كمال بالهادي حذّر رئيس مجلس النواب العراقي محمّد الحلبوسي من أنّ مسيرة الإصلاح في العراق تلكأت مرة بعد مرة رغم جهود الخيرين والشرفاء في هذا البلد، حسب قوله، من خلال إعاقات متكررة ومتنوعة، وذلك برغم مطالبات الشعب المشروعة بالتغيير والإصلاح من خلال انتخابات مبكرة وبرنامج حكومي يلبي مطالب المواطن، من فرص عمل وخدمات أساسية تضمن عيشاً كريماً له... مثل هذا الكلام، عندما يصدر من مسؤول أعلى في الدولة العراقية، بعد 17 سنة من إسقاط نظام صدّام حسين، وإحلال دولة «الرفاهة والديمقراطية» التي وعد بها جورج بوش الابن في ذلك الوقت، فإنه يعني اعترافاً صريحاً بفشل حكومات العراق ما بعد 2003، في تحقيق الحد الأدنى من مقومات العيش للمواطن العراقي الذي ازداد وضعه سوءاً عما كان عليه. والسؤال الذي يطرح هنا، لِمَ لَمْ تستجب الحكومات التي يفترض أنها «ديمقراطية حتى النخاع» لمطالب التغيير والإصلاح؟ بل لماذا لم تباشر هي عملية التغيير والإصلاح، التي من أجلها كانت تتهم النظام السابق بالدكتاتوريّة؟ لماذا تغيرت حياة هؤلاء الذين أتوا على ظهور الدبابات، وصاروا يخزنون أموالاً لا تحصى ولا تعدّ، وظل الشعب العراقي في أغلب فئاته يبحث عن الحد الأدنى من الخدمات؟ ثم هل يهمّ هذا العراق وحده أم ينطبق على «ديمقراطيات» 2011، التي عاد منهدسوها من الخارج، وفعلوا ما فعله نظراؤهم في العراق في شعوبهم التي مازالت تبحث عن كرامتها وعن الحد الأدنى من العيش الكريم؟ السؤال لا يحتاج إلى تفكير طويل، فالنتائج السلبية والمؤشرات الحمراء تشتعل في أكثر من بلد عربي، في إشارة لا تخفى على فطن، مفادها أن الفوضى المستمرّة، هي دليل على الكرامة المهدورة ودليل على أنّ إسقاط مؤسسات الدولة، لم يكن سوى مشروع ضخم لإشاعة الفوضى في المنطقة عبر هؤلاء الوكلاء، ممن كانوا يعتبرون أنفسهم «معارضة المهجر». وأنّ الهدف الأساسي من هذه «الديمقراطيات المزعومة» لم يكن خدمة المواطن العربي وجعله صاحب مواطنة كاملة، يتمتع بحقوقه الاقتصادية والاجتماعيّة والسياسية، بل إنّها كانت خطوة مخططة بعمق لمزيد من سحق المواطن العربي وجعله يفرّ بجلده من البلد الذي قال عنه في يوم «خبز وماء وفلان لا» وهو الشعار الذي رفع في أكثر من بلد عربي، واتضح بعد ذلك أنّ «الديمقراطيات المزيّفة» لم توفّر الخبز ولا الماء ولا حتى الحرّية. إذن ما هو المنتظر من هذه الشعوب، بعد مرور كل هذه السنوات، وهي ترى أوضاعها تسوء من سنة إلى أخرى؟ الشوارع التي تغلي في الخفاء باتت تتجرأ على كسر حاجز الخوف لديها، لأنه لم يعد لديها ما تخسره. في العراق، خرج الشباب للتظاهر وبرغم غدر الميليشيات المستفيدة من أوضاع الفوضى، فإنهم لم يتراجعوا عن مطلب التغيير. وفي لبنان لم يعد هناك شيء يجبر الشباب على البقاء في المنازل، ولذلك باتت الشوارع هي مسكنهم الأول والأخير حتى يتم فرض التغيير، وفي طرابلس الليبية، التي تجثم عليها الميليشيات منذ العام 2011، خرج الشباب لاعنين الفساد ومرتكبيه ومطالبين بالمواطنة الكاملة. أما في تونس، فقد كانت رحلات الهجرة السرّية للآلاف من الشبان، تعبيراً واضحاً عن فشل ديمقراطية الياسمين في تحقيق مطالب من خرجوا يطالبون بالكرامة ذات شتاء. الحلول واضحة، ولا تحتاج إلى تحايل من أيّ أحد. إما المواطنة الكاملة أو الفوضى الشاملة. لم يعد أحد يرضى أن تداس حقوقه من أي كان وتحت أيّ ذريعة. فمن أراد أن يسير في هذا الطريق، فإنّ التاريخ سيخلّده رمزاً وطنياً قد خدم شعبه، وفضل مصلحة الوطن العليا، وحقق مطالب التغيير والإصلاح، ومن أراد غير ذلك فمصيره لن يختلف عمّن سبقوه، الذين قامت الشعوب بكنسهم ومحاكمتهم. والرسالة واضحة هذه المرّة لكلّ تلك الأحزاب التي تقول إنّها «تخاف الله»، وتتستر بالدين من أجل تحقيق غاياتها الذاتية.belhedi18@gmail.com
مشاركة :