وجهة نظر: أردوغان يخون قضية أتاتورك

  • 9/2/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الاحتجاج الصادر من تركيا على الصداقة الجديدة بين اسرائيل والإمارات العربية المتحدة، يكشف أن الرئيس أردوغان يتسبب في عزلة بلده، كما يرى ألكسندر غورلاخ*. تركيا هي أول دولة جارة لإسرائيل تقيم معها علاقات ديبلوماسية تلاسن حادّ لا يُنسى جرى خلال منتدى الاقتصاد العالمي في دافوس السويسرية في عام 2009، بين رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا آنذاك، والرئيس الاسرائيلي شيمون بيريس. حيث دار بينهما سجال عنيف حول الهجمات الجوية الاسرائيلية على غزة التي حصلت قبل موعد المنتدى بقليل. وغادر أردوغان المنصة بعدما دافع عن قضية الفلسطينيين بقوة. وفي بلده استقبلته جماهير مهللة. ورأى معلقون في ذلك محاولة من السياسي التركي لكسب المزاج السائد إبانها في البلدان العربية. ليس هناك فقط صدرت مواقف مؤيدة له بعد المشاجرة الكلامية. فبعد أسبوعين فقط من الحدث الذي جرى في الجبال السويسرية، تم اختيار أردوغان كمواطن فخري لطهران، عاصمة إيران الشيعية التي ليس لها من الناحية الطائفية أية علاقة مع الفلسطينيين السنّة، لكنها عدو لدود لاسرائيل. فنظام الملالي الراديكالي في إيران لا يعترف إلى اليوم بحق اسرائيل في الوجود، ويهدد دوما بتدميرها. حلم تركا كقوة عالمية  كذلك تلوح إلى اليوم رغبة الرئيس التركي أردوغان بجعل تركيا لاعبا قويا في المنطقة ناهيك عن تحويلها إلى قوة عالمية. فقبل أسابيع عندما تم تحويل أكبر كنيسة في العالم، آية صوفيا، بطلب من أردوغان إلى مسجد، تحدث كبير الأئمة السنة في تركيا (العلماني في الواقع) وبيده سيف، عن عظمة جديدة. ولم يتوقف الأمر عند آية صوفيا، بل تحولت كنسية إضافية في اسطنبول إلى مسجد. ألكسندر غورلاخ: من خلال مسار الأسلمة الذي ينتهجه أردوغان تتهدد البلاد بأن تصبح منبوذة في العلاقات الدولية لكن كل أوهام العظمة تبخرت: العدو اللدود اسرائيل والإمارات العربية المتحدة توصلا إلى اتفاق بتطبيع العلاقات بين الدولتين. وهذه الاتفاقية تصلح في المقام الأول لعزل إيران ومنظمتها الإرهابية حزب الله اللتين قامتا في السنوات الماضية بزعزعة المنطقة برمتها. وهذه الاتفاقية التي تنتظر التوقيع الرسمي تعزل أيضا الرئيس التركي أردوغان الذي ينصِّب نفسه كمهيمن وحامي للعالم العربي، ولم يبق له سوى شتم العرب ونعتهم كخونة تخلوا عن إخوانهم الفلسطينيين. وأردوغان الذي أعلن في بداية السنة أن تركيا بإمكانها من ناحية السياسة الخارجية فعل ما تريد وهي لا تحتاج إلى أحد، أخطأ في حساباته. فالولايات المتحدة الأمريكية ماتزال القوة العالمية الوحيدة التي بإمكانها فعل شيء من شأنه إحداث الفارق في المنطقة. وفي النهاية فإن الفائز الخفي وراء الصداقة بين اسرائيل والإمارات هو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي واصل نهجه القوي ضد إيران ويمكن له الآن وفي الوقت المناسب مع حلول موعد الانتخابات في نوفمبر/تشرين الثاني تحقيق نجاح. وهو أمر لم يحققه سلفه باراك أوباما ولا قوى أخرى فاعلة مثل الإتحاد الأوروبي. الرئيس التركي اردوغان في الـ 24 يوليو خلال صلاة الجمعة داخل آية صوفيا بعد 86 عاما باسطنبول العلاقات التركية الاسرائيلية من البداية وفي شكوى أنقرة الصاخبة الموجهة ضد إقامة علاقات دبلوماسية بين الإمارات واسرائيل يبدو أن أردوغان أغفل تماما أن تركيا هي البلد الأول في جوار اسرائيل التي أقامت في 1949 علاقات دبلوماسية مع الدولة الفتية. وتركيا كانت حينها علمانية ولم يكن لديها تطلع للتورط في النزاعات الدينية الطائفية بالمنطقة. وكشريك في حلف الناتو ظلت تركيا منذ 1952 ركيزة أساسية في التحالف الغربي. ومن خلال مسار الأسلمة الذي ينتهجه أردوغان تتهدد البلاد أن تصبح منبوذة في العلاقات الدولية. وسيكون ذلك بالفعل خيانة لقضية أتاتورك ونحو 40 مليون تركي، حوالي نصف مجموع السكان الذين لم يصوتوا لأردوغان. البروفيسور الدكتور ألكسندر غورلاخ * صحفي وكاتب ألماني، كبير الخبراء ببمجلس كارينغي للأخلاقيات في الشؤون الدولية، وبمعهد الأديان والدراسات الدولية بجامعة كامبريدج.

مشاركة :