صحيح أن دخول تركيا العلني في الحرب ضد «داعش»، أعاد خلط الأوراق في سوريا، لكنه فتح الباب على الكثير من التكهنات عن المنحى الذي ستسلكه المنطقة، خصوصًا بعد إبرام الاتفاق النووي الإيراني. غير أن تصريح رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو الذي أعلن فيه أن العمليات العسكرية التركية ستستهدف «داعش» ومجموعات كردية في الداخل السوري، رسم علامات استفهام عما إذا كانت أنقرة اتخذت قرارًا بالدخول في عملية عسكرية لها بعدان، الأول الانضمام إلى التحالف الدولي في الحرب على الإرهاب، وخصوصًا «داعش»، بعد التفجير الذي نفذه التنظيم قبل أيام وأودى بحياة ضابط وجنديين تركيين، والثاني تقليم أظافر الأكراد في الشمال السوري ومنع قيام أي كيان كردي على حدودها. لكن السؤال الذي يبقى جوابه برسم ما تحمله الأيام المقبلة، هل حصلت تركيا على تنازل دولي بشأن شرطها القديم، أي تزامن دخولها الحرب ضد «داعش» مع عمل عسكري ضد النظام السوري؟ وهل دخلت المنطقة في مرحلة حسم الملفات المعقدة بعد الاتفاق النووي؟ لا شك أن تصريح أوغلو شكل مصدر قلق للأكراد، من دون أن يبلغ القلق حد الخوف، بفعل التطمينات التي حصلوا عليها من التحالف الدولي. من هنا فإن الناطق باسم وحدات الحماية الكردية ناصر منصور، لم يتردد في وصف السياسة التي تنتهجها الحكومة التركية حيال الوضع السوري بـ«الجوفاء، في ظل الضغط الذي تمارسه الإدارة الأميركية على تركيا بهدف استخدام قاعدة إنجرليك لشن غارات عبرها في الداخل السوري». ورأى منصور في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «داود أغلو قصد توجيه تهديد واضح إلى كل الوجود الكردي في سوريا، أي حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي)، ووحدات حماية الشعب الكردي، علمًا بأنهم لا يشكلون أي تهديد لأمن تركيا، لكن المسألة تتعلق بعلاقات تركيا الحميمة مع تنظيم داعش، وإلى أين تتجه هذه العلاقات، خصوصًا بعدما أصبحت الدولة التركية مضطرة للتعاون مع التحالف الدولي، وخصوصًا بعدما أيقنت أن (داعش) لم يعد يفيدها بشيء». وقال إن «المستهدف من التهديد التركي هما حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردي، علمًا بأنهما أعلنا صراحة أنهما ليسا جزءًا من الصراع الذي يجري في الداخل التركي، لكن الحكومة التركية كانت واضحة في عدائها للحركة الكردية قبل (داعش)، وباعتقادنا فإن تركيا لن تذهب بعيدًا بهذا الاتجاه، لأن الوضع الإقليمي والدولي ووضعها الداخلي لا يسمح لها بأي مجازفة ضد الشعب الكردي في سوريا، كما أن حزب الاتحاد الديمقراطي والحركة الكردية باتت لها علاقات وثيقة مع التحالف الدولي، وهذا التحالف سبق أن تحدث مع الأكراد وأخذ تعهدًا صريحًا بألا يشكلوا خطرًا على الداخل التركي»، معتبرًا أن «الحكومة الكردية تسعى إلى تضخيم الأمور للاستفادة من أمرين؛ الأول التنصل من علاقتها بـ(داعش)، والثاني أن تحصل من التحالف الدولي على مكاسب في سوريا، حتى لا تخرج من المولد بلا حمص، من هنا بدأت تركيا تدخل بالتدرج ضمن خطة التحالف الدولي». لكن النقمة التركية على الأكراد في هذا التوقيت بالذات، لها تفسيراتها، إذ يعزو ناصر أسبابها إلى أن «عداء تركيا للحركة الكردية في كل مكان، ورفضها أي حل للوضع الكردي، والدليل كيف تعاملت الحكومة التركية مع الأكراد في شمال العراق، لأنها تعتقد أن أي حل للأزمة الكردية سيحرك الأكراد في الداخل التركي وهذا ما لا تتحمله تركيا». ومن منظور أشمل، قارب الخبير العسكري السوري عبد الناصر العايد، المستجدات على الحدود التركية السورية، فلفت إلى أن «القصة التركية الكردية معروفة، خصوصًا الصراع مع حزب العمال الكردستاني، كما أن الأكراد كانوا مستائين جدًا من توغل (داعش) في تركيا». وأوضح العايد في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «الأكراد باتوا قنبلة موقوتة بالنسبة إلى الأتراك، لأنهم أصبحوا على الحدود، والمؤازرة الأميركية لهم باتت واضحة». وقال: «قبل الاتفاق النووي كانت تركيا ترفض الدخول في أي حرب ضد (داعش)، ما لم يتزامن ذلك مع عمليات ضد النظام السوري وفرض حظر جوي فوق سوريا، لكن بعد الاتفاق النووي أعادت تركيا حساباتها، خصوصًا بعد التفجير الذي نفذه (داعش) وأدى إلى مقتل ضابط وجنديين تركيين، وبعد تنامي الحالة الكردية على الحدود»، مضيفًا: «في السابق كانت تركيا تلوح بدعم فصائل سوريا للحد من نفوذ الأكراد، وكانت هناك حركة دبلوماسية نشطة بين واشنطن وأنقرة، أسفرت عن نوع من الاتفاق بأن تقطع تركيا الشريان الذي يوصل الأكراد في شمال سوريا ومنع قيام كيان كردي مقابل الحرب على (داعش)، ولكن السؤال المطروح الآن، هل حصلت تركيا على تنازل أميركي بما خص مطلبها الثاني، وهو القيام بعمل عسكري ضد النظام السوري؟ وهل تلقت ضوءًا أخضر بمنع قيام أي كيان كردي على حدودها؟». وأوضح العايد أن «الأتراك قصفوا مواقع لتنظيم داعش في الداخل السوري، وبدأوا ملاحقة قيادات هذا التنظيم ونقاط لوجيستية له في داخل تركيا، ولا شك أن تركيا كانت ممرًا لقيادات وعناصر (داعش) إلى الداخل السوري، لكنها كانت تتخذ منهم ورقة قوة للضغط عبرها، وكانت تتحين الساعة التي تسمح لها بالقبض عليهم، وهي الآن بدأت استخدام هذه الورقة بعد إغلاق الملف النووي الإيراني، وعلينا أن ننتظر لنرى ما إذا حصلت تركيا على مطلبها بإسقاط نظام بشار الأسد في سوريا، ويكون بذلك موقف تركيا متصالحًا مع موقف المملكة العربية السعودية». وعن أسباب غض الطرف التركي عن ممارسات «داعش» على الحدود لأشهر طويلة، رأى العايد أن «الدولة التركية كانت تتجاهل (داعش) أو قد تدعمه لمنع قيام كيان كردي، لكن الآن باتت الحرب حقيقية، وهي أسقطت ورقة هذا التنظيم بعد أن قتل جنودًا لها، ولا ننسى أن الجميع استخدم ورقة (داعش) بدءًا من النظام السوري وإيران والحكومة العراقية، لكن الآن حصلت متغيرات بدخول تركيا إلى الميدان، ولكن ليس باندفاع شديد لأن مؤيدي (داعش) وغيرها من الحركات الإسلامية التي تبقى قوة لا يستهان بها».
مشاركة :