إن النواة الأولى لتحقيق السلم الإجتماعي، هي إشاعة ثقافة السلم والتسامح ونبذ التعصب في أرجاء المجتمع. حيث لا يمكن أن يكون هناك حضارة ونهضة وطنية والاختلاف والتفرق يسود الوسط الإجتماعي،فإن ذلك من معاول هدم الحضارة، وتمزيق مقدرات الوطن والشعوب. ولتعميم هذه الثقافة ونشرها ينبغي أن نستفيد من المنابر الإعلامية والمؤسسات التعليمية في إشاعة هذه الثقافة، التي تهيئ الأرضية المناسبة لمشروع السلم الاجتماعي. وهناك ركيزة أساسية في هذا المجال وهي: أن إشاعة ثقافة التسامح والسلم هي التي تؤسس مفهوم الوحدة الوطنية، لأن الثقافة الواحدة التي تقبل الآخر كما الذات، هي المقدمة الطبيعية للوحدة العملية والاجتماعية. لهذا فإنه من الضروري الاهتمام بمسألة إشاعة الثقافة التي تغذي مفاهيم السلم الاجتماعي. ولا بد من القول أن النظر لتلك الأوطان المتقدمة سياسيا واقتصاديا وتقنيا لم تبن بلون تاريخي أو قبلي أو عرقي واحد، وإنما هي عبارة عن مجموعة من المجتمعات التاريخية أو القبلية أو العرقية التي اندمجت مع بعضها البعض على قاعدة السلم الاجتماعي سواء كانت تلك القاعدة دين واحد مشترك،او هدف قومي مشترك أو غير ذلك…،والوطن الواحد والمصلحة المشتركة لم تقف عند هذه الحدود، وإنما عملت على تطوير التجربة، وتعميق الوحدة الوطنية بنظام سياسي يكفل للجميع حريتهم، ويتعاطى مع الجميع على قاعدة وطنية مشتركة. مع إبطال المفعول السلبي للتمايز التاريخي أو العرقي أو القبلي فالإسلام دين وحد القلوب، وألغى الفوارق، وحذر من العصبية، وجمع الناس تحت راية واحدة من الأمن والعدل عبر نظام مؤسس للسلم الاجتماعي، الذي يصنع عند المواطن حالة نفسية وعملية تتجه نحو إعلاء كلمة الله، ثم المشترك مع الإنسان الآخر، واحترام نقاط التمايز وإبقائها في حدودها الطبيعية التاريخية والثقافية. وفي الإطار العام تسود المجموعات البشرية علاقة السلم الاجتماعي على قاعدة قانونية ووطنية مشتركة. مما يدفع جميع المجموعات البشرية إلى الدفاع عن هذا النموذج والسعي نحو إبراز قيمه الأساسية. وحينما نتمعن في التاريخ وعوامل نشوء العصبيات، ومن ثم تأثيرها السيئ في الوجود المجتمعي نجد أن ظروف القهر والنفي والإقصاء والاستعلاء،وسلب الحقوق،والتهميش….الخ هي التي تدفع الآخرين إلى التخندق والتمترس في إطار عصبوي ضيق. وإن المزيد من الاستعلاء، لا يؤدي إلى تلاشي العصبوية التاريخية والاجتماعية، وإنما يزيدها أوارا واشتعالا فالنفي لا يولد إلا نفيا مثله، والعنف يصنع عنفا مضادا، وهكذا يصبح خيار القفز التعسفي على التنوع المجتمعي لا يحل المسألة بل يزيدها تفاقما. فالسلم الاجتماعي يسمح بممارسة الأفراد دورهم الايجابي في البناء والتلاحم الاجتماعي. و إنهاء تأثير العوامل الخارجية والداخلية المستهدفة لزعزعة السلم المجتمعي يقود لمزيد من الاستقرار والرخاء والإزدهار . . فأن الفريضة التي ينبغي تأكيدها والعمل على تكريسها في واقعنا الاجتماعي والوطني هي فريضة السلم الاجتماعي لأنها العاصم من المتاهات والظواهر الإجتماعية المجهولة المصير. ولابد من تعميم الوعي والثقافة، التي تؤكد على هذه الفريضة وتعتبرها من المشاريع الحيوية والأساسية. وإن التعايش والسلم المجتمعي، لا يعني تطابق وجهات نظر المواطنين حول مختلف القضايا والأمور. لأن تطابق وجهات النظر بين مختلف المواطنين من الأمور المستحيلة. فما دام الإنسان يمتلك عقلا وقدرة على التفكير، فهذا يعني أنه يمتلك إمكانية الاختلاف في الفكرة ووجهات النظر والمواقف، وليس من الطبيعي لعقول مختلفة في الخلفية والرؤية أن تتطابق نظرهم ومواقفهم على كل القضايا والأمور. فقد يكون اختلاف الناس في أفهامهم وأفكارهم وتصوراتهم ومواقفهم تارة سببا أساسيا من أسباب النزاع والتصادم والصراع إذ يسعى كل واحد بإمكاناته وقواه على فرض فكره ورؤيته على الآخرين. والآخرون بما أن أفكارهم ومواقفهم مختلفة، فهم يقاومون عملية الفرض والقسر هذه وبهذا تتأسس عملية الصراع في الوسط الاجتماعي. وتارة أخرى قد يكون الاختلاف المذكور أحد العوامل المساعدة لعملية التعايش الاجتماعي باعتباره هو الخيار الحضاري الذي يكفل للمجموع حريته، ويحترم اختياراته التصورية والفكرية. وبهذا فإن السلم الاجتماعي، لا يعني انطباق أفكار وآراء كل المجتمع. وإنما هو احترام الأراء التي التزم بها كل واحد، والعمل على تشكيل مجموعة من القواعد والمبادئ التي تحترم هذه الأراء، وتسمح لجميع الشرائح والقوى الاجتماعية على التعايش على قاعدة المشترك الديني والأيديلوجي والوطني مع وجود اختلاف في وجهات النظر، وتباين في الأفكار والمواقف. وإن السلم المجتمعي هو الذي يصنع الجسم الاجتماعي المتماسك والذي يسعى نحو الوصول إلى مطامحه الحضارية على قاعدة مجموعة من المبادئ التي تسمح لجميع الشرائح والفئات الاجتماعية على التعايش الاجتماعي مع وجود اختلاف في وجهات النظر وتباين في الأفكار والمواقف. هذه النظرية الثقافية الحضارية هي التي تبناها سمو الامير/تركي بن طلال أمير منطقة عسير _حفظه الله_ في المنطقة ، إيمانا منه بأهمية السلم الإجتماعي في المحافظة على النسيج الإجتماعي، وتحقيق الرقي الحضاري، ونفع الفرد والمجتمع على حد سواء، وقد نظم_حفظه الله_ عدد من المبادرات التي خدمت ذلك الجانب وتحولت إلى نظريات اجتماعية ميدانية ادرك الجميع نفعها، وحسن اثرها. مما جعل فعله هذا ملهما للجميع في الإستفادة من هذه الفكرة في جميع المؤسسات الحكومية والخاصة فيكون الهدف العام هو المقصد للجميع، متجاوزين حظوظ النفس لأجل مصلحة الجماعة،،،وفق الله سموه لكل خير ،ونفع به وبجهوده.
مشاركة :