عقب يوم واحد من الإعلان عن وقف إطلاق النار، الذي صدر عن حكومة الوفاق الوطني الليبية المدعومة دوليا والبرلمان الليبي، أثار تساؤلات عدة حول مدى قدرته على إنجاح وقف العمليات العسكرية، حيث تتواصل التعزيزات بين طرفي النزاع منذ أكثر من شهرين، بالقرب من منطقة الهلال النفطي الأغنى في ليبيا. وتباينت مواقف المحللين والخبراء الليبيين حول دلالة وجدية هذه الخطوة والتوقيت المفاجئ لها، الأمر الذي يجعل التنبؤ بنتائج هذه الدعوات لوقف القتال أمرا صعبا. يرى خالد المنتصر، أستاذ العلاقات الدولية بالجامعات الليبية، في حديثه لوكالة أنباء ((شينخوا)) اليوم (السبت)، أن "طرفي النزاع في ليبيا باتا على يقين كامل، بأن الصراع لا يمكن تسويته إلا عبر الحوار، لأن التصعيد العسكري بين الأطراف الدولية الداعمة لحكومة طرابلس أو البرلمان، لا يمكن حسمه بقوة السلاح، وانتهاء الحرب في طرابلس التي استمرت أكثر من عام كامل، خير دليل على فشل الخيار العسكري". وأضاف المنتصر "قرار قبول وقف إطلاق النار لم يكن صدفة، بل هو نتيجة ضغوط تقودها واشنطن وبعثة الأمم المتحدة التي تقودها الأمريكية ستيفاني ولياميز، حيث تم طرح خيار وضع الجفرة وسرت القريبة من المنشآت النفطية المهمة، كمنطقة منزوعة السلاح، لتجنب وقوع صدام بين الطرفين، قد يؤدي إلى حرب واسعة النطاق تمتد آثارها إلى دول مجاورة". وعن مظاهر الخلاف بين الحكومة والبرلمان، قال أستاذ العلاقات الدولية "المشكلة الأكبر باعتقادي، هي أن البرلمان في شرق البلاد لا يقبل بوجود واستمرار حكومة الوفاق في طرابلس، ويريد استبدالها بحكومة جديدة، لكن هذا الأمر ليس ممكنا، كونها حكومة معترف بها دوليا، وتحظى بدعم كامل من مدن غرب ليبيا وطرابلس ومصراتة تحديدا". أما أحمد الحسناوي، العميد المتقاعد بالجيش الليبي، فيعتقد أن فرصة صمود وقف إطلاق النار هشة وغير جادة. وقال الحسناوي في تصريحه لـ((شينخوا)) "الدعوة لوقف إطلاق النار هشة، ولا أرى فيها جدية وفرصة للصمود طويلا، لأن الأطراف الليبية لا تمتلك زمام المبادرة بمفردها، وهي دون شك رهينة لضغوط الأطراف الدولية الداعمة لكل طرف في النزاع المعقد والمتشابك". وتابع "لكنها تظل محاولة جيدة لإقناع الأطراف المتطرفة، ومنحها فرصة أخيرة قبل محاصرتها بالعقوبات، التي لوحت بها مجلس الأمن بشأن الأطراف التي تعرقل عملية السلام في ليبيا". ولفت في ختام حديثه "التحشيد العسكري في محاور القتال وخطوط المواجهة، تكشف نية الأطراف المتنازعة باستمرار الخيار العسكري لسنوات وليس لأشهر فقط (...)، لماذا لم تصدر قوات المشير خليفة حفتر أي تعليق بالخصوص؟ الأمر يجعل النوايا تحمل شكوكا ومخاوف كبيرتين". ولم تصدر قوات "الجيش الوطني" أي موقف حول إعلان السراج وعقيلة صالح. وأعلنت حكومة الوفاق الوطني في ليبيا أمس الجمعة، الوقف الفوري لإطلاق النار وكافة العمليات القتالية في البلاد، على أن تصبح منطقتا سرت والجفرة "منزوعتي السلاح". كما دعت الحكومة المعترف بها دوليا، إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية خلال شهر مارس القادم وفق "قاعدة دستورية مناسبة يتم الاتفاق عليها بين الليبيين". وتزامن إعلان حكومة طرابلس، مع دعوة رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح، بوقف فوري لإطلاق النار وكافة العمليات القتالية في جميع أنحاء ليبيا. وقال صالح "وقف إطلاق النار يقطع الطريق على أي تدخلات عسكرية أجنبية وينتهي بإخراج المرتزقة وتفكيك المليشيات ليتحقق استرجاع السيادة الوطنية الكاملة". إضافة إلى تقديمه لمقترح بأن تكون مدينة سرت الواقعة على بعد (450 كم شرق طرابلس) "مقرا مؤقتا للمجلس الرئاسي للحكومة الجديد"، على أن "تقوم قوة شرطية أمنية رسمية من مختلف المناطق بتأمينها، تمهيدا لتوحيد مؤسسات الدولة". بدوره، أكد عماد جلول، المحلل السياسي، أن الدعوة إلى إقامة انتخابات العام المقبل ليست جديدة، ولا يمكن منح الموعد المقترح لإقامتها "مصداقية" مبالغ فيها. وقال المحلل السياسي الليبي إن "الدعوة لإقامة انتخابات ليس جديدا، في كل مبادرة لوقف إطلاق النار أو إيقاف القتال، يغازل السياسيون الليبيين بمفتاح الانتخابات، لكنهم أنفسهم غير جادين بالخروج من المشهد السياسي، كونهم يستفيدون من الفوضى والانقسام". وأضاف "الأجسام السياسية من حكومة الوفاق أو البرلمان أو مجلس الدولة جميعها انتهت مدة ولايتها منذ سنوات، وهم مستمرون في أعمالهم بطريقة غير قانونية، وبالتالي يحاولون من خلال بيانات التهدئة الترويج للانتخابات، بتضليل المواطن بالاستعداد والدعم لإقامتها، لكن الواقع عكس ذلك تماما". وختم حديثه "كما أن هناك دولا بعينها لا تريد استقرار ليبيا، ولا تريد انتخابات تؤدي إلى حكومة موحدة وبرلمان جامع، لأن ذلك يهدد مصالحها غير الشرعية في ليبيا". ورحبت الأمم المتحدة بـ"التوافق" بين طرفي النزاع في ليبيا بدعوتهما وقف إطلاق النار. وعبرت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا بالإنابة ستيفاني وليامز، عن ترحيبها بنقاط "التوافق" في البيانين الصادرين عن رئيسي المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق ومجلس النواب بشأن "وقف إطلاق النار" وتفعيل "العملية السياسية". وقالت وليامز في بيان للبعثة الأممية، إنها "تعبر عن ترحيبها الشديد بنقاط التوافق الواردة في البيانين الصادرين عن كل من رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح". وأضافت أن الطرفين عبرا عن "قرارات شجاعة ليبيا بأمس الحاجة إليها في هذا الوقت العصيب حيث دعيا إلى وقف إطلاق النار على أمل أن يُفضي هذا الأمر إلى الإسراع في تطبيق توافقات اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) والبدء بترحيل جميع القوات الأجنبية والمرتزقة الموجودة على الأراضي الليبية". وتسيطر قوات "الجيش الوطني" بقيادة المشير خليفة حفتر على مدينتي سرت والجفرة، المتآخمتان لأهم منشآت النفط في ليبيا. وحث الطرفان على استئناف إنتاج وتصدير النفط على أن يتم تجميد إيرادته في الحساب الخاص بالمصرف الليبي الخارجي لحين التوصل إلى تسوية سياسية. وتوقف إنتاج النفط الليبي منذ 18 يناير الماضي، وتراجع من 1.2 مليون برميل يوميا إلى ما دون 100 ألف برميل، وتخطت خسائر النفط في ليبيا جراء استمرار إغلاق منشآته ثمانية مليارات دولار، حسب ما أعلنت المؤسسة في أغسطس الجاري. وكان الرئيس المصري قد أعلن في السادس من يونيو الماضي، توافق رئيس البرلمان الليبي، والمشير خليفة حفتر في القاهرة، على مبادرة لإنهاء الصراع في ليبيا تدعو إلى وقف إطلاق النار في البلاد. وفي 20 يونيو الماضي، اعتبر السيسي أن تجاوز خط "سرت - الجفرة" خط أحمر، بعد تقدم لقوات موالية لحكومة الوفاق الوطني نحو ضواحي سرت، ولوح بتدخل مصري مباشر في ليبيا. وتوجد حكومتان في هذا البلد الغني بالنفط، إحداهما في العاصمة طرابلس، وهي حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج وتحظى باعتراف دولي، والأخرى في شرق البلاد وتحظى بدعم البرلمان و"الجيش الوطني"، الذي يقوده المشير خليفة حفتر.
مشاركة :