أيهم عرسان: الطفل أكثر ذكاء وحساسية ممّا يعتقده الكثيرون | نضال قوشحة | صحيفة العرب

  • 8/25/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

قلما تشكل عوالم الطفل والمرأة مشروعا فنيا واضح المعالم في حياة مبدع ما، ولكنها كانت ولا تزال كذلك عند المخرج السينمائي السوري أيهم عرسان الذي ما انفك يشتغل على هذه الثيمة في العديد من أفلامه، حيث تناول عوالمهما بكثير من الحب والشغف. دمشق – اهتم الكاتب والمخرج السينمائي السوري أيهم عرسان بموضوع الأطفال والمرأة، وشكلا لديه هاجسا فنيا ظهر جليا في العديد من الأعمال التي أخرجها للسينما. وهو الذي قدّم فيلم “كبسة زر” وكان للأطفال حضور كبير فيه، وحقّق به ست جوائز سينمائية على مستوى الحضور العربي عام 2017. كما أنجز بعده فيلم “قهوة سخنة”، ومن بعده فيلم “قطرات” الذي قدّم في عرض افتتاحي قبل أشهر، وفيه يتحدّث عن القهر الدفين الذي تعيشه المرأة في مجتمعاتنا العربية حيث الوجع الداخلي الأخرس والظاهر المختلف. فاز نص فيلمه “حلم” بجائزة مسابقة السيناريو عام 2017، وشارك لاحقا في المسابقة ذاتها بنص حمل عنوان “جواد”، وفي هذا الفيلم يقدّم عرسان الأب كقدوة لابنه، وكيف يكون شعور الطفل عندما يفتقد قدوته في حياته. خصوصية عربية الطفل والمرأة هاجس إبداعي لا ينتهي لدى أيهم عرسان، وهو يدعو المنتجين العرب إلى الاهتمام بهما الطفل والمرأة هاجس إبداعي لا ينتهي لدى أيهم عرسان، وهو يدعو المنتجين العرب إلى الاهتمام بهما “العرب” حاورت المخرج أيهم عرسان، وسألته عن جدوى اقتحامه المتجدّد بفيلمه “جواد” لمنطقة بالغة الحساسية، وهي عوالم الأطفال، وعن مدى امتلاكه لمشروع فني يتوجه للطفل بشكل واضح، فيجيب “الدخول إلى هذه المنطقة (عالم الكتابة أو صناعة سينما للطفل) يأتي بالدرجة الأولى ضمن مشروعي أو ضمن مشاريعي التي تجعلني موجودا في هذا العالم الجميل وأقصد هنا عالم السينما، لطالما كنت أتوق إلى تقديم أعمال خاصة بالطفل، لكنني كنت وبصراحة أتهيّب ذلك، فالتحديات التي تواجه الكاتب أو المخرج من أجل إنجاز عمل موجّه إلى الأطفال تعدّ كبيرة وخطيرة”. وهو يرى أن الطفل في زمننا الحاضر مختلف كثيرا عن ذاك الذي كان يعيش قبل القرن الحادي والعشرين، حيث توسّعت وبشكل مُتسارع جدا مداركه وأضحى متصلا بالتقنيات الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، كما أن مناهج التعليم الخاصة به تطوّرت أيضا، الأمر الذي يجعله أكثر اطلاعا من جهة، كما يجعله ذا ذائقة فنية عالية بسبب إمكانية الولوج السهلة إلى الأعمال الفنية المتنوعة المقدّمة إليه بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر القنوات التلفزيونية العديدة، من جهة أخرى. وهذه العوامل مجتمعة تجعل مسألة مخاطبة الطفل فنيا ودراميا صعبة للغاية، وهي تضع الكتاب وصانعي الأفلام العرب أمام مسؤولية متزايدة كي لا يظل الطفل العربي رهين ما تقدّمه له المنصات الأجنبية من موضوعات بعيدة عن ثقافته وموروثه الحضاري. ويسترسل المخرج السوري “من هنا وجب علينا تقديم مقترح فني يتمكن من مخاطبة فكر الطفل ومنطقه ويكون مقبولا بالنسبة إليه بصريا وفنيا ومرضيا لذائقته المتطلبة دوما، ويحمل رسالة فكرية من خلال مناقشة قضايا يعيشها ضمن مجتمعه الكبير الذي يتضمن الشارع والمدرسة والبيئة الاجتماعية أو ضمن مجتمعه الصغير المكوّن من أسرته، وأعتقد أن هذا هو الدافع الرئيسي الذي أخذني إلى عالم سينما الطفل”. ولا ينكر عرسان أن ثمة فراغا إنتاجيا في هذا المجال، لعدم اهتمام منتجي الدراما العربية بهذه الثيمة، وذلك نتيجة ضحالة فكرية وتفكير مادي تسويقي يجعل الأعمال التي تعالجها خاسرة من وجهة نظرهم. لكنّه يستثني في هذا الخصوص المؤسسة العامة للسينما في سوريا مثمّنا جهدها المتواصل في الاهتمام بسينما الطفل وتقديمها كل الدعم المادي واللوجستي من أجل إنتاج هذه الأعمال، حاثا القطاع العام التلفزيوني على أن يتنبه إلى أهمية الأعمال الموجهة للطفل والعمل على إنتاج هذه النوعية من الأعمال. طرح إشكالي المخرج أيهم عرسان يمتلك نظرة واسعة عن انشغالات الطفل السوري حضور كبير للأطفال في أعماله يمتلك المخرج أيهم عرسان نظرة واسعة الطيف عن انشغالات الطفل السوري، وبالتالي يكتب له وهو في حالة حوار بينهما بمستوى عال، وعن ذلك يقول “للطفل عوالمه الخاصة وهو أذكى بكثير ممّا يظن الكثيرون، وهذا الأمر يبقى معتملا في ذهني طيلة الوقت وأنا بصدد الكتابة للطفل، مدركا أن الطفل وبسبب حساسيته الكبيرة وذهنه المتّقد يكون نزقا إلى حدّ ما، وهذا يجعله متلقيا مربكا، فهو إن وجد أنك تلقنه أو تلقي عليه المواعظ سيتركك ويفقد اهتمامه بما تقدّمه له، وإن وجد أنك تستهين به سيفعل الأمر عينه، وهنا تكمن الصعوبة، عليك ككاتب أو صانع أفلام أن تعمل على أن تبقى ممسكا باهتمام الطفل حتى النهاية كي تصل رسالتك إليه، وكم هو رائع أن ترى نظرة الرضا أو السعادة في عينيه بعد انتهاء العمل”. ويعترف المخرج السوري أنها مهمة شاقة ولكنها ممتعة جدا، وهو يحسب أن المتعة فيها تتفوّق على صعوبتها، كما يُشير إلى أن هذا الأمر يتطلّب منه مراجعات كثيرة أثناء بناء الحكاية، قائلا “عليّ العمل وفق منطق الطفل ومحاكماته العقلية وليس وفق منطقي ومحاكماتي كشخص بالغ، وهذا يتطلب الارتداد نوعا ما نحو مراحل الطفولة الخاصة بي ومحاولة سبر تلك المرحلة لمعرفة ردة الفعل أو آلية التفكير لديّ كطفل فيما لو تعرّضت لموقف شبيه لما يتعرّض له الطفل الموجود في الحكاية”. وفي فيلم “جواد”، أراد الكاتب والمخرج أيهم عرسان إيصال فكرة نبيلة إلى الناشئة، عن علاقة الآباء بالأبناء، وهو يرى أن هذه الأفكار يمكن نقلها بواسطة السينما وبشكل متميز، ويقول “فيلم جواد يتحدّث عن فكرة إشكالية لدى الطفل في مجتمعاتنا العربية عموما، إذ لطالما ينظر طفلنا إلى أبيه بوصفه بطله وقدوته والملجأ والسند الحامي له، ومن الصعب تصوّر الأزمة التي يمكن أن تحدث لدى هذا الطفل عندما يشعر بأن هذا الجدار المتين الذي يستند إليه ربما كان ليس بالصلابة التي كان يحسبها، والاختبارات التي توصله إلى هذه النتيجة تكون له من القسوة بمكان، ما يجعله يفقد توازنه النفسي وربما تماسكه أصلا”. المرأة في مجتمعاتنا العربية حيث الوجع الداخلي الأخرس والظاهر المختلف المرأة في مجتمعاتنا العربية حيث الوجع الداخلي الأخرس والظاهر المختلف ويضيف “فن السينما يُتيح بين يدي المخرج إمكانيات فنية وتعبيرية كبيرة لتقديم هذا النوع من الأعمال، ذلك أن العمل على المعادلات الدرامية وموازاتها مع العمل على الممثل ومع طاقم العمل لتقديم مادة بصرية سينمائية يسهم إلى حد كبير في إيصال رسالة الفيلم إلى الطفل، الذي يميل إلى متابعة الصورة المتحركة أكثر من ميله إلى النص المكتوب، فما بالنا بطفل اليوم المعولم؟ نحاول من خلال إنجاز هذه الأفلام مخاطبة هذا الطفل المتأثر بالعولمة وأخذه إلى ساحة فنية تعبيرية محلية تشبهه وتشبهنا”. وعن طموحه من وراء إنجاز هذا الفيلم، يؤكّد عرسان “أتوق إلى أن يُشاهد الفيلم أكبر عدد ممكن من الأطفال في سوريا، وأن أتشارك معهم اللحظات التفاعلية المتعلقة بكيفية تلقيهم للفيلم وكيف أثّر فيهم، ولذلك أتمنى أن تُتاح لي الفرصة لعرضه ضمن أندية سينمائية أو أنشطة ثقافية متعلقة بالأطفال، ربما يكون تفاعل الأطفال المأمول وحبهم للفيلم معادلا أو متفوّقا على مسألة تحقيق الجوائز التي يمكن أن يحصل عليها الفيلم في المهرجانات العربية والدولية”. وفيلم “جواد” من إنتاج المؤسسة العامة للسينما بسوريا، وهو روائي قصير من تأليف وإخراج أيهم عرسان، وتمثيل كل من: محمد حداقي وروبين عيسى ومحمود الويسي وعفراء زينو وزامل الزامل ونور خلف وسليمان الأحمد وعلي إبراهيم والطفلين حسن الكردي وشام المبيض.

مشاركة :