أكد دبلوماسيون وباحثون في الشؤون العربية أن معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل ستُحرك المياه الراكدة في عملية السلام، وتتضمن تجميد إسرائيل أنشطة الاستيطان وضم أجزاء من الضفة الغربية. واعتبر الخبراء والباحثون السياسيون أن المعاهدة تلقي الكرة في ملعب الفلسطينيين، داعين الفصائل الفلسطينية إلى استغلال الفرصة والتوصل إلى اتفاق حول المصالحة النهائية، تمهيداً لخوض مفاوضات حول حلّ الدولتين بوساطة إماراتية. وأوضح الخبراء لـ«الاتحاد» أن الاتفاق خطوة كبيرة لتعزيز السلام في الشرق الأوسط، مشيرين إلى أن هذه المعاهدة ستكون ركيزة وحجر زاوية للسلام في المنطقة، ولن تكون آخر الخطوات الرسمية، بل ستشجع دولاً أخرى للسير في المسار ذاته الذي سبقت إليه مصر والأردن. وثمة إجماع بين المحللين السياسيين على ضرورة التوصل إلى مصالحة بين الفصائل الفلسطينية، والانخراط في مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، مؤكدين أن معاهدة السلام توفر فرصة كبيرة لابد من استغلالها من أجل المضي قدماً في هذه المفاوضات، بهدف إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية. ومن جانبه، قال مساعد وزير الخارجية المصرية الأسبق السفير جمال بيومي: «إن معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل ستحرك المياه الراكدة، وستدفع إسرائيل إلى التوقف عن إعلان سيادتها على الأراضي الفلسطينية المحتلة، فيما لا زال الجانب الفلسطيني منقسماً على نفسه. وأوضح بيومي لـ«الاتحاد» أن المعاهدة تمنع الضم الإسرائيلي للضفة الغربية مقابل ورقة سلام بيننا كعرب وبين إسرائيل، مشيراً إلى أن السلام سيكون مقابل وقف الاستيطان. ويرى المحللون أن العمل وفقاً لقواعد الماضي لم يعد ممكناً، فلا يمكن أن تبقى القضية الفلسطينية أسيرة لحالة الاستقطاب وللمستفيدين من اللعب على الوتر العاطفي للقضية، لافتين إلى أنه في حين لن تتغير الظروف على أرض الواقع بين ليلة وضحاها، فإن المصالحة والعودة إلى طاولة المفاوضات يمكن أن يؤديا في نهاية المطاف إلى إيجاد حل للصراع وإقامة الدولة الفلسطينية. واعتبر منير محمود، الباحث في الشؤون الإسرائيلية ورئيس تحرير الترجمة العبرية لقناة النيل المصرية، أن ما تم التوصل إليه بين الإمارات وأميركا وإسرائيل من شأنه تحفيز المصالحة الفلسطينية، في وقت يتعين فيه على الفلسطينيين أن يتعاملوا مع الأمور بقواعد لعبة مختلفة على خلاف ما كان في السنوات الماضية. ولفت محمود إلى أن الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، عندما وقع اتفاق السلام مع إسرائيل، ألقى بالكرة في ملعب الفلسطينيين، لكي يتفقوا على قلب راجل واحد، ويتخذوا قراراً بأن تكون لهم دولة فلسطينية، ويكون لهم التأييد الكامل من الأمم المتحدة ومصر، لافتاً إلى أن السنوات الكثيرة الماضية بعد الحرب مضت في التسوية والمصالحة بقيادة المخابرات المصرية للقيادة والفصائل الفلسطينية، وعليهم الآن أخذ الأمور بجدية. وتابع: «إن معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل تعيد الكرة مرة أخرى إلى ملعب الفلسطينيين». وأضاف محمود: «الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، وبعد مناشدة من الأمم المتحدة وأميركا وكل الدول التي تؤيد حل الدولتين، سيحول وقف الضم والاستيطان إلى قرار حاسم»، مشيراً إلى أن البعض ما زالوا لا يستوعبون مصالح الشعب الفلسطيني التي تسعى الإمارات للحفاظ عليها. وأوضح أن الإمارات لن تنتظر وعوداً في الفترة المقبلة من إسرائيل، لكنها ستنتظر قرارات رسمية تنصف الفلسطينيين، خصوصاً أن أي اتفاق بين إسرائيل ودولة عربية مرتبط بالقضية الفلسطينية. وأشار الباحث في الشأن الإسرائيلي إلى أن دعم مصر ومباركتها لأية تسوية أو اتفاقية يدعم السلام، مشيراً إلى أن الإمارات ستتمكن من الموازنة بين الطلبات الجماهيرية ومصالح الفلسطينيين. وأفاد الباحث في العلاقات الدولية والشؤون العربية، محمد حميد، أن معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل هي خطوة لتعزيز السلام في الشرق الأوسط، مشيراً إلى أن العلاقات الثنائية بينهما يمكن أن تشكل إحدى الركائز للسلام في المنطقة، وستُشجع دولا أخرى للسير في هذا الطريق. وأضاف إن اتفاقات أوسلو وقمة مدريد ومعاهدة وادي عربة بين الأردن وإسرائيل، شجعت دولاً مثل تونس وموريتانيا وغيرهما من الدول على إقامة علاقات مع إسرائيل، قبل أن ينحسر هذا التقارب مع الانتفاضة الفلسطينية الثانية في بداية الألفية، موضحاً أن معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل تتسق مع المواقف العربية. وحظيت معاهدة السلام، التي توسطت فيها واشنطن، بترحيب عربي ودولي واسع النطاق، وبتأييد الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة، وسط آمال بأن يؤدي مسار السلام في نهاية المطاف إلى خروج الشرق الأوسط من الجمود السياسي الحالي الذي يعيق تقدمه إلى آفاق التنمية والازدهار الرحبة. وكان المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، أعرب عن أمله في أن يكون الاتفاق بين الإمارات وإسرائيل «نموذجاً للجميع»، مشدداً على أن الحوار هو السبيل الوحيد لحل النزاع. كما كشف أنه سيتم في الأيام المقبلة التشاور مع الشركاء في الشرق الأوسط بهدف مناقشة ما يمكن تقديمه لإحياء المفاوضات «التي لم تحدث منذ سنوات وهذه مشكلة حقيقية». وأكد ملادينوف أنه في الأسبوع الجاري، سيناقش اجتماعٌ لمجلس الأمن، القضية الفلسطينية وستوضح الدول الممثلة في المجلس رأيها في المستجدات، وتوقعاتها بشأن كيفية العودة إلى طاولة المفاوضات. باحث سعودي : نثق في القيادة الإماراتية قال فيصل محمد الصانع، الباحث والكاتب الصحفي السعودي: إن معاهدة السلام بين إسرائيل والإمارات حق سيادي لدولة الإمارات، وهي تقرر ما تشاء، موضحاً أن القيادة الإماراتية لديها الوعي السياسي لتوجيه بوصلتها السياسية بأي اتجاه تراه في صالحها. وأوضح أن هذه المعاهدة خطوة شجاعة، وستعود بالنفع على الإمارات وإسرائيل اقتصادياً لما يملكه البلدان من إمكانات اقتصادية كبيرة، مؤكداً أن الإمارات ستسحب البساط من تحت من يزايدون على القضية الفلسطينية، حيث لم نر منهم إلا أن زادوا تشرذم الفلسطينيين ولم يخدموا القضية. وشدد الباحث السعودي على أن المملكة العربية السعودية حاولت لمّ شمل الفلسطينيين في اتفاق مكة للوفاق الوطني الفلسطيني بين حماس وفتح، تحت رعاية الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز عام 2007، لكن هذا الاتفاق تم إفشاله من قبل بعض المزايدين على القضية الفلسطينية، الذين يتآمرون على الدول العربية بالتعاون مع دول راعية للإرهاب، تسعى لاستغلال القضية في تأجيج الصراعات في المنطقة. ولفت إلى أن قرار إسرائيل بوقف ضم الأراضي الفلسطينية هو أول الإنجازات التي حققتها القيادة الإماراتية، قائلاً: «نثق في القيادة الإماراتية بما يحقق تطلعات الشعوب العربية والشعب الفلسطيني، خصوصاً بما يضمن له استقراره وإنشاء دولته المنتظرة بمساعدة إماراتية». وأوضح الباحث السعودي أنه على السلطة الفلسطينية أن تفكر أكثر بهذه الاتفاقية، وأن تعي أنها تأتي لمصلحة الشعب الفلسطيني الذي لم يتحقق له شيء منذ 72 عاماً، ولعل الإمارات في اتفاقها مع إسرائيل تحقق للقضية ما عجز عنه الآخرون.
مشاركة :