القاهرة: «الخليج» في تراثنا اللغوي إشارات ليست بالقليلة توحي لقارئها بأن أسلافنا من لغويي العربية ونحاتها، قد أدركوا صفة السرعة والبطء في الشعر العربي ونثره، وقد أشار بعضهم صراحة إلى بعض عناصر تلك الثنائية، وهي لم تكن مدركة فقط عند دراسة المد والحركة والسكون، وإنما أدركها العرب الجاهليون قبل علم العلماء بها، إذ أدركها الشاعر فأنشد، والراوية فروى، والمتلقي فانفعل.هذه الثنائية (ثنائية البطء والسرعة) ترجع إلى آلية الجهاز الصوتي الفطرية وأوضاعه المختلفة أثناء تفاعله مع زفير الهواء الخارج من الصدر، وما ينتج عن هذا التفاعل من تأثيرات خاصة، تثير حاسة السمع عند المتلقي شعراً ونثراً، فتؤتي أكلها، وفي أقدم المصنفات اللغوية التي وصلت إلينا يشير سيبويه إلى تلك الثنائية.يؤكد د. محمد أبو الوفا في كتابه: «نظرية السرعة في الشعر العربي مقاربة عروضية في ديوان الأعشى» أن سيبويه ربط بين الثنائيتين: البطء والسرعة، الإشباع والمد، الحركة القصيرة، وأشار إلى أن السرعة سبيلها الحركة القصيرة، أما البطء فالسبيل إليه إشباع الحركة أو جعلها ممدودة.وقد سعى هذا الكتاب إلى تقنين سرعة المقاطع الصوتية، والتفعيلة العروضية والشطر الشعري، والبيت بأكمله وقافيته، معتمداً في ذلك على جعل أمداء الصوامت، والصوائت، نسباً عددية بسيطة، وتباين السرعات، يقود إلى تباين المعاني والدلالات.يشير المؤلف إلى أن المصادر التراثية التي اتخذت من العروض أو القافية موضوعاً رئيساً، أو موضوعاً من موضوعاتها، اتسمت جميعاً بسمة واحدة، هي سمة الاتجاه إلى دراسة المبنى، ولم يكن نهجها دراسة المعنى، فهي في أغلبها لم تشر إليه، وإن أشارت إليه أشارت مجازاً، ومن ثم كان الدرس تعليمياً، يضبط قواعد معيارية، ويعنى ببيان الصواب والخطأ.
مشاركة :