الرسوم الجديدة مع ارتفاع أسعار الكهرباء تجهد المواطن خفض رغيف العيش رسالة سلبية للفقراءالتركيز على زيادة الدين العام فى ظل كارثة كورونا سيدمر الاقتصاد مصر لم تعد سوقاً جاذبة للاستثمار بعد إنهاك المصريين بالرسومكنت أستعد لكتابة مقالى هذا وكانت الخطوط والأفكار والأرقام واضحة حتى أننى اخترت له عنوانه قبل كتابته «الحل هو الخفض».فى ذلك الوقت قرار وزارة التموين خفض وزن الرغيف المدعم، لحظتها أدركت بعد المسافة بين أفكارى وإجراءات الوزارات والحكومة عموما، حكومتنا لاتزال فى عصر ما قبل كورونا، لم يوقظها الزلزال الذى ضرب اقتصاد العالم من أفكارها القديمة، لا تزال تسير على نفس الدرب القديم، وتتصور أنها بنفس الآليات القديمة سوف تعبر محيطا هائجا جديدا لم نعرفه قط من قبل، ومن الأمانة أن نقرر أن الجميع يجهلون طبيعة الأمواج والمياه فى هذا المحيط الجديد الذى تكون بعد إعصار كورونا، لا تستمع الحكومة لا لمواطنيها من الخبراء ولا للأجانب، لا تستمع إلا لصوتها فقط، متصورة أنها تحتكر الحكمة والمعرفة والخطط والدراسات والتجارب، ومتصورة أنها يمكن أن تستخرج الذهب من الجيوب الخاوية، وأنها حين تملأ خزنتها سوف تنتعش جيوب وخزائن الآخرين تلقائيا، ولذلك فهى مستمرة بنفس الحماس والدأب فى فرض رسوم وتقليل الدعم فيما لا يمكن المساس به.1- وضع الاستعدادحينما فاجأنا زلزال كورونا كانت مصر خارجة للتو من عملية إصلاح اقتصادى شامل وكاسح، وتمت خلاله إجراءات صعبة كان يستحيل لشعب آخر تحملها، وذلك حسب تصريحات الرئيس السيسى ومسئولى صندوق النقد، خلال هذه العملية فرضت الحكومة الكثير من الرسوم والضرائب وخفضت العديد من خدمات الدعم المقدم للمواطنين الأقل دخلا وقدرة مالية، وبحسب تصريحات الحكومة تم ترشيد الإنفاق الحكومى والإنفاق الترفيهى إذا جاز التعبير.باختصار وعلى بلاطة كانت الجيوب خاوية والأنفس مجهدة والجميع يستعد لموسم الحصاد، ولكن جاء زلزال كورونا اقتصاديا ليؤجل إمكانية الاستفادة من عوائد أو نتائج الإصلاح من ناحية، وسيضرب الموازنة العامة من ناحية أخرى.2- الاتجاه الخاطئوأمام هذه المستجدات والخسائر فى الاقتصاد المصرى. بدا لبعض المسئولين أن على الحكومة مواصلة أو بالأحرى ترقيع إجراءات الإصلاح لمواجهة عجز الموازنة، فقط فى شهر مايو الماضى إقرار رسوم جديدة وعديدة لتوفير 15 مليار جنيه لمواجهة عجز الموازنة، وكان من بين هذه الإجراءات فرض رسم على لتر البنزين بـ30 قرشاً، وهذا يعنى أن الحكومة لم تكتف بأنها لم تخفض سعر البنزين بعد انهيار أسعار البترول إلا بـ25 قرشاً فقط، وإنما استردت الحكومة ما بدا أنها فرطت فيه فى شهر أبريل برسم مايو.ثم عادت الحكومة فى الشهر الحالى برسوم النظافة التى تصل إلى 40 جنيهاً للفئات الأعلى، وتزامن الرسم الجديد مع دخول فصل الصيف، ومن ثم ارتفاع فواتير الكهرباء، وبعد ذلك بأيام قامت الحكومة بخفض وزن رغيف العيش المدعم بـ11% من وزنه، ولاشك أن الاتفاق الجديد مع صندوق النقد سوف يلزم الحكومة بتوفيرات جديدة فى عجز الموازنة، وهذا معناه ببساطة أعباء جديدة علينا نحن المواطنين، وبدلا من فتح نقاش حقيقى وعلمى حول استمرار الحكومة فى اتجاه الرسوم والضرائب وخفض الدعم فى زمن كورونا، راح المسئولون والإعلام التابع يكررون نفس الجمل المهترئة المعادة المغلوطة. جمل من نوع (الشعب اتعود يعيش ببلاش) (الشعب المصرى مدلل) (انتهى عصر أبو بلاش). بداية أحب أذكر أصحاب هذه الأصوات أن الشعب له حقوق مثلما عليه واجبات، وأن أى حكومة فى العالم واجبها العمل على راحة شعبها، وليس إذلاله ومعايرته بأسوأ خدمات، وأضيف من البديهات أن الشعب هو صاحب كل ثروات الوطن.من غاز وكهرباء ومياه وذهب ومعادن.. كل ما على الأرض أو فى جوفها هو ملك للشعب.وبعد التذكير ببعض البديهيات التى يتجاهلها بعض المسئولين والإعلام التابع للحكومة، يجب أن ندخل إلى عالم الاقتصاد لنجيب عن السؤال المهم هل إجراءات الحكومة صحيحة؟ هل نسير فى الاتجاه الصحيح أم الخاطئ؟3- صوت الخبرةبعد إعصار كورونا الاقتصادى تحدث ثلاثة من كبار الخبراء المصريين فى الخارج عن عالم ما بعد كورونا، وهم الدكتور محمد العريان والدكتور محمود محيى الدين والدكتور يوسف بطرس غالى، محيى الدين وغالى عملا لسنوات بمصر ولهما خبرة كبيرة باقتصادها وهما خبيران دوليان، والدكتور العريان خبير عالمى تهتز الأسواق العالمية لتوقعاته، وتهتم البنوك المركزية فى العالم بآرائه، وقد اتفق الثلاثة على أننا أمام عالم جديد بمعطيات جديدة، وانطلق خبراء أجانب كثر من نفس هذه القاعدة، نحن أمام عالم جديد يحتاج إلى إجراءات وآليات جديدة، وعلى رأس هذه الآليات تقديم الدعم المباشر جدا والفج جدا لكل من يحتاج الدعم فى العملية الاقتصادية.. كبرى الاقتصاديات الرأسمالية اعتمدت خططاً لمواجهة وإصلاح كوارث كورونا من خلال الدعم المباشر للمواطن ولكل المستويات الاقتصادية، فى بريطانيا اضطرت الحكومة إلى تقديم دعم مباشر لكل مواطن يذهب إلى مطعم ويطلب وجبة، وتدعم الحكومة هذه الوجبة بـ50% من ثمنها، فالوجبة التى يعرضها المطعم بـ20 جنيهاً استرلينياً.. يدفع المواطن البريطانى عشرة جنيهات فقط للمطعم، ويحصل صاحب المطعم على النصف الآخر من الحكومة البريطانية، هذا المثال البسيط والحقيقى يكشف لنا عمق الهوة بين تفكير حكومتنا وتفكير الحكومات الأخرى، لم تعد كافة أشكال الدعم موضة بالية أو تراثًا اشتراكيًا عفا عليه الزمن، ولكنه أصبح بعد كورونا عاملاً مشتركاً فى كل خطط إنقاذ العالم، ولكن لايزال بعض المسئولين لايزالون (على قديمه)، وبدلا من دفع الاقتصاد بجميع أشكال الدعم المباشر وغير المباشر، لا تزال الحكومة تسعى إلى إرضاء خبراء صندوق النقد وعبادة أصنام عجز الموازنة والدعم والدين العام.4- خنق الاقتصادوفى ظل الخسائر المتعددة لقطاعات عديدة فى الاقتصاد المصرى، وفى ظل خراب بيوت الكثير من المواطنين، وفى ظل الأعباء التى فرضتها كورونا على الأسرة المصرية. فى ظل هذا المثلث المرعب فإن فرض أى رسوم أو أعباء جديدة هو خنق للاقتصاد، فالاقتصاد الحر يعتمد على عمليات العرض والطلب (الشراء والبيع)، وكلما انخفضت قدرة الأسرة المصرية وكلما التهمت الأساسيات معظم دخلها، فسوف يؤدى ذلك إلى مزيد من الكساد فى السوق المصرية، لم تصبح الأسرة أو الفرد قادراً على شراء سلع أو منتجات أخرى غير الطعام والدواء ومصروفات التعليم، وهذا وضع شديد الخطورة والتأثير على أهل الصناعة وأصحاب الخدمات، ولذلك فقدت السوق المصرية إحدى مميزاتها، فقد كان كبر السوق المصرية أحد عوامل جذب المستثمر المحلى أو الأجنبى للاستثمار فى مصر، فسوق بها 100 مليون مستهلك قادرون على الشراء هى سوق جاذبة ومميزة، وتحويل هذه السوق إلى سوق راكدة لا يستطيع المواطن شراء سلعة رفاهية أو خدمة غير ضرورية، لا يستطيع أو يخشى أن يشترى ثلاجة جديدة أو يغير سيارته أو يدهن شقته، هذه السوق لا تساعد المنتج والمصنع ومقدم الخدمات، وبالطبع يوفر بيئة سلبية جدا للمواطن، بيئة تزيد من قلقه على يومه ومستقبله هو وأولاده.ولذلك أرجو من الحكومة المصرية تغيير الاتجاه التقليدى الذى تسير فيه، وخفض الرسوم والضرائب بدلا من زيادتها، واستغلال الظرف العالمى الذى خلقته كارثة كورونا، ظرف لم يعد أى بلد ملزم بالقواعد الكلاسيكية مثل عدم طبع النقود أو الحفاظ على حد معين من الدين الداخلى، ظرف خارج المألوف ولذلك يحتاج إلى تفكير خارج الصندوق، وكل صندوق بما فى ذلك صندوق النقد.
مشاركة :