تتألف الصورة الكلية لملحمة النجاح الإماراتية الملهمة من عددٍ كبير من النجاحات التي تحققت في مجالات مختلفة، يبرز من بينها ملف تمكين المرأة الإماراتية، ويحتل موقعاً خاصاً ومؤثراً بحكم ما كان يتسم به من الحساسية المجتمعية، وارتباطه - لحظة انطلاق مسيرة التنمية الإماراتية قبل خمسة عقود تقريباً - بموروثات ثقافية ودينية اكتسبت صفة الرسوخ. وتعود أهمية النجاح في هذا الملف إلى كونه نموذجاً للقدرة على إدارة تغيّر مدروس في ثقافة المجتمع وتصوراته تجاه المرأة، بالتوازي مع التحسين المطَّرد لفرصها في التعليم وسوق العمل، وحضورها السياسي والاقتصادي والمجتمعي المتنامي. وكان هذا التوازي، المخطط له جيداً، أساساً متيناً لنهضة المرأة في دولة الإمارات، ومانعاً لأي تراجع أو انتكاس لمسيرتها التي تحظى بمكاسب جديدة كل يوم. ويمثل الجانب التشريعي إحدى ركائز تمكين المرأة الإماراتية وتعزيز حقوقها، ولا تزال هذه المسيرة مستمرة، إذ تضمن المرسوم بقانون اتحادي رقم (6) لسنة 2020 في شأن تنظيم علاقات العمل، الذي أصدره مؤخراً صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، تطويراً يعزز مكاسب المرأة، فقد عُدلت المادة (32) في القانون الاتحادي رقم (8) لسنة 1980 بشأن تنظيم علاقات العمل، لتصبح على النحو الآتي: «تُمنح المرأة الأجر المماثل لأجر الرجل إذا كانت تقوم بالعمل ذاته، أو آخر ذي قيمة متساوية، وتصدر بقرار من مجلس الوزراء، بناء على اقتراح من وزير الموارد البشرية والتوطين، الإجراءات والضوابط والمعايير اللازمة لتقييم العمل ذي القيمة المتساوية». وتدعم المادة المُعدَّلة هدف تعزيز المساواة بين الجنسين في الأجور والرواتب في القطاع الخاص، لأن القانون الاتحادي رقم (8) لسنة 1980، هو القانون الذي ينظم مختلف جوانب علاقات العمل بين أصحاب العمل والموظفين في القطاع الخاص في إمارات الدولة كافة، ومن شأن هذا التعديل أن يُضفي المزيد من الجاذبية على العمل في القطاع الخاص، ويعزز مشاركة المرأة فيه، خاصة مع اتساع حجم القطاع في الدولة وحصته الكبيرة من مجموع قوة العمل فيها. وتؤكد الإحصائيات والتقارير العالمية الموثوق بها تحقيق دولة الإمارات تطورات مهمة في المساواة بين الجنسين. ففي تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لسد الفجوة بين الجنسين لعام 2020، احتلت دولة الإمارات المرتبة العاشرة عالمياً في المعيار الفرعي الخاص بالمساواة في أجور العمل المماثل، وهو المعيار الذي تكثف الدولة جهودها من أجل التقدم فيه. كما احتلت الدولة المرتبة الأولى في المعيار الفرعي الخاص بمعرفة القراءة والكتابة، والمعيار الفرعي الخاص بالالتحاق بالتعليم الأساسي، والمعيار الفرعي لنسبة الجنس عند الولادة «غياب الإجهاض الانتقائي بسبب نوع الجنين». وهذا التقرير لم يكن إلا واحداً من تقارير عالمية أخرى رصدت نجاح دولة الإمارات خلال سنوات قليلة في جهودها من أجل تحقيق هدف المساواة بين الجنسين. فقد تقدمت الدولة 23 مرتبة خلال خمس سنوات في «تقرير المساواة بين الجنسين»، الذي يصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إذ احتلت المرتبة الـ 26 عام 2019، بعد أن كانت تشغل المرتبة الـ 49 عام 2015. مثل هذا النجاح في إدارة ملف المساواة بين الجنسين يعود إلى بنية مؤسسية قوية، تضم إطلاق «مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين» عام 2015، ودليل التوازن بين الجنسين عام 2017، وهو «أداة شاملة توضح المقاييس والخطوات التي يجب على القطاعين العام والخاص اتباعها لتنفيذ متطلبات هذا التوازن، وتقليص الفجوة بين الجنسين» من خلال محاور محددة، و«قانون المساواة في الأجور والرواتب بين الجنسين» عام 2018. لكن جذور النجاح تعود في أصولها إلى مرحلة بناء الدولة، ويقين المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بأن المرأة ركيزة لا غنى عنها للنهوض والتنمية، وهو اليقين الذي تجسد في صورة عمل متواصل جعل تمكين المرأة في دولة الإمارات نموذجاً عربياً وعالمياً ملهماً. * عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.
مشاركة :