بلدان منطقة الساحل والصحراء ولا بدّ من تضافر جهود كل دول المغرب العربي وتكثيف التشاور في ما بينها لمجابهة المخاطر المتأتية من جنوب الصحراء كالإرهاب والجريمة المنظمة واستقراء تطور الأحداث في هذه البلدان لتعزيز حماية الحدود والتوقي في الإبان من كل المخاطر. هل ما زال من الممكن أن تلعب دول الجوار دورا فاعلا في ليبيا بعد تدخل مكثف للدول الأجنبية في الصراع خلال الأشهر الأخيرة؟ أعتقد أن لدول الجوار الليبي ( تونس، الجزائر، مصر، السودان، تشاد، النيجر) دورا جوهريا وأساسيا في مساعدة ليبيا على الخروج من أزمتها انطلاقا من مسؤولية هذه الدول تجاه ليبيا، وأخذا بعين الاعتبار لمصلحتها الذاتية المباشرة في تامين مناخ إقليمي مستقر في كل المتوسط وجنوب الصحراء والمخاطر المتأتية من عدم قدرة غالبية تلك الدول على مراقبة حدودها والحد من ظاهرة تفشي الإرهاب والجريمة المنظمة. كما أن عودة الاستقرار في ليبيا يوفر فرصا حقيقية لتنمية التجارة والشراكة والنهوض بالتعاون الثنائي بين تلك الدول وليبيا. وتحتل تونس والجزائر ومصر التي تربطها بليبيا حدود مشتركة بمئات الكيلومترات مكانة خاصة ضمن دول الجوار باعتبار ليبيا عضوا أساسيا في كل من جامعة الدول العربية واتحاد المغرب العربي ولتأثير تفاقم أزمتها السياسية والأمنية على الوضع العربي بصفة عامة والمغاربي بصفة خاصة. هناك ارتباط وثيق بين ما يجري في ليبيا والانفلات الأمني والعسكري في هذا البلد والوضع السائد في عدد من بلدان منطقة الساحل والصحراء لقد ساهمت التدخلات الأجنبية في الشأن الليبي التي تقودها أهداف جيواستراتيجية واقتصادية متباينة للأطراف المتدخلة في المزيد من تأجيج الوضع في ليبيا وخلق مناخ من عدم الاستقرار في المنطقة وتقليص فرص التوصل للحل السلمي للأزمة في هذا البلد، وهو ما يمثل تهديدا مباشرا لدول الجوار ويحفزها على الاضطلاع بدور أكثر فعالية حتى تساهم في الدفع نحو إعادة الأمن والاستقرار في ليبيا ودرء المخاطر التي يمكن أن تنجر من ازدياد منسوب العنف بين الفرقاء الليبيين وتواجد الآلاف من الإرهابيين والمرتزقة على حدودها. كيف تقيمون العمل الدبلوماسي في عهد الرئيس الراحل الباجي قائد السيسي في ما يتعلق بتسوية الأزمة الليبية والتي كانت في عهد إدارتكم. وهل هناك من دروس تُستخلص اليوم بالنسبة إلى تونس؟ سعت الدبلوماسية التونسية منذ الأسابيع الأولى التي تلت الثورة الليبية إلى مساعدة الأشقاء الليبيين على مجابهة التحديات المتنوعة والخطيرة المتأتية من التغيير العنيف للحكم في هذا البلد. فقد قدمت الحكومة المؤقتة التي ترأسها الوزير الأول آنذاك المرحوم الباجي قائد السبسي (فيفري – ديسمبر 2011) كل الدعم للشعب الليبي من خلال تأمين كل حاجياته من المواد الأساسية وفتح الحدود أمام الليبيين الراغبين في الدخول إلى التراب التونسي حيث تم احتضانهم بكل تلقائية من الشعب التونسي والعائلات التونسية كما أشرفت الحكومة آنذاك على تسهيل عبور أكثر من مليون وثلاثمئة ألف مهاجر أجنبي قُدمت لهم كل التسهيلات للالتحاق بأوطانهم. كما أن الملف الليبي كان من أولويات تحركات الدبلوماسية التونسية اثر انتخابات 2014 وإبان إبرام اتفاق الصخيرات (2015) حيث عملت تونس على تقريب وجهات النظر بين مختلف الفرقاء الليبيين وتم قبول ممثلي كل مكونات الساحة السياسية الليبية من قبل رئيس الدولة ووزير الشؤون الخارجية بما في ذلك قادة حكومة الوفاق التي استقرت لمدة أشهر بعد تكوينها في تونس قبل انتقالها إلى طرابلس في أواخر مارس 2016 وتشجيعها على الاضطلاع بمهامها وبسط نفوذها على كامل التراب الليبي. وتواصلت تونس مع قادة وممثلي مجلس النواب الليبي في طبرق والمجلس الأعلى للدولة في طرابلس وربطت علاقات مع المشير خليفة حفتر باعتباره قائد الجيش الليبي حيث زار تونس في سبتمبر 2016 وانتقلت شخصيا إلى بنغازي للقائه في17 يوليو 2018 فضلا على الاتصالات التي تمت مع مختلف ممثلي المسؤولين الليبيين (لقاء رئيس مجلس النواب في 26 جوان 2018 بطبرق) ومكونات المجتمع الليبي على غرار القبائل ومع عدد هام من قادة نظام القذافي. وكان الهدف من هذه الاتصالات هو دفع الليبيين على تجاوز خلافاتهم والتعجيل بتنفيذ كل ما جاء في اتفاق الصخيرات والعمل على الحد من التدخلات الأجنبية في الشأن الليبي بما يؤمن التوصل إلى تفاهمات ليبية – ليبية تساعد على تهيئة الظروف لإجراء انتخابات حرة وديمقراطية تمكن الشعب الليبي من اختيار ممثليه بكل حرية في السلطتين التشريعية والتنفيذية واستكمال إرساء المؤسسات الدستورية. وأمام استفحال الأزمة وتباين المواقف بين الفرقاء الليبيين واستنجاد كل منهم بقوى إقليمية بادرت تونس بإطلاق المبادرة الثلاثية للرئيس الباجي قائد السبسي التي جمعت بالإضافة إلى تونس كلّا من الجزائر ومصر. ولقد تم في إطار تلك المبادرة تنظيم ستة اجتماعات على مستوى وزراء الخارجية ووضع المبادئ الأساسية للحل السلمي في ليبيا وهي نفس الأسس التي تتبناها الأمم المتحدة اليوم في مسعاها الرامي إلى إعادة إنعاش المسار السياسي في هذا البلد: رفض الحل العسكري والتركيز على المسار التفاوضي كسبيل وحيد لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين والتوصل إلى حل سلمي للأزمة. الحل لا بد أن يكون ليبيا – ليبيا شاملا لكل الليبيين مهما كانت توجهاتهم أو انتماءاتهم الأيديولوجية دون تدخل أجنبي. للأمم المتحدة ومجلس الأمن بصفة خاصة دور أساسي في دفع المسار التفاوضي ورعايته بما يساعد الليبيين على تجاوز خلافاتهم والتوجه نحو الحل السلمي. المحافظة على وحدة ليبيا وسلامتها الترابية وثرواتها ووحدة مؤسساتها. وكان من نتائج هذه المبادرة في إبانها تشجيع الفرقاء الليبيين على توخي الحوار عوض التصادم في البحث عن حلول لتنفيذ مقتضيات اتفاق الصخيرات وحثّ دول الجوار والمنظمات الإقليمية على غرار الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية والاتحاد الأوروبي على المزيد من الاهتمام بالوضع في ليبيا وتداعيات استفحال الأزمة على أمن واستقرار المنطقة، وإجمالا ساعدت المبادرة على تنشيط المسار السلمي في ليبيا واستقطاب اهتمام دول الجوار الليبي الأخرى والمجموعة الدولية للمسألة الليبية ودفع تونس والجزائر ومصر إلى الحديث بصوت واحد لمختلف الأطراف الليبية. بعض الملاحظين انتقدوا غياب مبادرات تونسية خلال رئاستها للقمة العربية؟ هل هذه الانتقادات غير منصفة؟ لا بد من التذكير أن قمة تونس كانت قمة ناجحة بكل المعايير خاصة من حيث مستوى الحضور والمخرجات وأن هذا النجاح كان نتيجة لعمل دؤوب للدبلوماسية التونسية ولما كان يحظى به الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي لدى القادة العرب. وقد شرعت وزارة الشؤون الخارجية مباشرة بعد نهاية أشغال القمة في التواصل مع مختلف الدول العربية لتنفيذ القرارات الصادرة عن القمة خاصة في ما يتعلق بالمسائل الحارقة على غرار القضية الفلسطينية ووضعية القدس الشريف والمسألة الليبية، غير أن المرض المفاجئ الذي ألمّ بالرئيس الباجي قائد السبسي ورحيله المبكر ثم إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية السابقة لأوانها حالت دون مواصلة تلك الجهود. كيف كان تصوّر الراحل الباجي قائد السبسي للعمل الدبلوماسي ولعمل وزير الخارجية؟ تداول الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي على العديد من المناصب العليا طيلة مسيرته السياسية الطويلة (الداخلية، الدفاع الوطني، رئيس البرلمان، وزير أول، سفير…) غير أنه بقي متعلقا بالفترة التي قضاها على رأس وزارة الشؤون الخارجية (من أبريل 1981 إلى سبتمبر 1986) وأعتقد أن قيادته للدبلوماسية التونسية في فترة حرجة داخليا (آخر فترة في عهد الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة) وخارجيا (الحرب الإيرانية – العراقية، الاعتداء الإسرائيلي على تونس، القمة العربية بفاس) شحذت اهتمامه بالعلاقات الدولية ومكنته من اكتساب مهارات خاصة لقراءة ومتابعة التحولات الجيواستراتيجية على الساحة الدولية، فضلا على ثقافته الواسعة واهتمامه بالشأن الدولي وهو ما ساعد عند توليه رئاسة الحكومة في 2011 ورئاسة الجمهورية في 2015 على الشروع مباشرة في وضع الأولويات في المجال الدبلوماسي والتحرك على كل المستويات من أجل تعزيز علاقات تونس مع مختلف شركائها وحشد الدعم السياسي والاقتصادي للانتقال الديمقراطي في تونس. فترة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي أرجعت للدبلوماسية التونسية بريقها وأعادت تونس إلى المكانة التي هي جديرة بها على الساحة الإقليمية والدولية وجعلت منها مركزا دبلوماسيا أساسيا فترة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي أرجعت للدبلوماسية التونسية بريقها وأعادت تونس إلى المكانة التي هي جديرة بها على الساحة الإقليمية والدولية وجعلت منها مركزا دبلوماسيا أساسيا علاقة الرئيس قائد السبسي بوزير الشؤون الخارجية هي علاقة ثقة تامة وانسجام في الرؤى وتوافق على المنهجية والأهداف وهو ما ساعد تونس على استعادة مكانتها على الساحة الإقليمية والدولية منذ الأشهر الأولى للعهدة الرئاسية ومكن الدبلوماسية التونسية على الانتشار مجددا بكل مهنية ونجاعة أعادت إلى بلادنا في ظرف وجيز إشعاعها وجعل منها قبلة لكل الأطراف الدولية شرقا وغربا باعتبارها شريكا ذا مصداقية وعنصرا فاعلا في فهم التحولات الدولية وترسيخ أسس الأمن والسلم في المنطقة والعالم. كيف اختلف بالنسبة لكم العمل الدبلوماسي بعدما انتقلتم من القصر إلى تحمل مقاليد الوزارة؟ في الواقع ليس هناك اختلاف جوهري بين المهمتين. فالعمل مع الرئيس الراحل كان مفيدا وممتعا وغايته واحدة وتتمثل بالأساس في إعادة تونس إلى المكانة التي تستحقها على الساحتين الإقليمية والدولية والتعريف بالتجربة الديمقراطية الناشئة وحشد الدعم السياسي والاقتصادي لها. بطبيعة الحال تتركز مهمة المستشار الدبلوماسي على إعداد الملفات وورقات العمل لرئيس الجمهورية حتى يكون ملما بكل دقائق المعطيات حول بعض المسائل ذات البعد الاستراتيجي والسهر على التنظيم المحكم لزيارات الرئيس إلى الخارج في تنسيق تام مع وزارة الشؤون الخارجية. أما مهمة وزير الخارجية فهي أكثر شمولا؛ فبالإضافة إلى الإشراف على الوزارة وتمثيل تونس في الخارج والاضطلاع بالمتابعة اليومية للملفات المتعلقة بالسياسة الخارجية يتولى الوزير في تنسيق يومي مع رئيس الدولة المساهمة في صياغة المواقف الرسمية للدولة حول قضايا الساعة والأحداث الدولية. هل تعتقدون أن تونس استغلت كما ينبغي صورة نجاح انتقالها الديمقراطي وحصولها على جائزة نوبل للسلام من أجل البروز دوليا؟ أعتقد أن ذلك تم بصفة مرضية وأن شركاء تونس على وعي تام بأهمية التجربة التونسية وتميزها في المنطقة وضرورة تقديم الدعم لها. لكن هل كان هذا الدعم كافيا ومتماشيا مع حجم التحديات؟ الإجابة على هذا التساؤل نسبية والأسباب عديدة ومتنوعة منها ما هو مرتبط بسياسة وأهداف هؤلاء الشركاء ومنها ما هو متعلق بعدم الاستقرار الحكومي وعدم قدرة الحكومات المتعاقبة بعد الانتخابات على القيام بالإصلاحات الهيكلية الضرورية وإرساء الحوكمة في إدارة مؤسسات الدولة وطغيان الجانب السياسي على إدارة شؤون البلاد لدى مسؤولي تلك الحكومات. كيف كان دور الدبلوماسية في معاضدة جهد الدولة في مواجهة خطر الإرهاب بعد 2015؟ أعتقد أن من أهم نجاحات الدبلوماسية التونسية في الفترة الأخيرة هو ما حققته في دعم جهود الدولة في مجال مكافحة الإرهاب من خلال تكثيف المساعي لدى شركاء تونس وأصدقائها والقيام بحملة شاملة ومنهجية منذ العمليات الإرهابية الأولى التي تلت الانتخابات الرئاسية والتشريعية (2015) لشرح التداعيات الخطيرة لتلك العمليات على استقرار البلاد ونجاح التجربة الديمقراطية وأمن المنطقة بصفة عامة. ولقد أفضت تلك المساعي إلى تحقيق نتائج غير مسبوقة وفرت إمكانيات هامة للتدريب والحصول على تجهيزات عصرية ساعدت قواتنا الباسلة على دحر خطر الإرهاب وتأمين حدودنا واعتماد استراتيجية ناجعة مكنت من التوقي مبكرا من العمليات الإرهابية ومعالجتها في الإبان إن حدثت بفاعلية ومهنية عالية. هل أنتم مرتاحون لنتائج عملكم على رأس وزارة الخارجية؟ أترك ذلك للملاحظين والخبراء وزملائي في الوزارة لتقييم ذلك الأداء ومردوديته على صورة بلادنا وتعزيز مصالحها في الخارج. غير أنه يمكن القول إن فترة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي أرجعت للدبلوماسية التونسية بريقها وأعادت تونس إلى المكانة التي هي جديرة بها على الساحة الإقليمية والدولية وجعلت منها مركزا دبلوماسيا أساسيا محل اهتمام قادة ودبلوماسيي العالم لفهم ما يجري حولنا ودفع أجندة الأمن والسلام في المنطقة والعالم فضلا بطبيعة الحال عن كل الجهود التي قامت بها الدبلوماسية التونسية لحشد الدعم السياسي والاقتصادي للتجربة التونسية وتأمين كل ظروف النجاح لها. فتونس اليوم رئيسة القمة العربية، وعضو غير دائم بمجلس الأمن، تتهيأ لاستقبال اكبر تظاهرة دبلوماسية في تاريخها، قمة المنظمة الدولية للفرنكوفونية بمشاركة 88 دولة (2021) ومؤتمر قمة التيكاد التي تجمع بين اليابان وكل الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي. هل ما زال هناك أمل في إحياء اتحاد المغرب العربي؟ تعد منطقة المغرب العربي من المناطق القليلة الأقل اندماجا في العالم حيث لا تتجاوز التجارة البينية بين أعضائها نسبة ثلاثة في المئة من جملة حجم التبادل التجاري لتلك الدول مع الخارج فضلا عن تواصل إغلاق الحدود البرية بين عضوين أساسيين من أعضائها لمدة تزيد على 25 سنة بالإضافة إلى الأزمة السياسية والأمنية التي تعرفها ليبيا. كما أن اتحاد المغرب العربي الذي مر على تأسيسه أكثر من ثلاثين سنة في حالة موت سريري منذ ما يزيد عن عشرين سنة حيث شهد آخر قمة لرؤسائه في 1994 بتونس ولم يجتمع وزراء خارجيته بصفة رسمية منذ 2016 كما أن المساعي الحثيثة التي بذلتها الدبلوماسية خلال الفترة (2017 – 2020) لم تنجح في الدعوة إلى عقد اجتماع ولو غير رسمي لمجلس وزراء الخارجية رغم اقتناع كل الوزراء بأهمية هذا الاجتماع وضرورة إحياء هذه المنظمة وتنشيط مؤسساتها. إن المشروع المغاربي هو مطلب شعبي يعود إلى مرحلة كفاح شعوب المنطقة من أجل الحرية والسيادة، وإحياؤه اليوم يعد أكثر من أي وقت مضى أولوية مطلقة تقتضيها التطورات الإقليمية والدولية ولدرء المخاطر المحدقة بالمنطقة والمحافظة على المكتسبات التي تم تحقيقها منذ الاستقلال والمساعدة على تنمية أمن واستقرار الدول المغاربية وازدهارها خاصة أمام انتشار التجمعات الإقليمية وبروز سياسات حمائية وظواهر شوفينية في عدد من الدول الغربية وازدياد مخاطر الإرهاب والجريمة المنظمة. لقد بات ضروريا التفكير مليا في إعادة النظر في آليات التعاون والتواصل داخل منطقة المغرب العربي واستنباط طرق جديدة تتجاوز الهيكلة المؤسساتية الحالية المنبثقة عن اتفاق مراكش من أجل إيجاد صيغ مبتكرة للتعاون والاندماج الإقليمي في شراكة متكافئة تساهم فيها قوى ومؤسسات المجتمع المدني وتتجاوز العوائق السياسية الحالية التي كانت حائلا جديا إلى حدّ الآن أمام تكريس حلم شعوب المنطقة في خلق فضاء متكامل ومتضامن يساهم في ازدهار منطقة المغرب العربي الكبير ويساعد على المحافظة على مناعتها أمام الأخطار المحدقة بها. نشاهد محاولات أوروبية للضغط على تونس في ملف الهجرة غير الشرعية من أجل تطبيق قيود أكثر تشددا، كيف يمكن لتونس أن توفق في هذا الصدد بين التزاماتها من جهة وحاجتها إلى شراكة تنموية طويلة الأمد من جهة أخرى؟ الهجرة ظاهرة أزلية تطورت بتطور البشرية حيث كانت حرية التنقل عنصرا أساسيا في تواصل الشعوب ومعطى أساسيا في فهم ودراسة العلاقات الدولية. فالهجرة ليست بالضرورة شأنا سلبيا بل هي ظاهرة طبيعية تساعد على المزيد من التقارب والتمازج بين الشعوب، وعنصر إثراء حضاري وهناك العديد من الأمم بما في ذلك دول كبرى فاعلة اليوم على الساحة الدولية تأسست كنتيجة مباشرة للهجرة. وسعت تونس منذ إمضاء اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي سنة 1995 إلى تطوير مقاربة مع الأطراف الأوروبية يتم بمقتضاها تشجيع الهجرة الشرعية بما يمكن الشباب التونسي من التنقل بحرية داخل الفضاء الأوروبي للدراسة وتحقيق طموحاته في الحصول على الشغل اللائق والحياة الكريمة ويستجيب لحاجيات دول الاتحاد الأوروبي من موارد بشرية. عوض تهويل ظاهرة الهجرة وتوظيفها بصفة سلبية لأغراض سياسوية داخلية في عدد من الدول الأوروبية تجب معالجة هذه الظاهرة بصفة تشاركية وتمّ إمضاء العديد من الاتفاقيات في هذا الغرض مع عدد من الدول الأوروبية على غرار فرنسا وإيطاليا وسويسرا وألمانيا خاصة وأن مسألة الهجرة بقيت شأنا وطنيا تحرص الدول الأعضاء في الاتحاد على ممارسته في إطار صلاحياتها السيادية دون التفريط فيه للمفوضية الأوروبية. وإن أثمرت تلك المقاربة على نتائج ايجابية في أواخر السنوات التسعين وبداية الألفية في تعزيز الهجرة المنظمة والتقليص من الهجرة غير الشرعية فإن هذه التجربة أظهرت محدوديتها مع ازدياد الفوارق بين ضفتي المتوسط وتفاقم ظاهرة البطالة في الضفة الجنوبية وعدم قدرة الاقتصاد التونسي على استيعاب الأعداد الإضافية من طالبي الشغل من أصحاب الشهادات العليا وانطلاق موجات الآلاف من الشباب في هجرة غير منظمة نحو التراب الإيطالي خاصة في فترة الثلاثي الأول من سنة 2011. وهو ما دفع السلطات التونسية والإيطالية آنذاك إلى إبرام اتفاقيات ثنائية جديدة تهدف إلى الحد من الهجرة غير النظامية ومساعدة تونس على تنمية الجهات الداخلية مصدر الهجرة والحصول على الدعم الضروري من أجل تحقيق مراقبة أكثر نجاعة لحدودنا البحرية. لقد اقترحنا خلال السنوات الأخيرة على الجانب الأوروبي تجاوز المقاربة الأمنية للهجرة واعتماد رؤية جديدة تمكن من وضع تصور مبتكر للهجرة يسمح للشباب التونسي التنقل بأكثر حرية في الفضاء الأوروبي للمزيد من الدراسة والبحث عن شغل مع التزام الطرفين بإيجاد الصيغ القانونية التي تمكن من تأطير تلك الهجرة وتامين عودة كل من لم يتمكن من الحصول على شغل في آجال معقولة وفي إطار احترام حقوق وكرامة هؤلاء الشبان والاستجابة بطريقة منظمة لحاجيات السوق الأوروبية من إطارات ويد عاملة. نحن نعتقد أنه عوض تهويل ظاهرة الهجرة وتوظيفها بصفة سلبية لأغراض سياسوية داخلية في عدد من الدول الأوروبية تجب معالجة هذه الظاهرة بصفة تشاركية وبأكثر تفتح وايجابية تفاديا لإزهاق أرواح آلاف الشباب الطامحين إلى حياة أفضل داخل الفضاء الأوروبي. هل حان الوقت لمراجعة علاقة تونس مع الاتحاد الأوروبي كما دعت إلى ذلك الجزائر مؤخرا؟ خمس وعشرون سنة مرت فعلا على إمضاء اتفاقية الشراكة بين تونس والمجموعة الأوروبية سنة 1995 وهي أول اتفاقية من نوعها تبرمها المجموعة مع بلد من جنوب المتوسط. ومن الطبيعي أن تختلف التقييمات حول نتائج هذه الاتفاقية والتعاون الأورو – المتوسطي بصفة عامة ونحن نعتبر أنه حان الوقت لتقييم هذه التجربة والشروع في صياغة علاقة جديدة تتماشى مع انخراط تونس في المنظومة الديمقراطية وتستجيب لأولويات الطرفين في إرساء شراكة متكافئة تؤمن الأمن والاستقرار في المنطقة وتسمح بالخصوص للاقتصاد التونسي بالمزيد من الاندماج في الفضاء الأوروبي. فأوروبا هي شريكنا الأول من حيث حجم وقيمة التبادل التجاري والاستثمارات الأجنبية، وهي تمثل الأنموذج في ترسيخ قيم الديمقراطية والحرية والتداول السلمي على السلطة. بالتالي فإنه من البديهي أن نكثف التواصل معها وإبراز أهمية نجاح التجربة التونسية وتداعيات ذلك النجاح على تونس والمنطقة عموما لأن في ترسيخ التجربة التونسية وتوفير الظروف المناسبة لنجاحها مصلحة تونسية أوروبية وعامل أساسي لاستقرار وازدهار المتوسط. وقد شرعنا فعلا منذ 2017 في عصف فكري مشترك لتوضيح ملامح بناء علاقة مستقبلية بين تونس والاتحاد الأوروبي تأخذ بعين الاعتبار ما تم تحقيقه من مكاسب خلال الفترة السابقة وخاصة الملاحظات والمآخذ التونسية في ما يتعلق بمحدودية الدعم الأوروبي وتأثير ذلك على استدامة التجربة التونسية الناشئة. لقد أكدت تونس دوما لشركائها الأوروبيين أن هناك مصلحة مشتركة في مساندة تونس وأن الدعم الأوروبي لا بد أن يتجاوز المفهوم الضيق الذي تم رسمه في إطار السياسة الأوروبية للجوار ومقتضيات وأهداف مشروع اتفاقية التبادل الحر المعمقة والشاملة التي هي موضوع تفاوض بين الطرفين منذ سنتين، وأن يشمل هذا الدعم كل الملفات الثنائية ذات الطابع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي في إطار شراكة متكافئة تحترم سيادة تونس وخصوصيات نموها الاقتصادي وتمكن من التطرق إلى ملفات ذات أولوية بالنسبة للطرف التونسي على غرار تيسير الحصول على التأشيرة أو رفعها كليا عن عدد من الفئات التونسية بما يساعد على حرية التنقل والإقامة في الفضاء الأوروبي واستشراف آفاق جديدة للتعاون في قطاعات واعدة مثل البحث العلمي والتكنولوجي وفتح السوق الأوروبية للمنتوجات التونسية وتشجيع الاستثمار الأوروبي في تونس وتعزيز التعاون الثقافي والتواصل بين المبدعين التونسيين ونظرائهم الأوروبيي.. ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه تونس والدول العربية في الدفاع عن القضية الفلسطينية خلال ما تبقى من حكم الرئيس الأميركي دونالد ترامب؟ لقد حرصت الرئاسة التونسية خلال القمة العربية (مارس2019) على إدراج القضية الفلسطينية في صدارة جدول أعمال القمة ولعبت الدبلوماسية التونسية دورا هاما في الدفاع عن تلك القضية في الأمم المتحدة وغيرها من المحافل الإقليمية والدولية. وسعت تونس رغم التطورات المفاجئة المتلاحقة على الساحة الداخلية (وفاة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، الانتخابات التشريعية والرئاسية المبكرة) إلى متابعة تنفيذ قرارات القمة خاصة في إطار منظمة الأمم المتحدة ومؤسساتها المختصة. ومن الواضح اليوم أن القضية الفلسطينية وصلت إلى منعرج خطير وحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة على أراضيها باتت مستهدفة بصفة جدية وهو ما يستدعي من الدول العربية وكذلك من المجموعة الدولية المزيد من اليقظة والتحرك والاهتمام أكثر بحقوق الشعب الفلسطيني في الحرية وتقرير المصير وفي العيش بكرامة أسوة بالشعوب الأخرى في كنف الأمن والاستقرار وتماشيا مع مقتضيات القانون الدولي والقرارات الأممية ذات الصلة. كيف تقيمون التحرك العربي لدعم لبنان؟ أعتقد أن الوضع في لبنان والأزمة المستفحلة هناك والتي ازدادت تعقيدا بعد الانفجار الأخير الذي هز بيروت يتطلب تحركا أكثر جرأة ونجاعة وسخاء من كل الدول العربية والمؤسسات الإقليمية ذات الصلة غير أن ما نلاحظه هو تشتت هذا الدعم وعدم إيفائه بالحاجيات الملحة للشعب اللبناني والشعور بتراجع قيم التضامن التي انبنى عليها النظام العربي المشترك. لقد حان الوقت، والعالم العربي يشهد أزمات غير مسبوقة وتعدد بؤر التوتر، أن ينكب العرب على مراجعة النظام الحالي للمؤسسات العربية المشتركة بما في ذلك جامعة الدول العربية وأن يستلهموا من التجارب الإقليمية الأخرى للتوقي من النزاعات وحماية الأمن القومي العربي وتحفيز التعاون بين الدول الأعضاء بما يساعد على ترسيخ أسس وركائز الأمن في المنطقة ويحد من التدخلات الأجنبية بما في ذلك الإقليمية في الشأن الداخلي العربي ويخلق مناخا أفضل للتعاون الاقتصادي بين الدول العربية. العالم العربي بحاجة اليوم إلى هندسة مؤسسات عمل مشتركة جديدة تتماشى مع تطور الوضع الإقليمي والدولي وتمكن المجموعة العربية من بناء علاقات جديدة ومتكافئة مع جيرانها بما يساعد على إعادة وترسيخ الثقة بين مختلف الأطراف ويعزز الأمن والاستقرار في المنطقة ويجنبها الهزات الأمنية والسياسية والاقتصادية. هل يمكن للعمل الدبلوماسي والاتصالات الدولية أن تتجاوز حاجز جائحة كورونا؟ لقد أدخلت جائحة كورونا أساليب جديدة في التواصل الدبلوماسي وطغى في الأشهر الماضية التواصل عن بعد على الاتصالات الدبلوماسية عوض اللقاءات المباشرة وهي طريقة غير مسبوقة غيرت تماما تقاليد ثابتة في العمل الدبلوماسي منذ قرون قد يكون من المبكر تقييم نتائجها، لكن من الثابت أنها أثرت تأثيرا واضحا في التعاون متعدد الأطراف والمنظمات الدولية مثل منظمة الأمم المتحدة التي أصبحت عاجزة عن أداء مهامها في ظروف طبيعية واضطرت إلى تأمين اجتماعاتها في مستوى مجلس الأمن والجمعية العامة عن بعد عن طريق وسائل التواصل الإلكتروني.
مشاركة :