هناك منطقة مطروقة قليلاً من قبل السياح رغم أنها تملك بعض أعظم الكنوز الأثرية في الأمريكتين خلاف موقع ماتشو بيشو الشهير، حيث بدأت حضارة شعب شاشابوياس الذين سكنوا في أقصى شمال دولة بيرو حوالي العام 800 بعد الميلاد وانتهت مع وصول الأنكا في أواخر القرن الخامس عشر. كان شمال دولة بيرو حيث تنحدر سلسلة جبال الأنديز غرباً إلى المحيط الهادئ وتمتد شرقاً إلى غابات الأمازون المطيرة، لفترة طويلة، مساراً يتجنبه السياح، ويعود ذلك جزئياً لوعورة المنطقة، وكذلك بسبب طغيان مواقع ماتشو بيتشو وكوسكو وبحيرة تيتيكاكا على المشهد السياحي في بيرو وتجتذب معظم السياح لمنطقة جنوب شرق العاصمة ليما، وغالباً بسبب التصور المسبق لديهم بأنه ليس هناك الكثير لرؤيته في البلاد الواقعة في أمريكا اللاتينية خلاف تلك الأماكن. ولكن منذ 30 عاماً تقريباً بدأ هذا الأمر في التغير، حيث اكتشف العلماء أهراماً في خارج مدينة تشيكلابو الساحلية التي تبعد 450 ميلاً تقريباً إلى الشمال من العاصمة ليما، تساوي في قيمتها أهرام الجيزة مع 16 من المدافن القديمة التي تحتوي بعض أعظم الكنوز الآثارية في الأمريكتين، ثم جاء بعدها اكتشاف مومياوات ليميبامبا، وبعدها قلعة كولاب الجبلية الهائلة في شاشابوياس، وسرعان ما أطلقوا عليها اسم ماتشو بيتشو الأخرى، والتي ترتمي مختبئة إلى حد بعيد على ارتفاع 3 آلاف متر بين السحب. مملكة (محاربو السحاب) تبدأ الرحلة إلى كولاب من سيبان على بعد 20 ميلاً من تشيكلايو، وبعد القيادة عبر ممر يرتفع 20 قدماً مخترقاً مزارع قصب السكر تصل الرحلة إلى ما يشبه تلين عملاقين من تلال النمل الأبيض وليسا في واقع الأمر إلا أقدس موقع لدى شعب موشي القدماء الذين كانوا يعيشون هنا في الفترة بين الأعوام 100 إلى 700 بعد الميلاد، وفي العام 1987 عثر عالم الآثار والتر ألفا على العديد من المدافن التي نجت بأعجوبة من لصوص المدافن القديمة، بما فيها تلك المقبرة التي تعود إلى السنيور دي سيبان، ذا لورد أوف سيبان. ووجد ألفا كؤوساً من الذهب والفضة وتيجاناً ودروعاً ومجوهرات رائعة مصنوعة من اللازورد كانت قد دفنت مع الموتى لمرافقتهم في الحياة الآخرة وفق معتقداتهم، وفي حالة السنيور، فقد كانت تلك المقتنيات تتضمن محارباً حياً وكاهناً وثلاث محظيات وطفلاً وكلباً واثنين من حيوانات اللاما، وهناك نسخ طبق الأصل من الهياكل العظمية موضوعة في القبور ويمكن للزوار تفقدها. لو اتجهت شرقاً من تشيكلايو، عبر الصحراء الساحلية التي تتخللها أكوام عملاقة من ركام الحفر حيث إن نسبة قليلة فقط من المواقع الأثرية في المنطقة تم نبشها حتى الآن، فستعبر أودية زراعية غنية وأودية مليئة بالأشجار و تتناثر حولها المدرجات القديمة، وعلى طول الطريق تقابلك النسوة يمشين وهن يغزلن الصوف على مغزل (البوشكا) بيد واحدة، مثل مغزل الحلوى، بينما يكون النول (كالوا) مربوطاً إلى ظهورهن. بعدها ستغادر أراضي الموشي وتدخل إلى ما كانت ذات مرة هي المملكة السرية للشاشابوياس الشبيهين بالشامان والذين يعرفهم الأنكا باسم محاربو الغيوم أو كلاود ووريورز نظراً لبسالتهم. شلالات غوكتا يمكن للمرء أن يتوقع حتى رؤية أحد الزواحف المجنحة (بيترو داكتايلس) يطير في أنحاء الوادي المختفي بين طيات السحب والغيوم الكثيفة في قلب الغابات البكر، حيث سيكون عليك اجتياز الطريق الذي يمر بين نباتات السرخس العملاقة والكركديه وصولاً إلى موقع شلالات غوكتا. تبدأ ضوضاء المياه في صورة صفير هامس ثم تتحول إلى صوت شبيه بهدير محرك الطائرة البوينغ 747 العملاقة عند الإقلاع حين تصل إلى قاعدة الشلالات الجبارة التي تنهمر عمودياً من ارتفاع يصل إلى نصف ميل، والتي لم يكن وجودها معروفاً للعالم الخارجي حتى اكتشفها سائح ألماني في العام 2005، حيث أبقاها السكان المحليون طي الكتمان إلى وقت قريب خوفاً من لعنة إحدى حوريات البحر التي يشاع أنها تعيش في بركة الشلال. يمكنك إمضاء الليلة في نزل غوكتا لودج الجميل لتستمتع بصوت هدير المياه المتساقطة وضفادع الغابات التي يشبه صوتها العزف على آلة الإكسيليفون الموسيقية. بلدة شاشابوياس هي عبارة عن بلدة استعمارية إسبانية منازلها مبنية من الطين اللبن، ولو تصادف وصولك مع مهرجان رايميلاكاتا الذي يعقد في شهر يونيو/حزيران من كل عام، فسترى أهالي البلدة و المزارعين يلتقون للاحتفال بثقافتهم وعزف الموسيقى والرقص بعنف. ويرتدي البائعون عباءات بونشوس ويقفون بفخر ليعرضوا بضائعهم المحلية مثل الخبز الحلو و الأواني الفخارية وأطباق الكاي، بينما تقوم العشرات من الفرق النحاسية وعازفي الطبول بالعزف في وقت واحد، ويرتدي الأولاد جلود الحيوانات وقرونها وهم يتمايلون على إيقاع بايلي ديل أوسو، أو رقصة الدب، وهي من الطقوس التي تعود لما قبل حضارة الأنكا، وحين يأتي المساء تنتقل الحشود إلى الساحة الرئيسية في البلدة، حيث توقد النيران للإضاءة في كل ركن من الساحة ويتجمع المحتفلون الملتفون حولها حيث ترتفع الموسيقى والضحكات إلى عنان السماء الزرقاء المقمرة. وبعد يوم من الحياة تعود مرة أخرى إلى عالم الموتى وفي كاراجيا التي تبعد 50 كيلومتراً تقريباً شمال شرق شاشابوياس فإنك تعبر على طول واد عميق، وهناك في منتصف الطريق نحو الهاوية السحيقة تقف ستة تماثيل يبلغ طول كل واحد منها ثلاثة أمتار وهي تحدق بحزن نحو الخارج من حافة صخرية فوق نهر أوتكوبامبا المضطرم، وتبدو تلك التماثيل كما لو كانت تديم التفكير في أمر جلل مثل تماثيل مواي المتجانسة في جزيرة الفصح إيستر آيلاند، وهذه هي تماثيل شاشابوياس الجنائزية التي يعود تاريخها إلى القرن الثالث عشر، وكانت وجدت إحدى الجثث داخل كل واحد من هذه التماثيل المصنوعة من الصلصال والتي يعتقد أنها كانت تخص الشاشابوياس الأعلى مرتبة فقط. قلعة كولاب تعد هذه المناطق الجبلية من شمال بيرو نائية ومقفرة وتقل فيها حركة الزوار من الخارج لدرجة كبيرة، وبعد مسيرة ساعتين بالسيارة في الجبال الغارقة في السحاب والأودية السحيقة مع مسامير الحجر الجيري المتدلية، ستصل إلى موضع أحد مدن القلاع الأكثر شراسة في الأمريكيتين، وهي مدينة كولاب العظيمة للشاشابوياس والخاطفة للأنفاس التي ترتفع 30 ألف متر فوق سطح البحر. بنيت هذه المدينة القلعة حوالي عام 800 الميلادي، ما يجعلها أقدم من موقع ماتشو بيتشو بحوالي 600 عام، وهي أكبر منها حيث ترتفع جدرانها الشبيهة بالحواف الصخرية 60 متراً، وعاش نحو 5 آلاف من الشاشابوياس هنا، حيث يمكن الوصول إلى القلعة من خلال أزقة مدببة بطول 60 متراً تسمح لشخص واحد فقط بالدخول في كل مرة. في حين يحظى موقع أنقاض ماتشو بيتشو بإقبال زائد مع زيارة 1.2 مليون شخص له في كل عام، تشهد قلعة كولاب المزوقة والمستصلحة من قبل الطبيعة إلى حد كبير بالكاد إقبال 40 ألفاً منهم، وترتفع الأشجار وعلى رأسها بساتين الفاكهة من خلال أنقاض 400 أو أكثر من المنازل الدائرية التي تحدق من على قمم جبال الأنديز الضخمة، لتجعل من السهولة بمكان على المرء الإحساس بشعور مستكشفي المنطقة الأوائل.
مشاركة :