تصاعدت حدة الانقسامات بشكل غير مسبوق بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين في مجلس الأمن، خلال شهر أغسطس الماضي، بعد أن نقضت الدول الأوروبية مشروع قانون أميركي لتمديد حظر الأسلحة إلى إيران وعرقلت مساعي عودة العقوبات الأممية عليها. وفي خطوة تبدو ذات صلة بالتجاذبات قوضت واشنطن منفردة إجماعا دوليا بشأن مصير الجهاديين الأجانب. نيويورك – استخدمت الولايات المتحدة حقّ النقض في مجلس الأمن الدولي ضدّ مشروع قرار بشأن مصير المقاتلين الجهاديين الأجانب لعدم تضمّنه فقرة تطالب بإعادتهم إلى بلدانهم، في مؤشر إلى شقاق متزايد بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين. وحظي النص الذي وضعته إندونيسيا، العضو غير الدائم في مجلس الأمن، بموافقة سائر أعضاء مجلس الأمن الـ14 باستثناء الولايات المتّحدة التي صوتت ضده. وكان لقرار الولايات المتحدة استخدام حقّ النقض في مسألة تتعلق بملفّ مكافحة الإرهاب الذي كان حتى الآن موضع إجماع بين الغربيين وفي المحافل الدولية، وقع الصدمة وهو يعكس استياء أميركيا متزايدا حيال الأوروبيين، ولاسيما بعد أسابيع على توجيههم صفعة لواشنطن في مجلس الأمن. وقال دبلوماسي إن “الفيتو بات بخس الثمن” معتبرا موقف واشنطن بأنه “مضر جدا” للعلاقات عبر ضفّتي الأطلسي. وأكدت السفيرة الأميركية في الأمم المتّحدة كيلي كرافت أن القرار الإندونيسي الرامي إلى تعزيز التحرك الدولي ضد الإرهاب”كان أسوأ من لا قرار على الإطلاق”. كيلي كرافت: الأوروبيون يعمدون إلى دفن رؤوسهم في الرمال كيلي كرافت: الأوروبيون يعمدون إلى دفن رؤوسهم في الرمال وتعليقا على النص الذي لا يتضمن إشارة إلى “الخطوة الجوهرية الأولى” القاضية بـ”إعادة المقاتلين الأجانب إلى بلدهم الأصلي أو بلد جنسياتهم”، شددت كرافت على أنه “يفشل” في تعزيز مكافحة الإرهاب، مضيفة أن الولايات المتحدة ترفض بالتالي المشاركة في “مهزلة خبيثة بقدر ما هي تتعمد الإغفال”. وعبّر السفير الإندونيسي لدى الأمم المتحدة ديان تريانسياه دجاني عن أسفه لعدم الموافقة على “القرار المهم” الذي كان سيجعل “العالم اكثر أمانا لنا جميعا” والذي حصل على “دعم غالبية أعضاء” المجلس. وأوضح تريانسياه دجاني أن إندونيسيا سعت إلى تحقيق إجماع تمسكا منها بـ”رؤية أكبر تقضي بأن نكون موحدين في كفاحنا ضد الإرهاب”. ويمثّل الفيتو الأميركي صفعة لإندونيسيا التي جعلت من إقرار هذا النصّ إحدى أولويات رئاستها الشهرية لمجلس الأمن في أغسطس. وكان مشروع القرار يحض أعضاء مجلس الأمن على إعادة دمج المقاتلين الأجانب السابقين في مجتمعاتهم بعد أن يقضوا أي أحكام تصدر بحقهم في الدول حيث هم معتقلون، وبتقديم مساعدة خاصة لزوجاتهم وأطفالهم، حيث يقبع آلاف من هؤلاء الجهاديين في سجون سوريا والعراق. ويشرح النص أن التشجيع على إعادة دمج هؤلاء الجهاديين السابقين في مجتمعاتهم يهدف إلى الحد من إمكانية عودتهم إلى القتال. كما يهدف بحسب النص إلى دفع الدول الأعضاء على تقاسم خبراتهم في تطبيق العقوبات وإعادة دمج المحكوم عليهم لارتكابهم أعمالا إرهابية والتدابير الواجب اتخاذها لإعادة دمج الأفراد في المجتمع. ولطالما شددت واشنطن، التي حظيت خلال المفاوضات بتأييد موسكو لتضمين النصّ مصطلح “الإعادة إلى الوطن”، على وجوب إعادة المقاتلين الأجانب المحتجزين في سوريا والعراق إلى بلدانهم الأمّ. خلاف حول مصير الجهاديين ألف مقاتل جهادي من ثلاثين جنسية في سجون الأكراد لكنّ الأوروبيين وبعض الدول العربية تعارض هذا الموقف، مفضلين أن يُحاكم الجهاديون ويقضوا عقوباتهم في الدول التي ارتكبوا جرائمهم فيها. وفي أوروبا، اعتمدت دول عدّة، وخصوصاً فرنسا وبلجيكا، سياسة تقوم على درس “كلّ حالة على حدة” لإعادة بعض أطفال الجهاديين المحتجزين في الشرق الأوسط وربما بعض زوجاتهم. ويحتجز الأكراد السوريون الذين يتلقون دعما وتمويلا وتسليحا وحماية من واشنطن، في سجون شمال البلاد حوالي ألف مقاتل جهادي من ثلاثين جنسية أسروا لدى استعادة التحالف الدولي الأراضي التي كان يسيطر عليه تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، كما يحتجز ألفان من أفراد أسرهم بينهم العديد من الأطفال في مخيمات لاجئين في المنطقة نفسها. وكانت دراسة نشرتها جامعة واشنطن حول الجهاديين الأميركيين في العراق وسوريا قد كشفت، أن هؤلاء أقل ميلا لتنفيذ اعتداء إرهابي بعد عودتهم إلى بلدانهم بالمقارنة مع المتطرفين الأوروبيين الذين يفوقونهم عددا. وأوردت الدراسة التي أعدها البرنامج حول التطرف في الجامعة أن شبكات التواصل الاجتماعي كان لها دور أساسي في تمكين الأميركيين من بلوغ سوريا أو العراق إذ غالبا ما تكون علاقاتهم الشخصية محدودة. وتابعت أن هؤلاء الأميركيين وبعد التحاقهم بالجهاديين غالبا ما يشعرون بخيبة الأمل وبصدمة إزاء الثقافات المختلفة ويحاولون العودة بشكل سريع إلى بلدانهم رغم أنهم يواجهون احتمالا شبه مؤكد بإيداعهم السجن. الفيتو الأميركي صفعة لإندونيسيا حجز أطفال الجهاديين في مخيمات اللاجئين وتقول إن أحد أسباب العدد المتدني نسبيا للمقاتلين الأجانب من الأميركيين هو أن القوانين الأميركية تسهّل تدخل الشرطة في مرحلة مبكرة بمجرد التعبير عن تأييد مجموعة متطرفة محظورة. وبلجوئها إلى استخدام حقّ النقض في مجلس الأمن لمنع صدور قرار يتعلّق بملفّ مكافحة الإرهاب الذي كان يعتبر حتّى الأمس القريب ملفاً يحظى بتوافق غربي في المحافل الدولية، تكون واشنطن قد خطت خطوة إضافية على طريق الافتراق عن حلفائها الأوروبيين الذين وجّهوا لها صفعة في مجلس الأمن قبل أسابيع. وفي مطلع الشهر الماضي، صوّت حلفاء واشنطن خاصة من الأوروبيين ضدّ مشروع قرار أميركي لتمديد حظر الأسلحة المفروض على إيران، ثم تصدوا لمحاولة أميركية لإعادة فرض عقوبات دولية على طهران. وأعربت كرافت خلال مباحثات جرت الأسبوع الماضي حول ملف مكافحة الإرهاب، عن أسفها لأنّ الأوروبيين يعمدون في هذا الملفّ، كما في الملفّ الإيراني، إلى “دفن رؤوسهم في الرمال” في مواجهة “التهديد الخطير” الذي يشكّله المقاتلون الجهاديون الأجانب.
مشاركة :