يعد اتفاق فيينا نقطة تحول في تاريخ إيران، ولكنه يعتبر كذلك خطوة كبيرة بالنسبة لمستقبل المنطقة الجيوسياسي، فمن الآن فصاعدا، ستصبح إيران شريكا كاملا في اللعبة الكبرى في الشرق الأوسط والعالم. وبينما قد يتقلص التهديد النوي، فإنه يمكن أن تحل محله الحروب الطائفية بالوكالة في الشرق الأوسط، مع انتهاء عزلة إيران الاقتصادية. وفي الوقت نفسه، فإن انتهاء الصعوبات الاقتصادية داخل إيران يمكن أن يتيح المزيد من المجال للتنفس بالنسبة لمتطلبات المجتمع المدني من الحقوق والحريات. توافق إيران في ظل الإطار الجديد الذي تم وضعه على أن تقلص بصورة ملموسة أنشطتها النووية، لكي تجعل من أي محاولة لتطوير أسلحة نووية شيئا غير قابل للتطبيق، وبالمقابل فإنها تتوقع رفعا فوريا للعقوبات، التي خنقت الاقتصاد الإيراني من خلال إيقاف صادراتها النفطية وقدرتها على كسب العملات الأجنبية. ولكن هناك قضايا شائكة لا يزال يتعين حسمها، ومن بين هذه القضايا دور المنظمة الدولية للطاقة النووية في التحقق من أن إيران تقلل من قدراتها على نحو ما تعهدت به، وكان طلب المنظمة زيارة القواعد العسكرية الإيرانية قد تم رفضه من قبل آية الله علي خامنئي باعتباره يمثل خطاً أحمر، وكذلك فيما يتعلق بقضية توقيت وسياق رفع العقوبات فإن الاتفاق يتسم بالغموض ويخضع لتفسيرات مختلفة. كرر المسؤولون الإيرانيون بصورة واضحة القول إن الحكومة الإيرانية ستقبل صفقة فيما يتعلق ببرنامجها النووي موضع الاعتراض فقط إذا قامت القوى العالمية، بصورة متزامنة، برفع كل العقوبات المفروضة على إيران، وأكد الرئيس الإيراني حسن روحاني، في إبريل الماضي، مرددا صدى تصريحات خامنئي: إذا لم تكن هناك نهاية للعقوبات فلن يكون هناك اتفاق. غير أن إدارة أوباما والأوروبيين استثمروا رأسمال سياسي هائل في تأكيد لمنتقدي الاتفاق أن العقوبات الصارمة هي التي عرقلت اقتصاد إيران وأجبرتها على التفاوض، وهذه التأكيدات هي التي ستعطي الولايات المتحدة المرونة لإعادة فرض عقوبات محدودة من دون تعريض العملية بأكملها للخطر. ولكن إعداد عقوبات محدودة جديدة سيكون صعبا شأن معرفة اللحظة المناسبة لرفعها. وتتمثل عقبة أخرى في طريق تنفيذ اتفاق فيينا في الحرب التي تشنها أجنحة في السياسة الداخلية الإيرانية، تماما كما سيكون هناك نزاع في الكونغرس الأميركي. ومن المؤكد أن هذه الصفقة النهائية ستزيد من التوترات السياسية الداخلية في إيران، حيث ستعطي دفعة سياسية لحكومة الرئيس روحاني والإصلاحيين في الانتخابات البرلمانية الإيرانية لعام 2016، ولكن خامنئي حرص على ألا يعطي سلطة أكبر مما ينبغي لروحاني وجماعته قبيل هذه الانتخابات. وخامنئي الذي يحظى بالكلمة الأخيرة في كل شؤون الدولة يضمن أنه ما من جماعة بما في ذلك الحرس الثوري والمحافظين المتشددين، سيمتلكون سلطة كافية لتحدي الوضع القائم. غير أنه يكاد يتم في هذا الوضع المتناقض تجاهل التأثيرات التي قد يتركها الاتفاق النووي على مستقبل المجتمع المدني الإيراني، وعلى وجه التحديد كيف يمكن أن يؤثر الاتفاق النهائي بين إيران والغرب على الحريات المدنية في داخل إيران. وفقا لتقرير حديث أصدرته الحملة الدولية لحقوق الإنسان في إيران، فإن نسبة مئوية كبيرة من الإيرانيين البارزين الذين يمثلون مهنا مختلفة، مثل المحامين والكتاب والمديرين والمحللين وأساتذة الجامعات والفنانين، يعتقدون بالتأثيرات الإيجابية للاتفاق النووي على وضعية الحقوق والحريات الأساسية في إيران، ويشعر ما يزيد على ثلثي من جرى استطلاع آرائهم بأن الاتفاق، الذي يسفر عن رفع العقوبات، سيحسن الوضعية الاقتصادية للناس العاديين. ومع انتهاء العقوبات فإن الرأي العام سينصب تركيزه على الحاجة لتحسين الحريات المدنية. غير أن النظرة الإيجابية للاتفاق يصاحبها خوف من تمكين من يشنون الحرب بالوكالة عن إيران والميليشيات الشيعية في الشرق الأوسط.
مشاركة :