فيينا - رويترز - عرضت إيران بيع موجودات وحصص مملوكة للدولة إلى الأجانب، وقالت إنها ستقلص دور الحكومة في الاقتصاد ووعدت باتباع سياسة نقدية صارمة في إطار سعيها إلى اجتذاب مليارات الدولارات من الاستثمارات من الخارج بعد أكثر من عشر سنوات من العزلة. وفي مؤتمر أعمال في فيينا هذا الأسبوع (وهو الأول من نوعه منذ الاتفاق التاريخي الذي أبرم الأسبوع الماضي بين طهران والقوى العالمية بشأن برنامجها النووي) شرح مسؤولون إيرانيون كبار حزمة السياسات الاقتصادية التي ترمي إلى اجتذاب الاستثمار الأجنبي. وتبدو هذه السياسات مؤيدة لحرية السوق على نحو يثير الدهشة. وإذا تم تنفيذها فإنها قد تساعد الاقتصاد الإيراني على تجاوز القيود الصارمة والتدخل الواسع للدولة في الاقتصاد الذي أعقب «الثورة الإسلامية» عام 1979. وقال وزير الصناعة والمناجم والتجارة الإيراني محمد رضا نعمت زادة «الحكومة والبرلمان يحاولون إزالة كل المعوقات في طريق حرية الاستثمار ومن أجل تقليص تدخل الحكومة في الاستثمار الخاص». وبالنظر إلى أن سكان إيران البالغ عددهم أقل قليلا من 80 مليونا يتميزون بصغر أعمارهم وارتفاع مستوياتهم التعليمية ومع امتلاك البلاد بعضا من أكبر احتياطيات الطاقة في العالم فإنه من المرجح أن تتيح إيران فرصا استثمارية هائلة. وقال مسؤولون في المؤتمر ان طهران حددت نحو 50 مشروعا في قطاعات النفط والغاز قيمتها 185 مليار دولار تأمل التعاقد عليها بحلول عام 2020. وقال نعمت زادة إن بلاده تتوقع الانضمام مجددا إلى نظام جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (سويفت) للمدفوعات الإلكترونية بعد ثلاثة أشهر من رفع العقوبات المفروضة عليها نتيجة لاتفاقها النووي مع القوى الكبرى. وقال نعمت زاده في مؤتمر صحافي في فيينا إن رفع العقوبات عن طهران سيسهل على الشركات الأجنبية المشاركة في عمليات الخصخصة المقررة لشركات إيرانية مملوكة للدولة. وقال الأجانب الآن سيكون مرحبا بهم لدخول الاقتصاد الإيراني من خلال المشروعات المشتركة ومنها القطاع المصرفي والاستثمار المباشر مثل المشاركة في مزايدات لشراء حصص في شركات حكومية. وأضاف أن شركة النفط الوطنية الإيرانية لن تباع ولكن شركات البتروكيماويات والتكرير قد يتم خصخصتها جزئيا وأذن البرلمان ببيع موجودات أو مشروعات مثل المستشفيات والمدارس والطرق البرية. وكانت الحكومة باعت خلال العشرة أعوام الماضية حصصا في شركات حكومية مقابل عشرات المليارات من الدولارات لكن برنامجها للخصخصة لم يكن فعالا بشكل كامل لأن معظم الحصص التي بيعت انتقلت إلى أيدي هيئات مرتبطة بالدولة مثل صناديق معاشات التقاعد والمؤسسات. ويعتقد مصرفيون إيرانيون أنه إذا سمح للمستثمرين الأجانب بدخول الجمهورية الإسلامية فإن الأمر سينتهي بشرائهم موجودات وحصصا من صناديق ومؤسسات تعاني شح السيولة لاستكمال عملية الخصخصة. وخلال سنوات العقوبات كانت الحكومة في أغلب الأحيان تفضل الشركات الحكومية على الشركات الخاصة في عملية الخصخصة. وقال نعمت زادة إن هذا الأمر سينتهي وان البرلمان وافق على أن تعامل كل الشركات معاملة ضريبية متساوية. وحتى تحقق الشركات التي يتم خصخصتها النجاح قد يتعين عليها تقليص الأيدي العاملة. وقد يضعها هذا في طريق تضارب مع القواعد العمالية الصارمة في إيران وهي من ميراث الثورة ويزيد نظام قضائي معقد لا يمكن التنبؤ به من المخاطر التي تواجهها الشركات الأجنبية. ولم يصف مسؤولون إيرانيون في المؤتمر تفاصيل أي خطط لإصلاحات عمالية أو قانونية وهي مسألة تنطوي على حساسيات سياسية، وقد تؤدي إلى خسارة الرئيس حسن روحاني بعض التأييد الشعبي الذي لقيه مع إبرام الاتفاق النووي. غير أن المسؤولين شرحوا خططا لاتباع سياسات مالية ونقدية متحفظة قد تطمئن المستثمرين. وأحد المخاطر الاقتصادية الكبيرة التي ستواجهها إيران بعد رفع العقوبات هو كيفية الحفاظ على استقرار الاقتصاد مع عودة تدفقات مالية كبيرة إلى البلاد وتسارع خطى النمو. ويطالب البعض في أوساط الأعمال في إيران بتخفيضات لأسعار الفائدة لمساعدتهم على المنافسة في الأسواق الأجنبية وخفض قيمة العملة لمساعدة المُصدِّرين. ولكن مثل هذه الخطوات قد تذكي معدل التضخم التي استطاعت السلطات أخيرا خفضه إلى نحو 16 في المائة من أكثر من 40 في المئة قبل عامين. وقال نائب محافظ البنك المركزي أكبر كوميجاني إن السلطات ستواصل العمل لخفض معدل التضخم حتى يصل إلى خانة الآحاد بنهاية السنة الفارسية القادمة التي تبدأ في 21 من مارس. وقال أيضا إنه يجب على إيران النزول بمعدل التضخم إلى خانة الآحاد قبل ان يمكن خفض أسعار الفائدة دون 20 في المائة وهو تلميح إلى أنه من غير المتوقع اتخاذ خطوة في اي وقت قريبا للتيسير النقدي. وأثار المسؤولون الإيرانيون إعجاب رجال الأعمال الأجانب في المؤتمر بحديثهم عن الاقتصاد بشفافية وصراحة أكبر مما عهدوه منهم في سنوات العقوبات حينما كان المسؤولون يشعرون أن الكشف عن المعلومات سيضعف قدرة إيران على حماية نفسها من العقوبات. وذكر نعمت الله زادة أرقاما محددة نسبيا عن احتياطات النقد الأجنبي لإيران اليوم الجمعة قائلا ان البنك المركزي يملك ما بين 115 مليار دولار و125 مليار دولار وصندوق الثروة السيادية ما بين 20 مليار دولار و25 مليارا والشركات والمؤسسات الحكومية ما بين خمسة مليارات و10 مليارات دولار. واستدرك بقوله انه بدلا من إعادة هذه الأموال على الفور إلى إيران حينما ترفع العقوبات فإن البنك المركزي سيبقي بعضها في حسابات في الخارج حتى تظهر حاجة اليها لتمويل مشروعات استثمار محلية. وخطوة كلهذه قد تعزز ثقة المستثمرين بكشفها أن طهران على يقين بأن الاتفاق النووي سيصمد ويتم الالتزام به.
مشاركة :