يجد المهتم بالأفكار التنويرية وقراءة الانسجام الإنساني متعةً كبيرةً في كتاب الفيلسوف الإنجليزي برتراند رسل «نحو عالم أفضل»، هذا الكتاب الذي لا تقلّ عنه أهميّةً الترجمة الرائعة والرصينة والحواشي المفيدة، للباحثين المصريين: دريني خشبة وعبد الكريم أحمد، اللذين ترجما الكتاب كأحد الإصدارات المهمّة والرائدة للمركز القومي للترجمة بمصر، والذي يأخذ على عاتقه تقديم الاتجاهات والمذاهب الفكرية المختلفة للقارئ العربي وتعريفه بها؛ بوصفها أفكاراً تعبّر عن اجتهادات أصحابها من واقع ثقافاتهم. والكتاب، الصادر بترجمته الأولى منتصف خمسينيات القرن الماضي، ونُشر بنسخة 2007 ضمن المشروع القومي للترجمة سلسلة ميراث الترجمة، بإشراف د. جابر عصفور، يقع في مئتي صفحة، مشتملاً على ثمانية مواضيع، هي: أساس النّمو، الدولة، الحرب بوصفها نظاماً، المُلكيّة، التربية، الزواج ومشكلة السكّان، الدين والمذاهب الدينيّة، و«الذي نستطيع عمله»، بالإضافة إلى مقدّمة شاملة وقراءة في إرهاصات الكتاب، ونشأة الفيلسوف المؤلف وبروز أفكار برتراند رسل في خضم الحرب العالمية الأولى والتحديات التي واجهها، كمفكّر منطقي رياضي تعرّض للكثير من المصاعب بسبب أفكاره الداعية لحريّة الإنسان واحترام النشء والأسى لتحميل الأجيال مغبّة الأفكار الهدّامة للدول في الحروب، وانغلاق الآفاق ومفاصل الأنظمة وبرامجها. والفيلسوف رُسل في نشدانه السلام ودعايته الواسعة لها، حظيت أفكاره بقبول في منظّمات عالمية مهمّة، مثل مجلس الأمن الذي تأسس على كثير من هذه الأفكار، كما كانت له شهرته في روسيا وأميركا والصّين، ودخوله البرلمان الإنجليزي في عشرينيات القرن الماضي، ودعوته ليحاضر بجامعة هارفرد بأميركا، وتأليفه كتاباً عن «البلشفيّة» ومناقشته أفكاراً رائجة، ووقوفه دائماً بالضدّ من التعقيد الديني والمذهبي والسياسي أمام الطمأنينة الإنسانيّة وحريّة الفرد والسعي لتحقيق أحلامه البسيطة أمام كلّ هذا الخضمّ المعقّد الذي يعيش. ومواضيع الكتاب هي محاضرات كتبها برتراند رسل عام 1915، وألقاها في أوائل عام 1916؛ مقترحاً فلسفة سياسيّة تقوم على ما يعتقده من أنّ أسمى أنواع الحياة هي التي تقوم في غالب أمرها على ما أسماه «النزعات الإنشائيّة»، وأسوأها ما يقوم على حب التملّك، كما أنّ الأنظمة السياسيّة ذات أثر عظيم في ميول الناس، ولهذا وجب تكييفها، بحيث ترتقي بالنزعات الإنشائيّة على حساب النزعات الاقتنائيّة. والمتصفح لهذه المواضيع يظفر بومضات ذهنية واستنتاجات قويّة ولافتة، مثل قوله: «إنّ الفكر عظيمٌ وسريعٌ وحر، وهو نور الدنيا والدعامة الأولى في مجد الإنسان».
مشاركة :