لا يمكن فهم مفردة التمييز في السياق الذي توظفه الجمعيات السياسية المتحالفة مع جمعية الوفاق المذهبية إلا بناء على مرجعيات أعماها التعصب وعطل ملكات التفكير لدى أتباعها سلطان الوهم وأفيون الطهرانية وهو ما لا نجد له نظيرا عمليا إلا في دول يلتبس القرار السياسي لديها بأوهام العقيدة ولدينا في إسرائيل وإيران خير شاهد. والتمييز كممارسة لا تبرز واضحة جلية إلا في مجتمع متعدد الأعراق و/ أو الأديان و/ أو المذاهب، ولهذا نجد أن التنظيمات السياسية المذهبية مثل جمعية الوفاق تلهج بالحديث عن التمييز على لسان أعضائها في الإعلام؛ لتكريسها في أذهان مريديها سلوكا حكوميا يستدعي التدخل الأجنبي. سلوك الوفاقيين الدعائي وأذرعتها الإعلامية باتت كتابا مفتوحا يهتاج موسميا بحسب الحاجة التعبوية، فمع كل حدث وطني أو مناسبة اجتماعية أو دينية أو أكاديمية ننتظر منهم هجمة مسعورة تلوك الشعارات الجوفاء نفسها وتردد نشاز القرص المشروخ عينه تمييزا وطائفية ووو...كل ما يجود به قاموس الأحقاد المقدس؛ وها هم كتاب جمعية الوفاق كما في الأمس فيما يتعلق بادعائهم التمييز في الترقيات وتوزيع الحوافز وغيرها يكثفون من حملتهم على وزارة التربية والتعليم ليتهموها بالممارسات التمييزية في إجراءات توزيع البعثات الدراسية. ومثلما فشلوا في السابق فإنهم حتما إلى فشل آخر ذاهبون. أما نحن فسنعدهم، في هذا الصدد، كمتطوعين على رأي بعضهم، بأننا لن نتردد ولن نكف عن ممارسة دورنا في الرد على كل متقول كذاب يصف إجراءات هذه الوزارة العريقة بالتمييز. فكيف استخلص هؤلاء هذه الصفة؟ بعد تكرار ممل لما تناوب على ترديده كاتبان أو ثلاثة ممن ينتمون إلى جمعية الوفاق ومن لف لفها ممن يتقاسمون معها الهم المذهبي ذاته على أنه تمييز من وزارة التربية والتعليم. تمييز ضد من؟ ضد طلبة تولت هي نفسها طلبتها رعايتهم اثنا عشر عاما وأكثر ليأتي اليوم الذي تتسلم فيه رغباتهم في التخصص فتنتقم منهم على الهوية (هكذا!!). وفي هذا الاتجاه كانت جمعية وعد على الوعد فتبنت في صفاقة عجيبة الطرح الطائفي عبر سؤال آثم على موقعها مفاده: هل واجهت تمييزا في البعثات؟ وبطبيعة الحال فأنت تعرف عزيزي القارئ أن جمعية وعد هي إحدى الجمعيات التي سطت على صوت الشعب البحريني برمته لتدعي تمثيلها له. وأحسب أن من يدعي تمثيل الشعب عليه أن يكون مطلعا على حقيقة الإجراءات حتى لا ينساق إلى رعونة الطروحات الشعبوية، يتعمدوا تضخيم النسب والتلاعب بتراتب الإجراءات خدمة لسوء نواياه وبمعزل عن كل مقتضيات الموضوعية والنزاهة وشروطهما. من السذاجة أن تمر أكذوبة التمييز هذه على المواطنين عندما تكون الجهة المستهدفة وزارة التربية والتعليم بالذات وهي الجهة المنوط بها تدريس أبنائنا قيم حقوق الإنسان والمواطنة والعدالة والمساواة وعدم التمييز، وتأتي في نهاية المطاف لتناقض نفسها وتمارس ضدهم التمييز. وفي اعتقادي أنه ليس من العدالة ولا الإنصاف أن نرمي الآخرين بنعوت الهدف منها تشويههم لا لشيء سوى أنهم وقفوا وقفة وطنية أربكت مخططات المتآمرين على تدمير النسيج الاجتماعي، وأوقفت مسعاهم إلى شل الحياة من خلال تحشيد الطلاب في مسيرات سياسية لا يفهمون من أهدافها شيئا. ما تابعناه في هذه الأيام القليلة الماضية، ولن نرى له نهاية قريبه على ما يبدو، يندرج في إطار حملة مسعورة تشنها جمعية الوفاق ضد وزارة التربية متهمة إياها بالتمييز. وما يلفت الانتباه حقيقة في هذه الحملة هو عنوان الهاشتاق الذي يثير شهية المذهبيين. وأعجب من جريدة الوسط التي جعلته أحد عناوينها رغم ما فيه من إساءة إلى كرامة المنتمين إلى هذه الوزارة. جاء العنوان على هذا النحو من الوحشية مجزرة البعثات. ففضلا عن أن مفردة مجزرة لا تتناسب أبدا من حيث المقام مع جهة تمارس الفعل التربوي زهاء المئة عام، فإن ما تضمنه الخبر أتى عاديا ولا يحمل شيئا مما يوحي به عنوانه. قد تشعر، عزيزي القارئ، بكثير من التعاطف مع ما حملته بعض التغريدات من شكاوى وانتقادات، ولكن مع التدقيق في مضامين ما كُتب تكتشف أن الطلاب أنفسهم كانوا طرفا في حدوث ما أسموه تمييزا ودعني عزيزي القارئ أشرح لك الأمر. أتذكر أنني مارست الدور في ملء استمارة ابني قبل سنوات لأختار معه التخصص الذي يريد، فالوزارة عزيزي القارئ المواطن تضع اثني عشر خيارا وعلى الطالب تصنيفها بحسب رغبته على ألا يترك خيارا واحدا منها. وقد يحصل أن بعض الطلبة، يكتفون بملء الخيارين الأولين فحسب، وقد يكون ذلك بتحريض من الآخرين، وهو ما يشير فيما يشير إلى أن الطالب لا يريد غير هذين التخصصين فيحرم بالتالي من الحصول على بعثة، فمن الطبيعي ألا يحصل كل المتفوقين على رغباتهم الأولى؛ لأن ذلك تحكمه سياسة دولة واحتياجات سوق العمل. ثم لماذا التركيز في بعثات الطب، إذ يبدو بحسب تصريح لوزارة التربية أن عددها محدود جدا، بالقياس مع الرغبات الكثيرة التي أبداها من تحصل منهم على الـ99 في المئة فما فوق؟ هذا سؤال متوقع أن يقفز إلى ذهن المواطن أمام هذا الكم من الأحاديث الدائرة عن البعثات. وما نستطيع أن نجزم به هنا هو أن الحصول على 99 في المئة رغم أهميتها لا تكفي الخريج لتحقيق رغبته الأولى. فعدد الخريجين الذين حققوا الـ99 في المئة يفوق وبكثير عدد البعثات المخصصة لدراسة الطب. ناهيك عن أن ما يحدد مسار البعثة ليس معدل الخريج فحسب بل الامتحان والمقابلة، وهما معياران أساسيان لا يسلم بهما من في رؤوسهم قناعة بأن الوزارة تستبطن التمييز من خلالهما. وما أثار انتباهي حقيقة هو أن بعض المغردين يطالب بالمساواة بين الطلبة بغض النظر عن الجنسية أو العرق أو اللغة، أفلا يثير لديكم مثل هذا الطرح أعزائي أن من تستهدفهم الوزارة بالتمييز هم ليسوا بحرينيين؟! خلاصة القول إنه بعد متابعة كل ما كُتب حول البعثات الدراسية والإجراءات الوزارية حيالها، وحول إجراءات الوزارة فيما في مجالات التوظيف والترقيات والحوافز، أجزم بأن المطلوب من كل ذلك الإساءة إلى عمل الوزير الفاضل الدكتور ماجد النعيمي، هذا الوزير الذي يشهد له العاملون أولا، والطلاب ثانيا، وأولياء الأمور ثالثا بكفاءته ونزاهته وببراعته في إدارة أمور وزارته. وقد أثبتت الأيام أنه كان عصيا على من أراد من هؤلاء المذهبيين النيل منه لوقفته الوطنية إبان أحداث فبراير 2011. وإذا كان لنا من رأي نورده في هذا المقام في إطار المناصحة، فإننا نهيب بسعادة الوزير ألا يعبأ بما يلهج به البعض وألا يعير اهتماما إلا بما يتعلق بالصالح العام وينسجم وخيارات دولة آثرت التعليم مستقبلا لكل أبنائها وبناتها. إن إجراءاتكم بحسب ما نرصده في الميدان التربوي وفي الشارع، يا سعادة الوزير، سليمة. وفق الله سعادتكم وأكرمكم بالنجاح دائما، وألقم الله بنجاحكم أعداء البحرين وسياسة حكومتها الرشيدة حجرا.
مشاركة :