تجليد الكتب.. سيرة العناية بالمعرفة

  • 7/24/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

عند الحديث عن فنون تجليد الكتاب في الحضارة العربية والعصر الإسلامي، يفتح الباحث باباً كاملاً على تاريخ الكتابة منذ شكلها التصويري في الألف الثالثة قبل الميلاد في حضارة بلاد الرافدين، مروراً بالتحول من النسخ بالخط اليدوي إلى ظهور الطابعة، وصولاً إلى الطباعة الرقمية اليوم. يرجع ذلك إلى أن فن التجليد في الحضارة الإسلامية لا يعد وليد الألف وأربعمئة سنة الماضية، وإنما هو تراكم معارف طويلة عرفتها مختلف الحضارات المحيطة في المنطقة العربية، فيعود جذره إلى بدايات صناعة الورق، واستخدام الجلد في الكتب، وعمليات صناعة الأحبار، والعمليات التي جرت على تطور الأقلام وغيرها من المتغيرات التي ترتبط بالكتابة بصورة كاملة، فتشير الدراسات إلى أن العرب عرفوا التجليد من المصريين، ومن الصينيين في آسيا، حيث كانت الأغلفة تصنع من الخشب وتزين بالنقوش والأحجار الكريمة، والعاج، والعظم. في إطار كل تلك التراكمات ومع تمدد العلاقات التجارية بين البلدان الإسلامية ومختلف بلدان العالم، اكتسب العرب مهارات فن تجليد الكتب، وتحول مع دخول الفتح الإسلامي من حرفة نادرة إلى مهنة وصناعة تتنامى وتتطور جيلاً تلو آخر، فتؤكد الموسوعة العلمية العربية أن تجليد الكتب عند المسلمين مَرَ بمراحل عديدة، فقد قام في بداية الأمر على التقاليد الحبشية والقبطية، حيث استعمل المجلدون المسلمون في أول الأمر لوحين من الخشب جُمعت بينهما أجزاء القرآن، ومع قيام فن التجليد، على أسس قبطية، أصبحت أساليب هذا الفن وزخرفته متشابهة في أقطار العالم الإسلامي كله وبخاصة في القرون الثلاثة الأولى من الهجرة، حيث صار فن تجليد المخطوطات في العصرين الأموي والعباسي على النهج الذي كان عليه أيام الخلفاء الراشدين، مع إحداث بعض التطورات القليلة. وأغلب الظن أن مخطوطات المصاحف التي أُنتجت في تلك الفترة كانت مغلَّفة بلوحات من الخشب المطعَّم بقطع من العاج والعظم، أو غلفت بالقماش المطرّز والجلد أو ربما استخدمت صفائح البردي في بعض الأحيان بدلاً من الخشب، ثم خطا المجلِّد المسلم خطوة إلى الأمام حين غلَّف ألواح الخشب هذه بشرائح من الجلد، وتعد هذه المرحلة بداية لفن التجليد عند المسلمين. تشكلت بدايات التجليد في ذلك الإطار وضمن فضاء ضيق، إلا أنها سرعان ما دخلت مرحلة ثانية مع استبدال ألواح الخشب بصفائح البردي الذي كان يُستخدم في ذلك الوقت في تغليف المخطوطات الصغيرة الحجم، أما المخطوطات الكبيرة فقد ظل الخشب يستخدم في تغليفها، فيشير الدارسون إلى أنه من بين أشهر الأمثلة التي يظهر فيها استخدام البردي في التغليف كتاب مقدّس عثر عليه في مدينة الفيوم بمصر، محفوظ الآن في مجموعة راينر البردية في فيينا. وقد صنع غلاف هذا المخطوط من صحيفة سميكة من البردي مغلفة بالجلد، وفيها يظهر مدى التطور والنضج اللذين أصابهما فن التجليد في العصر الإسلامي. لقد تكونت معالم خالصة لهذا الفن، وبات يمكن تلمس علامات التطور التي استحدثها المسلمون عليه، إذ شهد القرن الرابع والخامس الهجريين الكثير من التطورات والإضافات، فمن أهم السِّمات الفنية التي تميز تجليد المخطوطات في تلك الفترة ظهور طريقة جديدة في استخدام الورق في التغليف بلصق عدة صفحات بعضها ببعض مثل البردي، وظل المجلِّد يستخدم مادة الجلد في كسوة البردي السميك والورق السميك أيضاً، ومن حيث الشكل فقد أصبح شكل المخطوط عمودياً بعد أن كان أفقياً، إلى جانب ذلك زُوّد الغلاف باللسان الذي يعمل على حماية حافة المخطوط. إن تطور فن التجليد في العالم الإسلامي دفع الأوروبيين إلى الانكباب على كل ما وصل إليه، فأدى تجليد المخطوطات الإسلامية دورًا مهمًا في تطوير هذا الفن هناك سواء من حيث التقنية الفنية أو من حيث الشكل العام، ولعل من أبرز ما يظهر في فن التجليد الأوروبي استعمال الغلاف الذي يصنع على هيئة صندوق، وهذا النوع من التغليف كان مألوفًا في مصر والقيروان.

مشاركة :