قامت واشنطن، في محاولة لاستخدام آلية "الارتداد" في مسألة الاتفاق النووي الإيراني، بإخطار الأمم المتحدة رسميا يوم الخميس بمطلبها إعادة تطبيق جميع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على طهران قبل عام 2015. إن هذه الخطوة الأخيرة التي اتخذها البيت الأبيض تتحدى الإجماع العالمي بشأن القضية النووية الإيرانية، وكشفت مرة أخرى طبيعته المتمثلة في كونه قوة عظمى متنمرة تفعل عمدا كل ما تراه مناسبا. وقال متحدث باسم بعثة الصين الدائمة لدى الأمم المتحدة يوم الخميس "إن الطلب الأمريكي لا يستند إلى أساس قانوني وحس سليم. إنه ليس سوى عرض سياسي تقدمه الولايات المتحدة". وباعتبارها القوة العظمى الوحيدة في العالم، تتحمل الولايات المتحدة مسؤولية لا يمكن التنصل منها وتتمثل في الانضمام إلى بقية العالم في تقديم مساهمات إيجابية لقضية عدم الانتشار النووي في العالم. ومع ذلك، انسحبت الإدارة الأمريكية الحالية بشكل أحادي الجانب من الاتفاق النووي الذي تحقق بشق الأنفس، بغض النظر عن المعارضة القوية من جانب الموقعين الآخرين وحقيقة أن طهران التزمت بالاتفاق طوال الوقت. إن تحركات واشنطن المتقلبة لم تؤثر على الطموح المشترك إلى عالم خالٍ من التهديدات النووية فحسب، بل أدت أيضا إلى اتساع رقعة ضعف مصداقية أمريكا على الساحة العالمية بشكل كبير. ومع ذلك، يبدو أن صناع القرار في واشنطن لا يبالون. لقد انسحبت واشنطن بالفعل من الاتفاق، ومع ذلك فإنه من الخزي والتهور بما فيه الكفاية أن تعلن أنها لا تزال تتمتع بجميع الحقوق التي يمنحها الاتفاق، وتطالب الدول الأخرى بفرض إجراءات عقابية على إيران، كل ذلك بحجة "الوقوف كمشارك أصلي في الاتفاق". وحاولت واشنطن أيضا تمديد حظر الأسلحة المفروض على إيران، والذي من المقرر أن ينتهي في 18 أكتوبر، وقوبلت هذه المحاولة بالرفض من جانب مجلس الأمن الدولي يوم الجمعة الماضي. وذهبت إلى أبعد من ذلك بمحاولتها إجبار الدول الأخرى على اتباع خطاها لفرض عقوبات على إيران، حيث تعهد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو مؤخرا بمعاقبة كل من يقف في طريق ذلك. وردا على ذلك، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو لي جيان إنه يتعين على الولايات المتحدة "الالتزام بجدية بقرارات مجلس الأمن، والوفاء بالتزاماتها الدولية، والاهتمام بشواغل المجتمع الدولي، واحترام الحقوق والمصالح القانونية للدول الأخرى". في هذا العالم الذي يتزايد فيه الترابط العالمي، تكمن أفضل الطرق لحماية المصالح الرئيسية لدولة ما في المساعدة على صون المصالح المشتركة للجميع، وتكمن أنجع السبل للتعامل مع تحديات أمنية عالمية مثل القضية النووية الإيرانية في التعاون الدولي الواسع. إن هوس واشنطن بالبلطجة على الآخرين بقوتها التي لا مثيل لها على ما يبدو لن يؤدي سوى إلى جعل الأمور أسوأ وإلى مزيد من عزل نفسها في المجتمع الدولي.
مشاركة :