أكّد مديرو مراكز للتوحد، وأكاديميون ومختصون نفسيون، أن دمج الطلبة ذوي الإعاقة في مدارس حكومية بالشارقة أمر صعب في ظل غياب البيئة الملائمة والمعلم المختص في التعامل معهم، وقلة وعي الطلبة الأسوياء بتلك الفئة، إضافة إلى أن تكدس الصفوف الدراسية بالطلبة يعوق تواصل المعلم مع الطلبة ذوي الإعاقة، ومن ثم ستفشل عملية الدمج في الأساس، ويعود الطلبة من جديد إلى مراكز التوحد، مطالبين بتدريب المعلمين على التعامل مع هذه الفئة، وتوفير احتياجاتهم كافة من أجل نجاح عملية الدمج. أمهات ذوي إعاقة: مدارس حكومية ترفض قبول أبنائنا طالبت (فاطمة علي)، أم لطفل من ذوي التوحد يبلغ من العمر 11 عاماً، الجهات المعنية بتأهيل العاملين في المجال التربوي والتعليمي وتزويدهم بأساسيات التعامل مع مختلف الإعاقات بشكل عام، خصوصاً التوحد، وتسهيل الإجراءات اللازمة لتطوير الدمج من أجل الوصول به إلى مستوى من الاحترافية المطلوبة. وأشارت إلى أن هذه الفئة من الأطفال تواجه صعوبات عدة في عملية الدمج بالمدارس، أهمها عدم قبولهم في صفوف المدارس الحكومية، فضلاً عن عدم ملاءمة المنهاج التعليمي المطبق حالياً في الفصول التعليمية لحالاتهم، الأمر الذي يجعل ذويهم يفضلون بقاءهم في مراكز التأهيل على أن يلحقوهم بفصول دراسية نظامية، كونهم يتلقون في هذه المراكز أفضل الخدمات المساندة، وخوفاً عليهم من انتكاسة حالاتهم النفسية، وتراجع مستوى تطور قدرات التواصل لديهم في حال فشل عملية الدمج. وقالت: عدم توافر قواعد الدمج الأساسية للأطفال من ذوي التوحد تخلق مخاوف سلبية في نفوس ذويهم وتمنعهم من الإقدام على التجربة، مشيرة إلى تجربة دمج ابنها من ذوي التوحد منذ الصف الأول الابتدائي مع أقرانه من الطلاب غير المعاقين بإحدى المدارس الحكومية، والتي لم تحقق النتيجة المرجوة لعدم تكيفه مع البيئة التعليمية. ووافقتها الرأي (أم عائشة)، والدة طفلة من ذوي التوحد، والتي طالبت بفتح المجال في المدارس الحكومية لدمج هذه الفئة، مشيرة إلى أنها تفضل أن تكون ابنتها مدمجة في فصول دراسية تضم طلبة عددهم قليل، لأن وجود هذه الفئة في فصول دراسية خاصة تسهل تعليمهم، وتسهم في تطوير قدرات التواصل لديهم مع زملائهم، وتالياً تنجح عملية الدمج، على عكس وجودهم في الفصول الدراسية التي تضم عدداً كبيراً من الطلبة، الأمر الذي يعيق تطور مهاراتهم الاستيعابية، بسبب حساسيتهم من وجودهم ضمن مجموعات كبيرة. وتابعت: في معظم المدارس لا يتم مراعاة أن الطفل من ذوي التوحد ليس بمستوى الطلبة الأسوياء، من حيث استيعاب المعلومات ومهارات التلقي الذاتية، ما يؤدي إلى فشل عملية الدمج، مشددة على ضرورة تهيئة بيئة تعليمية ملائمة لهم من خلال تبسيط المقررات والمناهج التعليمية، وجعلها تراعي الفروق الفردية في القدرات بين الطلبة، وربطها بالحياة الواقعية لتتناسب مع القدرات الذهنية للأطفال ذوي التوحد. وأضافت: يتطلب الدمج أساسيات منهجية وتوعوية ومادية لتهيئة المجتمع المدرسي، لا تتوافر في معظم الفصول التي يدمج فيها ذوو التوحد، إلا أنه يمكن تفعيل هذه الأساسيات بخطوات ومراحل مدروسة لتحقيق دمج إيجابي وفعال ومفيد للجميع. وقالت (أم آدم)، والدة طفل من فئة ذوي التوحد: تواجه مدارس عدة صعوبة في تكييف الأوضاع لتناسب الطلبة ذوي الإعاقة، في ما يخص المنهاج التعليمي وأسلوب عرضه وتقديمه، وعدد الطلاب في الفصول، وأساليب الامتحانات والواجبات المدرسية والتقييم المنتظم والجداول اليومية، مطالبة بتوفير التدريب والتأهيل لمعلمي الفصول النظامية، قبل دمج هؤلاء الأطفال في مقاعدها. الدمج الكلي والجزئي قال مدير مركز الشارقة للتوحد التابع لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية، هيثم الحياري، إن المركز نجح منذ تأسيسه في دمج تسعة أطفال في فصول التعليم النظامي، منهم خمسة طلاب تم دمجهم بشكل كلي، بينما خضع الأربعة الآخرون للدمج الجزئي، عبر تخصيص ثلاثة أيام في الأسبوع للدراسة، ويومين للانتظام في المركز من أجل تلقي الخدمات المساندة. وأوضح أن مراحل رياض الأطفال عموماً تركز على الجوانب التطويرية في المجال الاجتماعي والتواصل الانفعالي للطفل أكثر من الجانب الأكاديمي، ووجود الطفل ضمن مجموعة من الأطفال في مرحلة دراسية مبكرة، يخلق بينهم نوعاً من القبول والألفة، ما يجعل زملاءه في الفصل لا يعيرون انتباهاً للفروق الفردية بينهم في المراحل الدراسية اللاحقة، مبيناً أن الدراسات العالمية ركزت على أهمية الدمج المبكر الذي يطبق في الأعوام الثمانية الأولى من عمر الطفل من ذوي التوحد، وتقسم هذه العملية إلى ثلاث مراحل، الأولى في الأعوام الثلاثة الأولى من عمر الطفل، ويكون لها برنامجها الخاص الذي يركز على التعامل معه بطرق علمية صحيحة، والثانية في الفترة من ثلاثة إلى خمسة أعوام، ويتم التركيز فيها على مهارات ما قبل القراءة والكتابة، والثالثة تبدأ من خمسة حتى ثمانية أعوام، وتنمّى خلالها المهارات الأكاديمية ومهارات التواصل لدى الطفل. فيما كشف قسم توجيه التربية الخاصة في منطقة الشارقة التعليمية، عن قبول 65 طالباً وطالبة من ذوي الإعاقة في المدارس الحكومية ومرحلة رياض الأطفال للعام الدراسي 2015/2014، وتحويل 27 طالباً وطالبة إلى المراكز الخاصة. بينما لم تجب وزارة التربية والتعليم عن أسئلة الإمارات اليوم، بخصوص كيفية التعامل مع معوقات دمج الطلبة ذوي الإعاقة في مدارس الشارقة، أو الإفصاح عن إحصاءات مؤشرات الدمج في مدارس الإمارة. وتفصيلاً، قالت رئيس قسم العلاج الطبيعي في كلية العلوم الصحية في جامعة الشارقة، الدكتورة فاطمة حجازي، إن عملية دمج الطلبة ذوي الإعاقة في المدارس، تواجه معوقات عدة، أبرزها أن معظم المدارس غير مؤهلة أو مجهزة لاستقبال هؤلاء الطلبة، والنقص الشديد في عدد المعلمين المختصين المدربين على التعامل معهم، وقلة وعي الطلبة الأسوياء بكيفية التعامل مع زملائهم ذوي الإعاقة، فضلاً عن رفض بعض الأسر إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى المدارس. وأكدت ضرورة توفير معلمين مدربين في كل المدارس التي تقبل تلك الفئة من الطلبة، وإخضاعهم لدورات تأهيلية، موضحة أن هناك ثلاثة مختصين يتعاملون مع مريض التوحد لعلاجه، وهم مختص العلاج الطبيعي، ومختص العلاج في العمل (يهتم بالأعمال اليدوية وتنشيط ذهن المصاب)، ومختص التخاطب. من جانبه، أكد مسؤول امتحانات ترخيص المهن الطبية في هيئة الصحة في أبوظبي، الدكتور رأفت فتحي رمزي، أنه يجب توعية الطلبة الأسوياء بكيفية التعامل مع فئة الطلبة ذوي الإعاقة، حيث إن التفاعل الإيجابي سينعكس بشكل مفيد على سلوك الطلبة من تلك الفئة، ويعمل على رفع الروح المعنوية لديهم وتحسن حالتهم النفسية، كما أن له أيضاً أثراً إيجابياً في تنمية مهاراتهم العقلية والذهنية. وأشار إلى أنه يجب على المدارس أن تعيّن معلمين ملازمين لذوي الإعاقة (معلمي الظل)، يشرحون لهم ما لا يستطيعون استيعابه بسهولة، وهؤلاء يمكنهم إيصال المعلومات عبر طرق عدة ولهم دور مهم، لاسيما في ظل وجود بين طالبين أو ثلاثة من ذوي الإعاقة في فصول المدارس التي تقبل هذه الفئة. وأفاد رمزي بأن مرضى التوحد من الممكن أن يتحسنوا بشكل كبير عند اندماجهم في المدارس مع الطلبة الأسوياء، وكذا عند اندماجهم في المجتمع، لأن مشكلتهم في الأساس تكمن في الخوف من الناس، وبمساعدة الآخرين وتشجيعهم لهم يسهل دمجهم وتعافيهم، على عكس المصابين بمتلازمة داون الذين يجدون صعوبة في الاندماج في المجتمع. وأشار مدير مركز الشارقة للتوحد التابع لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية، هيثم الحياري، إلى أن من العوائق التي تقف أمام نجاح عملية الدمج، عدم تعاون المدارس الحكومية في دمج الأطفال ذوي التوحد، ورفضها إلحاقهم بفصولها الدراسية، وفي مثل هذه الحالات تضطر المراكز إلى إلحاقهم بمدارس خاصة، عازياً هذا الرفض إلى أن بعض المدارس تفترض توقعات متدنية حول مستوى الطلبة من ذوي التوحد عند إلحاقهم بصفوفها التعليمية، الأمر الذي سيتطلب منهم بذل مزيد من الجهد في تعليمه، إضافة إلى أن عدم إلمام المعلمين في هذه المدارس ببرامج الدمج الصحيحة تخلق لديهم اتجاهات سلبية في التعاطي مع عملية الدمج. ولفت إلى ضرورة إعداد المعلمين قبل وأثناء التحاقهم بالعمل، من خلال إخضاعهم لبرامج تؤهلهم للتعامل مع الأطفال ذوي الإعاقة عموماً، والتوحد خصوصاً، فضلاً عن العمل على تطويع المنهاج التعليمي ليصبح مرناً وقادراً على تلبية احتياجات طلبة الفصل الدراسي كافة. وقال: المناهج الدراسية المطبقة في عملية الدمج، مجدية في تعليم الأطفال ذوي التوحد في الفصول النظامية، بشرط أن تصاحبها خدمات مساندة، وتفعيل دور التكنولوجيا المساندة التي تسهل إيصال المعلومات من خلال استخدام الأدوات التكنولوجية المحسنة لأداء الطلبة، إضافة إلى تعديل وتبسيط أساليب التدريس، وفي حال كان المنهج الدراسي أحد عوائق نجاح عملية الدمج يجب أن يتم تعديله واختصاره ليتناسب مع قدرات ذوي التوحد وأضاف: تتضمن الخطة التربوية الفردية تقييم مستوى الطالب من ذوي التوحد، من خلال الوقوف على نقاط القوة والضعف لديه، وعلى أساس نتائج التقييم نضع خطة تربوية لأهداف قصيرة أو طويلة المدى، وتتم متابعتها على مدار العام الدراسي. وأكد الحياري أهمية تفعيل دور الأسرة في نجاح عملية الدمج، عبر توفيرها لمعلومات عن حالة وسلوك الطفل لمعلميه في الفصل الدراسي النظامي ولأخصائي التربية الخاصة، كما من المهم وجود تعاون بين المركز والمدرسة لوضع خطة مشتركة تشمل تخصيص (معلم مساند)، إضافة إلى تشخيص ومعرفة مستوى الإعاقة لدى طفل التوحد، والتي على أساسها يتم تحديد طرق التعليم الواجب اتباعها مع كل حالة. التوحد ومتلازمة داون في سياق متصل، ذكرت مدير مركز أولادنا لتعليم وتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة في الشارقة، مهى خزامي العازار، أن معظم المدارس التي يتم نقل الطلبة ذوي الإعاقة إليها غير مجهزة لاستقبالهم، والفصول مكتظة بعدد كبير من الطلبة، ما يعوق عملية استيعاب الطالب المعاق بين ذلك العدد الكبير من الطلبة الأسوياء. وأكملت: يجب أن تكون المدارس مؤهلة بشكل أكبر لاستيعاب الطلبة الذين يعانون التوحد ومتلازمة داون، بحيث يكون هناك برنامج متخصص للتعامل معهم، يشمل الأساليب التكنولوجية في التعليم، ويوفر الأجهزة المرئية والمسموعة لهؤلاء الطلبة، لاسيما أن مصابي التوحد يرغبون في أن يروا بأعينهم كل شيء قبل تنفيذه، ولذا يجب عرض أفلام تعليمية كنوع من العلاج لهم وتدريبهم على التعامل مع مختلف مجالات الحياة. تعديل السلوك وقالت مديرة مركز الإمارات للتوحد، أمل جلال صبري، وهي أم لأول طفل من ذوي التوحد تم دمجه في فصول الدراسة النظامية في الدولة قبل 13 عاماً، إن عملية الدمج لابد أن يسبقها تعديل سلوك الطفل في المراكز المتخصصة خلال الأعوام الثلاثة الأولى من عمره، ما يسهم في ما بعد في نجاح عملية الدمج بنسبة 70%، مؤكدة أهمية إلحاق هذه الفئة من الأطفال بالمراكز المتخصصة التي يجب أن يكون الدمج من خلالها وليس عن طريق الأسرة، لأنها هي التي تعمل على تقييم حالات التوحد وتشخصها بشكل دقيق تجنباً لتداخلها مع حالات أخرى مشابهة لها في الأعراض. صعوبات الدمج فيما قال مختص نفسي في أحد مراكز التوحد في الدولة، فضّل عدم نشر اسمه، إنه لا يوجد تعاون يذكر من قبل قطاع التعليم الحكومي بخصوص عملية الدمج، مشيراً إلى أن مؤشر نجاح الدمج يعتمد على أسس عدة، منها اجتياز الطفل مستوى محدداً من التدريب في المركز الذي ينتمي إليه، إضافة إلى نتائج الزيارات الدورية التي ينفذها المختصون النفسيون بالمركز في المدارس. وأوضح أن بعض ذوي التوحد يتم دمجهم بصورة جزئية كمرحلة تجريبية أولى تتمثل في تخصيص ساعات محددة من اليوم، أو أيام معينة في الأسبوع للدراسة، وفي حال نجاح عملية الدمج الجزئي يعقبه تنفيذ الدمج الكلي، ولا يكون ذلك إلا بعد التأكد من وصول الطفل إلى مرحلة (التكيف) في البيئة الصفية، التي تختلف مدة الوصول إليها بين الأطفال من ذوي التوحد وفقاً لمستويات قدرات التواصل لديهم. وأشار إلى أن عملية الدمج تواجه تعثراً ملحوظاً في بعض الأحيان، فبعض الطلبة عادوا إلى الانتظام بمراكز التوحد مرة أخرى، بعد أن واجهتهم صعوبات في الاستمرار في التجربة، مشدداً على أهمية عمل دراسة شاملة لحالات ذوي التوحد قبل التنفيذ الفعلي لعملية الدمج، عبر التواصل مع الأسرة للوقوف على أدق التفاصيل حول حالة الطفل، كون الأسرة تسهم بنسبة 50% في نجاح الدمج. دمج 65 طالباً في العام الدراسي الجاري في المقابل، كشف قسم توجيه التربية الخاصة في منطقة الشارقة التعليمية، عن قبول 65 طالباً وطالبة من ذوي الإعاقة في المدارس الحكومية ومرحلة رياض الأطفال للعام الدراسي 2015/2014، وتحويل 27 طالباً وطالبة إلى المراكز الخاصة. وأضاف أن حالات الإعاقة لدى هؤلاء الطلبة تراوح بين الإصابة بالعمى الكلي أو الجزئي، ومشكلات في السمع، ونفسية وسلوكية، وبطء التعلم وإعاقة حركية وذهنية، وتعمل اللجنة المشكّلة من موجهي تربية خاصة، ومختصين نفسيين، ومختص في التخاطب على اختيار طلبة تسهل عملية دمجهم، مشيراً إلى أن عدد معلمي التربية الخاصة في مدارس المنطقة التعليمية 43 معلماً.
مشاركة :