* هب الجمهور الذي احتشد في صالة مركز «كاربو» الثقافي، شمال باريس، واقفا وعلت أصوات التصفيق والهتاف حال دخول نيكولا ساركوزي إلى المكان، ليلة أول من أمس. لكن المناسبة لم تكن تجمعا سياسيا لأنصاره بل حفلا أحيته زوجته المغنية كارلا بروني، بعد طول غياب عن المسارح والحفلات الحية. وفي حين تساءل المراقبون عن التوقيت الذي يتبعه الرئيس الفرنسي السابق في فرص الظهور والالتقاء بالناس، فقد بات من الواضح أن هناك شركة كبرى للاتصالات وخبراء في الاستراتيجيات الإعلامية ينشطون من وراء الستار للتمهيد لعودة ساركوزي إلى المسرح السياسي، ولو من بوابة المسرح الغنائي أو برامج التلفزيون. ففي الأسبوع الماضي، تابع أكثر من مليون ونصف المليون مشاهد فيلما وثائقيا عن كواليس الحملة الانتخابية السابقة التي خسر فيها المرشح اليميني أمام خصمه الاشتراكي هولاند، ولكن من الجانب العائلي والحميم. وقد صورت الفيلم عارضة الأزياء السابقة فريدة خلفة، صديقة كارلا بروني وشاهدة زواجها. في الفيلم، كان التركيز على حنان ساركوزي الأب واهتمامه بطفلته الصغيرة جوليا التي رزق بها من زوجته الثالثة التي اقترن بها وهو في منصب الرئاسة، وكذلك على علاقة الحب والتكامل التي تجمع بينه وبين كارلا، والدة جوليا. ومن المعروف أن استعراض العلاقات العائلية والعاطفية الدافئة يساعد في إضفاء مسحة إنسانية على المرشحين السياسيين ويساهم في تقريبهم من الناخبين. وإذا كانت فئة واسعة من الفرنسيين تأخذ على الرئيس السابق جموحه ونوعا من الصلافة التي طبعت شخصيته، فإن مما يحسب لكارلا أنها نجحت في «أنسنة» ساركوزي وتهدئته والتقليل من نوبات العنف التي رافقته في لقاءاته مع الجماهير، خصوصا عندما كان وزيرا للداخلية وهدد بـ«تنظيف» البلد من «الحثالات» بخرطوم المياه المضغوطة. بعد كارلا جاء دور الطفلة جوليا لتحسين الصورة. وفي أحد مشاهد الفيلم الوثائقي شوهد ساركوزي وهو يحمل طفلته ويناغيها ويقول إنه مجنون بها. وقد فسرت الأوساط الإعلامية هذه المشاهد بأنها تندرج في نطاق حملة مدروسة باحترافية وأناة، للإعلان عن عودة الرئيس السابق إلى المسرح وخوضه الانتخابات التي ستجري بعد 4 سنوات، متراجعا عن قرار اعتزال العمل السياسي، ومن باب أن «فرنسا تحتاجه» وأن الذين خلفوه في زعامة حزبه لم ينجحوا في ملء الفراغ. إن كارلا تقول له، في أحد مشاهد الفيلم: «لابد من التفكير بالعودة لأن كل هؤلاء الناس يحبونك». في مقدمة حضور الحفل شوهدت الممثلة والمخرجة فاليريا بروني تاديكي، أخت كارلا، وصديقها الممثل السويسري المولد فنسان بيريز. كما كان هناك ولدا ساركوزي من زوجته الأولى، جان وبيير. أما المسرح فقد كان متقشفا في ديكوراته، حيث عزفت كارلا على «الغيتار» وغنت بمصاحبة موسيقيين اثنين فحسب. وقد استهلت الأغنية الأولى «إقلاق الحجر» بالاختباء وراء ستار وترك خيالها يرافق صوتها أمام المتفرجين، قبل أن تظهر بالكامل مرتدية طقما بلون عنابي. وبعد انتهاء الأغنية غمغمت بصوتها الخافت المبحوح: «أنا سعيدة ومتأثرة لوجودي هنا». ثم انطلقت تغني «العاشقة»، أحد النصوص التي كتبتها ولحنتها بنفسها. وطبعا، فإن الحملة الخفية التمهيدية لعودة ساركوزي، دفعت المغنية لأن تؤدي، بلغتها الإيطالية الأم هذه المرة، أغنية «فرنسا العذبة»، التي تعتبر بمثابة نشيد وطني حديث يتغنى بجمال البلد. وكما كان الجمهور ينتظر، غنت كارلا «البطريق»، أغنيتها التي ظهرت في أسطوانتها الأخيرة وتصف فيها رجلا مختالا لا يعرف التهذيب. وقد قيل إن المقصود بالأغنية الرئيس الحالي فرنسوا هولاند الذي لم يمتلك الكياسة المطلوبة في مراسم التسلم والتسليم التي جرت في ربيع العام الماضي ولم يخرج لتوديع ساركوزي حتى بوابة «الإليزيه». وبعد أن انتهت من أداء الأغنية، قالت كارلا: «أريد أن تكون الأمور واضحة بيننا... أنا أحب طيور البطريق». وقهقة الحاضرون وصفقوا للتعليق بينما علا صوت إحدى الجالسات في القاعة وهي تهتف لـ«ساركوزي رئيسا». يذكر أن زوجات الرؤساء الفرنسيين لعبن في السنوات الأخيرة أدوارا حاسمة كسترات إنقاذ لأزواجهن من الغرق، وكانت أولهن برناديت، قرينة الرئيس شيراك التي وظفت شعبيتها الواسعة في استعادة حزب زوجها لشعبيته بين الناس، وكذلك فاليري شريكة الرئيس الحالي هولاند التي وضعت خبرتها كصحافية سياسية محترفة في خدمة الحملة الانتخابية لزوجها وساهمت في تحسين مظهره وتغيير إطارات نظارته وصبغ شعره وفقدانه للكثير من الوزن.
مشاركة :