اقتربت أسعار خام برنت من أدنى مستوياتها في أربعة أشهر أمس بعد صدور بيانات تظهر انكماش قطاع المصانع في الصين وارتفاع الدولار أمام سلة من العملات وتحركت الأسعار في أضيق نطاقاتها الأسبوعية في 11 شهراً مع قوة الطلب الموسمي فيما دفع انخفاض عائدات النفط الدول المنتجة إلى إعادة النظر في دعم أسعار المحروقات. وأظهر مسح أولي للقطاع الخاص أن نشاط قطاع الصناعات التحويلية الضخم في الصين انكمش بأسرع وتيرة له في 15 شهراً في يوليو. وخلال التعاملات تراجع سعر مزيج برنت 35 سنتاً إلى 54.92 دولاراً للبرميل بعدما بلغ أدنى مستوى له في الجلسة عند 54.80 دولاراً للبرميل مسجلاً أقل سعر له منذ أوائل أبريل. وخسر برنت نحو 13% من قيمته في يوليو مسجلاً أكبر خسائره الشهرية منذ هبوطه حوالي 19% في يناير وإن كان تراجعه أقل حدة هذا الأسبوع. الطلب الموسمي وتحركت الأسعار في أضيق نطاقاتها الأسبوعية في 11 شهراً مع قوة الطلب الموسمي وخصوصاً على البنزين في موسم الصيف الأميركي بما ساهم في تخفيف الأثر الطويل الأمد لتخمة المعروض العالمي. وارتفع سعر الخام الأميركي في العقود الآجلة تسليم سبتمبر 12 سنتاً إلى 48.57 دولاراً للبرميل بعد انخفاضه 74 سنتاً عند التسوية أول من أمس ليصل إلى 48.45 دولاراً للبرميل وهو أدنى مستوى له منذ 31 مارس. وخسر خام غرب تكساس الوسيط 18 بالمئة من قيمته في يوليو مسجلاً أكبر هبوط شهري له منذ ديسمبر وثاني أكبر انخفاض شهري له في السنوات السبع الأخيرة. خيار صعب من جهة أخرى تجد الدول المنتجة للنفط نفسها أمام خيار صعب سياسياً لكن تراجع عائداتها بسبب انخفاض أسعار الخام يجعلها مضطرة لتقليص نفقاتها وخصوصاً دعم أسعار المحروقات. فقد أعلنت السلطات في الإمارات إحدى أكبر الدول المهمة المنتجة للنفط في العالم الأربعاء رفع الدعم الحكومي عن أسعار الوقود والديزل اعتباراً من أغسطس. وقالت وزارة الطاقة في بيان إن سياسة التسعير الجديدة ستخضع للمراجعة الشهرية، وستحدد على أساس الأسعار الدولية. ويبلغ سعر الوقود في الإمارات حاليا 1.83 درهماً (50 سنتاً) والديزل 2.35 درهماً (64 سنتاً). وقال الخبير النفطي بيار تيرزيان مدير مجموعة بتروستراتيجيز في منطقة الخليج إنه البلد الوحيد الذي يذهب إلى هذا الحد وهو استثناء أيضاً في منظمة أوبك منظمة الدول المصدرة للنفط. وإلى جانب الالتزامات المالية، تستعد الإمارات بجد لمرحلة ما بعد النفط بأهداف طموحة في مجال تطوير الطاقات المتجددة. وقال تيرزيان إن الدول الأربع التي تسجل أدنى أسعار للمحروقات هي أربع بلدان أعضاء في أوبك: فنزويلا وليبيا وإيران والجزائر. وكلها تدعم بشكل ما الأسعار المتدنية للمحروقات. لكن في الأشهر الأخيرة أعادت بعض الدول النظر في هذه السياسة عبر خفض الدعم إن لم يكن إلغاؤه بالكامل. وفي يناير بدأت الكويت بيع الكيروسين بأسعار السوق لكنها أبقت الدعم على أسعار الوقود. خفض الدعم وأعلنت البحرين وسلطنة عمان أيضاً أنهما ستخفضان الدعم للمشتقات النفطية. وفي إيران، ألغت الحكومة في نهاية مايو كمية الستين لتراً المدعومة لبعض سائقي السيارات وحددت أسعاراً موحدة للجميع. ويبلغ سعر لتر الوقود بين 31 و37 سنتاً والديزل تسعة سنتات من اليورو. وقبل شهر من ذلك، قررت انغولا خفض دعمها للمحروقات الذي يبلغ أربعة مليارات دولار سنوياً. لكن هذا الخيار صعب. فخلافاً لدول الخليج حيث القدرة الشرائية مرتفعة، يلعب دعم المحروقات في عدد من الدول المنتجة دوراً مهماً في حفظ السلام الاجتماعي والقدرة الاقتصادية التنافسية. ففي 2013، أدى قرار السودان رفع الدعم عن المحروقات إلى تظاهرات قمعها النظام بعنف. والأمر نفسه حدث في نيجيريا في 2012 حيث اضطر الرئيس غودلاك جوناثان لإعادة الدعم لأسعار المحروقات جزئياً. وفي فنزويلا حيث تحتكر الدولة توزيع المحروقات، تبقى أسعار البيع أقل من كلفة الإنتاج والتسويق. إلا أن الرئيس نيكولاس مادورو كما سلفه هوغو تشافيز، رفض باستمرار زيادة الأسعار مع أنه تحدث منذ بداية الأزمة الاقتصادية في بلده عن مراجعة ضرورية لأسعار الوقود في إطار حملة في الصحافة والتلفزيون. لكنه لم يذهب أبعد من ذلك. سقف الاستهلاك وفي الجزائر تفكر الحكومة أيضاً في إلغاء الدعم لمواجهة تراجع العائدات النفطية. وقد ترفع الأسعار أو تحدد سقفاً للاستهلاك بأسعار مدعومة. ويشجع انخفاض الأسعار على التهريب. ففي الجزائر يتم تهريب النفط إلى المغرب أو تونس حيث يباع بأسعار أكبر. وفي نيجيريا البلد المستورد للمحروقات ويقدم دعماً مالياً للمستوردين والموزعين من أجل المحافظة على ثبات الأسعار في المحطات، يعتبر هذا النظام مشجعاً على الاحتيال إذ أن بعض المستوردين متهمون بتضخيم حجم المحروقات التي يسلمونها. وقال تيرزيان إنه يجب إيجاد مستوى للأسعار لا يؤثر على القدرة الشرائية للسكان ولا يعرض القدرة التنافسية للاقتصاد للخطر لكن من دون تشجيع الناس على التبذير. وهو يشير بذلك إلى أضرار الأسعار المخفضة جداً التي تدفع إلى زيادة الاستهلاك وتقلل إمكانيات تصدير النفط والغاز وبالتالي عائدات البلاد.
مشاركة :