عيد مسلم إبراهيم أحمد، فنان تشكيلي تلقائي من أبناء واحة الخارجة بمحافظة الوادي الجديد، نجح في تجسيد تراث الواحة وعاداتها وتقاليدها ومظاهر الحياة اليومية من خلال أعماله الفنية التشكيلية والتي تتنوع من نحت تماثيل وتنفيذ جداريات بل وشكل فرقة فنون شعبية من الأطفال ذوي الهمم والقدرات الخاصة.الفنان عيد 43 سنة من مواليد 1\12\1976 في منطقة تسمي "زقاق حجاج" إحدى المناطق الشعبية القديمة في واحة الخارجة، ويعمل موظفا بمديرية الثقافة الجماهيرية، فضل البقاء والعيش في المنطقة الشعبية القديمة حتى الآن، لما تمثله من مصدر الهام وإبداع في أعمال الفنية.حصل على دبلوم زراعة عام 1994، ومتزوج ولديه 3 أبناء الأكبر هو "أحمد"، 14 سنة، وله موهبة في الغناء بينما الوسطي هي ابنته "مي" 10 سنوات وورثت الفن التشكيلي والرسم من والدها، والأصغر "محمد" وله موهبة في لعبة كرة القدم.ترعرع عيد في أسرة متوسطة الحال، مكونة من 5 أشقاء و3 شقيقات، وكان والده موظفا في جهاز تعمير الصحاري بالمحافظة، بينما والدته ربة منزل وهي كانت الدافع والمشجع الأكبر له في تنمية موهبته.يؤكد عيد أنه اكتشف موهبته عام 1994، من خلال حبه لتشكيل الطين الذي يستخدم في بناء منازل الواحات قديمًا، قائلًا "بدأت أجمع الطين وابني مجسما لمنزل واحاتي صغير، ثم بدأت عملية تنمية الموهبة، من خلال مشاركتي في مسابقات التميز المدرسي بقطاع التعليم بالمحافظة، لتجسيد وعمل مجسمات تمثل تاريخ الواحة وتراثها".ويضيف الفن يجسد الصورة الحقيقية لوجه مصر الباسم الساطع"، متابعًا: "التحقت بقطاع الثقافة الجماهيرية بمركز الخارجة، وبدأت تنمية الموهبة لدي من خلال القطاع، ومن خلال مشاهدتي لعروض الفن الشعبي حيث بدأت إنتاج تماثيل تجسد عملية حصاد البلح والمزارع وهو يحمل فأسه والذي يسمى باللهجة المحلية "الطورية"، وأطلقت على الطين أو الصلصال اسم "الست المطاوعة" أي السيدة والزوجة التي تطيع زوجها، وذلك كناية عن سهولة تشكيل وتطويع الصلصال الواحاتي في إنتاج أشكال فنية إبداعية.أوضح، أنه نفذ من خلال الطين الواحاتي عدة تماثيل، جسدت مظاهر الحياة اليومية وربات المنزل، وجداريات تحكي تاريخ الواحات قديما، ومقومات السياحة بها مثل الصحراء البيضاء بالفرافرة.يقول الفنان عيد إن مصدر الصلصال أو الطين التي استخدمه هو الطفلة الواحاتية، والتي تنشر في مناطق متفرقة بالواحات اعتبارا من الفرافرة وحتى باريس، ويتنوع لونها فيوجد منها في تجمعات جبلية صغيرة على لون أبيض ولن أصفر ولون أحمر ولون أخضر مائل للزرقة، ويتم تجميعها في جوالات ثم العودة بها لمدينة الخارجة.ويضيف، "أول مرحلة هي إذابة الطفلة في أحواض مياه حيث تترك لفترة زمنية تصل لأسبوع داخل هذه الأحواض، ثم مرحلة سحب المياه في حوض ثاني ثم تجفيفها في حوض ثالث حتى تخرج قطعة طين متماسكة، يبدأ عندها مرحلة التشكيل من خلال الدولاب الخاص بي في نحت التمثال في هذه القطعة من الطين، ثم بعد ذلك يدخل فرن خاص في درجة حرارة من 750 – 1200 درجة مئوية، وتنتج قطعة يطلق عليها " مرحلة الطين البسكويت" حيث يكون لون القطعة مائل الأحمر الطوبي الخفيف أو الأقرب للسيموني، وهذه المراحل يجري تنفيذها داخل وحدة الخزف والفخار جنوب مدينة الخارجة، والتابعة لمديرية الثقافة الجماهيرية.ولفت إلى، أنه نفذ متحفًا للتراث داخل مدرسة نجيب محفوظ للثانوية بنات بمدينة الخارجة، جسد تاريخ الواحات وأهم عادات سكانها.وأشار إلى، أنه فنان تلقائي وليس أكاديمي، حيث يجسد الطبيعة المحيطة والبيئة وتفاصيلها وحياة الإنسان بها، والتي تتمثل في كافة مظاهر الحياة من زراعة وروابط اجتماعية.يقول عيد، "تمثال عم حمدي شيال الهموم، له حكاية معي شخصيًا وهي إنني كنت أسير في أحد شوارع مدينة الخارجة، ووجدت رجلًا كبيرًا يحمل جوالًا من الأسمنت، ثم توقف لفترة زمنية طويلة دون تحرك، فاقتربت منه متسائلًا عن سر توقفه وهو يحمل فوق كتفه جوال الأسمنت، فرد على قائلا " معلش يا ابني شايل هموم نسيت حملي فوق كتفي"، فخطرت لي فكرة نحت تمثال لهذه الشخصية، واستغرق إنتاج التمثال 7 أيام، مصنوعا من الطفلة أو الصلصال الواحاتي، والمغطى بمواد الأكسيد، بعد علاجه بمواد الأكسيد حتى يصل إلى اللون النحاسي والذي يعطي انطباعًا صناعة التمثال من معدن النحاس.يحكي الفنان عيد، أن تمثال الرجل "الودني" يجسد وينقد شخصية الرجل الذي يعطي إذنه لكل شخص، وينقل له كلام الآخرين خاصة الكلام السيئ والذي يتسبب في ردود أفعال سيئة، فجسدت التمثال من الصلصال الواحاتي عبارة عن جزئيين الأول الشخص الذي ينقل الكلام في إذن الرجل بطل التمثال، ومثلته بشكل "الحية" أو الثعبان" الذي ينفث سمومه في الآخرين، والجزء الثاني الذي يسمع للثعبان وبيده " عصا" يبطش بها ويؤذي الآخرين دون وعي أو تفكير معتمدا فقط على الشخصية التي تنقل له الكلام السيئ.يقول عيد، إنه شارك في العديد من المعارض الداخلية التابعة لوزارة الثقافة والخارجية بالتنسيق مع عدة سفارات وقنصليات داخل مصر، وأبرز المعارض التي شاركت فيها هي معارض السفارة الإيطالية بالقاهرة، بواقع 7 مشاركات من عام 2008 وحتي عام 2014، بالإضافة لمعارض قاعة المؤتمرات بمدينة نصر، وملتقي الفخار الدولي، بمشاركة تونس والبرازيل وألمانيا وإيطاليا، ودول عربية وملتقي "حكاية نخلة" وهو كان ملتقى لنحت أخشاب النخيل.وأضاف، أن مديرية الثقافة بالمحافظة بقيادة مدير المديرية، محسن حسب، تحرص على دعمي ودعم كل الفنانين بالمحافظة بشكل مالي ومعنوي، وتتولي تسفيرنا لدول الخارج لتمثيل المحافظة والجمهورية في عدة معارض خارجية.يقول عيد سر نجاحي هو والدتي، حيث كانت دائما تشجعني على تنمية موهبتي، بينما كان والدي في بداية الأمر يشعر أنها حرام لأنني أصنع تماثيل، ولكن بدأ يقتنع أنه فن وأنه طالما لا يجري عبادة هذه التماثيل فهو أمر عادي، بل بدأ خلال تواجده في الحقل عندما يجد قطعة طفلة تصلح للتشكيل بدأ يحضرها للمنزل من أجلي، كما أن جميع أشقائه كانوا يشجعونه دائما، بالإضافة إلى قدوته في الفن على المستوى المحلي هو الفنان الواحاتي والمخرج فايز برجاس، والذي كان دائما يشجعه، وهناك شخصيات فنية أثرت فيه، على المستوى المحلي، وهم أنور رشوان، أحمد وهبة، محمد أبو وزيد، والفنان العالمي، مبروك إسماعيل، وهو من أبناء واحة الخارجة.ويشير إلى إن أصعب الفترات التي مرت عليه هي تعرض أعماله الفنية للكسر بعد مشاركته في معرض روسي، عام 2009، والذي حققت فيه مبيعات ومكاسب مالية كبيرة من بيع تماثيل لي، إلا أن تعرض أعمالي للكسر بسبب نقلها داخل كراتين بعد انتهاء المعرض، وبمجرد رؤيتي لأعمالي مسورة نزلت الدموع من عيني وبكيت وسميت المعرض "انهيار".ونوه "مسلم قائلًا "بدأت تشكيل فرقة للهواة بمركز الخارجة من خلال تقديم تابلوهات فنية فلكورية، حققت مراكزًا متقدمة في عدة مسابقات كان آخرها معسكر "إبداع" واتحاد شباب المدن بمحافظة الإسكندرية، خلال الشهرين الماضيين، حيث حصدت مركز أول، وهي موهبة إضافية أخرى في الغناء الشعبي.ويؤكد أنا فنان تشكيلي ومصمم ومدرب بفرقة الفنون الشعبية التابعة لقصر الثقافة الوادي الجديد، واعتدت يوميا ممارسة هوايته في تصميم الرقاصات والاستعراضات بمركز شباب الخارجة، وشدتني الفكرة خلال ممارسة عملي وعندما بدأ الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة بالتجمع حولي يوميا أثناء التدريب، بصحبة أولياء أمورهم لمركز الشباب"، كما أنه اكتشف أن هناك تفاعلا كبيرا من الأطفال حول ما يقوم به، وهناك من يحاول أن يقلده ومنهم من يتراقص على الأغاني الفلكلورية الواحاتية التي يتم تدريب الفرقة عليها، مشيرا إلى أن الفكرة جاءته لتحقيق حلمهم عن طريق تدشين أول فرقة استعراضية لذوى الاحتياجات الخاصة بهدف دمجهم ومحاولة التخفيف عنهم ورسم البسمة على وجوههم، وسط ترحيب كبير من أولياء الأمور لترك مساحة له للتعامل مع أبنائهم.وأضاف أنه درب بعض الأطفال ووجد تطور كبيرا في سلوكهم وأدائهم حتى أن البداية كانت بــ5 أطفال شكل بهم فرقة صغيرة ليصل عددهم فيما بعد إلى 12 طفلا وشابا، لافتا إلى أن أولياء الأمور لاحظوا تطورا وتفاعلا غير عادي لأبنائهم.وتابع في وقت قياسي استطعت تنمية مهارتهم وتدريبهم على التنورة والرقصات الفلكلورية الواحاتية، ويتم تدريبهم يوميا من بعد صلاة العصر حتى المغرب وشاركوا في عدة مسابقات وحفلات عديدة وتم تكريمهم في أكثر من مناسبة".وأكد أن الأطفال ذوي الهمم من أشهر العروض التي يقدموها هي عرض "التنورة" لفرقة الهواة للفن الشعبي هو عرض مشترك بين فتيات ذوي الإعاقة وبين راقصي تنورة بالفرقة، وعرض تمثيلي بعنوان "العمدة" وعرض رقصة نوبية.
مشاركة :