أحد أهم التداعيات التي يتم التركيز عليها في مرحلة الفوضى من قبل القوى التي تسعى لفرض مشاريعها في المنطقة هو القضاء على أي أمل عند الإنسان والمجتمعات والشعوب، وزرع بدلًا عنه اليأس والقنوط والكآبة والحزن، حتى يصل الانسان إلى حالة من الضياع النفسي والفكري وعدم الثقة حتى بأقرب المقربين له، وبهذا الشكل يتحول الإنسان إلى مجرد كتلة من اللحم فاقد للمسؤولية والواجبات الملقاة على عاتقه ووحش يوجه اللوم على هذا وذاك. إنها القوى المهيمنة التي تُدرك نفسية شعوب المنطقة وكيفية التحكم بها ولها باع طويل في هذه الأمور، وذلك منذ البعثات التبشيرية التي كانت تقوم بها من أجل سبر الحالة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والنفسية للمجتمعات الشرق أوسطية، وكذلك لعب المستشرقون دورًا لا يستهان به في ذلك، أي أنهم يتبعون سياسة ممنهجة في التحكم بالمجتمعات عن طريق الإعلام وبث الشائعات واللعب بعواطف الناس وشعورهم، وهي نقاط الضعف عند الانسان إن لم يدرك التحكم بها. هذه قضية شائكة نعاني منها بشكل كبير نحن كمجتمعات شرق أوسطية منذ فترة طويلة، وأننا أناس عاطفيون ونثق بالآخر على أنه إنسان يمتلك الأحاسيس، ولكن الحقيقة التي نرتطم بها هي أن الآخر مجرد من تلك الأحاسيس والمشاعر وأنه لا علاقة له بها مطلقًا، وأن الذي يحركه فقط هي المصالح والأجندات والمطامع ولتعيش الشعوب في الدرك الأسفل من الحياة، القوى المهيمنة التي لا يهمها سوى مصالحها والتي لا تبحث إلا عن الربح الأعظمي على حساب الشعوب، بمقدورها فعل أي شيء كي تصل لأهدافها وأوهامها. لذلك نرى حالة الشعوب والمجتمعات في المنطقة تعيش حالة من الاغتراب النفسي والذاتي حتى وصلت هذه الشعوب لا تفكر إلا بأنانيتها ومصالحها الضيقة على حساب الوطن والانتماء للوطن. الوطن بات بالنسبة لها عبارة عن سجن كبير وأن أية محاولة أو فرصة سانحة ستجدها تهاجر وتترك الوطن لقمة سائغة بين أنياب القوى التي تسعى للسيطرة على المنطقة، وهذا هو المطلوب من الشعوب في أنها لا تثق بدولها وتعيش الشك بالوطن والانتماء، وحتى أن الروابط العائلية تبقى من دون أي معنى بالنسبة لها، لذا، أول ما تفكر به هو الهجرة إلى بلاد الغرب التي نحلم بالوصول إليها على أنها الفردوس الذي ينتظرنا كي نعيش الكرامة. وتبقى الحقيقة الزائفة مخفية وبمجرد الوصول لتلك البلاد الغربية والتي لا تحمل بين جنباتها سوى برودة جوها وأنظمتها وشعبها الذي ينظر للمهاجرين على أنهم بشر من الدرجة الثانية والثالثة وأنهم هنا فقط كي يطعموهم في معسكرات الإيواء، لتبدأ رحلة البحث عن الإقامة والجنسية والمعاش الاجتماعي المذل والعمل بأي مكان من أجل تأمين لقمة العيش. كل هذا فقط توصلوا له من خلال القضاء على الأمل والتفاؤل الذي يعتبر السلاح الأقوى لدى كل إنسان يصمد من خلالهما في صعوبة الحياة، الأمل الذي يعتبر الدافع الوحيد في تحمل عثرات وتقلبات الحياة والذي يمنح الإنسان أملا بأن الغد دائمًا هو الأفضل، ويحارب به أشد الأعداء من أجل الوصول إلى بناء مجتمع يكون فيه الإنسان هو الغابة والهدف وليس الوسيلة. بالأمل كانت ثورات الأنبياء من إبراهيم وموسى والمسيح عيسى وسيدنا محمد الذين عانوا كثيرًا من أقرب المقربين لهم، الذين كانوا يبثون الشائعات عنهم ويسعون لكسر إرادتهم وتحطيم معنوياتهم، لذا، أمام كل تلك المحاولات كان الأنبياء يزدادون أملًا وتفاؤلًا بأن الغد المتسلح بالأمل سيكون أفضل من اليوم الذي نعيشه. طبعًا لا أمل من دون وعي تاريخي وإدراك معنوي للحاضر وبناء فلسفي للمستقبل الذي نسعى لبنائه بين أحشاء القديم الذي كان سببًا فيما وصلنا إليه من تشتت وتحولنا إلى مجتمع قروي واحدي لا يفكر إلا بذاته وأنانيته، للخروج من هذا المجتمع الذي لا يقبل الآخر ولا يقبل التنوع علينا التحلي بوعي المجتمعات وتشكلها على أساس التنوع والغنى في الثقافة واللغات والاثنيات والتي هي بحد ذاتها تشكل شيفرة نمو بذرة الأمل والتي ستكون الخطوة الأولى لخروجنا من الفوضى العارمة التي تضربنا بموجاتها القاتلة.
مشاركة :