"ليست إسرائيل السبب" ذلك خبر مفاجئ | فاروق يوسف | صحيفة العرب

  • 8/28/2020
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

في الجدل الدائر حول ما يُسمى بـ”التطبيع" كثرت المزايدات العاطفية في ظل عداء مقصود وموجه للحقائق الموضوعية. وكما يعرف المزايدون فإن كلامهم كما يُقال يمس شغاف القلب غير أنه في الوقت نفسه يعمي العين ويغلق بوابات العقل فتبدو المسألة كلها كما لو أنها رقص احتفالي في حلبة أعدت سلفا من أجل تسلية جمهور يُراد له أن يظل عاجزا عن التفكير في ما يدور من حوله فلا يقوى على الفهم باستقلالية وحرية. في ذلك الخطاب المراوغ يبدو العالم واقفا عند نقطة بعينها. ذلك ما يخالف الواقع. فلا إسرائيل بقيت عند حدود المتخيل العربي القديم كيانا مؤقتا يمكن توقع زواله في أي لحظة ولا الفلسطينيون ازدادوا قوة وتماسكا ومنعة بمرور الزمن بما يؤهلهم للقيام بردع الكيان الغاصب وإملاء أجندتهم على العالم من أجل إحداث تغيير في المعادلات القائمة. يمكنك أن تقول أي كلام خارج السياسة. كل فنون الحماسة ممكنة وهي طريقك إلى تضليل جمهور يعرف أن سبعين سنة من الخطابات لم تخرجه سنتمترا واحدا بعيدا عن الدائرة التي تحرك فيها أجداده وآباؤه الذين كانوا ينظرون إلى أرضهم السليبة بطريقة أكثر وضوحا. لقد بعدت الأرض فيما التبست طريقة التفكير فحلت العاطفة محل العقل وصارت الأغاني بديلا عن المعرفة. ما يفعله أعداء التطبيع هو أسوأ بكثير مما يفعله المتهمون بالتطبيع. صار جليا أن المطلوب أن تظل القضية أشبه بحلقة دراويش. تدهورت الأحوال في العالم العربي. في الماضي كانت إسرائيل هي المتهمة بإدارة المؤامرة التي تستهدف إحداث خلل ما في النظام السياسي هنا وهناك. أما اليوم بعد أن سقطت الأنظمة كلها، وبعد أن باءت بالفشل ولم تحمها شعوبها فقد تم استبعاد إسرائيل من اللعبة. إسرائيل لم تفعل شيئا. هل هي وجهة نظر واقعية؟ سيكون من الصعب استبعاد الحالة الفلسطينية من محيطها. لقد سبق الفلسطينيون الجميع إلى النزاعات والتفكك والانهيارات وتمزق الصف الوطني بل يمكن القول إن التاريخ السياسي للحركة الوطنية الفلسطينية هو مجموعة الانشقاقات التي وقعت والتي أدت إلى انفصال الواقع السياسي الفلسطيني عن الهدف الأساس للنضال السياسي أو المسلح على حد سواء. سيُقال بقسوة إن الفلسطينيين اغتالوا ثورتهم. قاموا بما لم تتمكن إسرائيل من فعله. قول فيه الكثير من الإجحاف لما قدمه الفلسطينيون من تضحيات في طريق النضال غير أنه لا يخون في جزء منه الحقيقة. ولو أن الفلسطينيين اجتمعوا ولو مرة واحدة لمراجعة ما فعلوه لما انتهت الثورة الفلسطينية إلى أن تكون منظمة التحرير التي سلمت نفسها للسلطة الفلسطينية في سياق مسلسل تاريخي لعب اليأس دورا عظيما في كتابة أحداثه. لا يهم هنا أن نسأل “هل كانت إسرائيل حاضرة بشكل مباشر في ذلك المسلسل أم أنها اكتفت بتمثيل دور المراقب الذي ينتظر؟”. ما حدث أن الفلسطينيين فاجأوا العرب بحلهم الذي وإن لم يُعجب الكثيرين غير أنه أخذ طريقه إلى الواقع. ذلك تحول كبير في مسار القضية الفلسطينية لم يكن مقبولا أن تُستعاد الشعارات التي سبقته. لقد شق الفلسطينيون طريقهم إلى إسرائيل وحدهم. هل يمكن إلزام الآخرين بما لم يلتزم به أصحاب القضية المباشرون؟ لقد طبع الفلسطينيون أحوالهم بما ينسجم مع الحوار الممكن مع إسرائيل. لذلك فإن اتهام الآخرين بالتطبيع هو أمر يدعو إلى السخرية. أما اللعب على مفردات صارت بحكم الاتفاق الفلسطيني - الإسرائيلي جزءا من الماضي فهو نوع من الابتزاز الذي يستعمل العاطفة في تفجير مشاعر البسطاء وتحريضهم بطريقة عدوانية كما لو أننا لا نزال نعيش فجر الثورة الفلسطينية.

مشاركة :