أكّد خبراء ومحللون سياسيون أن «معاهدة السلام» بين الإمارات وإسرائيل، بمثابة تصحيح لخطأ عربي تاريخي أدى إلى عزل الفلسطينيين، وإضعاف قضيتهم بدعوى «رفض التطبيع»، وأنها تعكس روحاً جديدة تسعى إلى أخذ زمام المبادرة تجاه التحديات التي تواجه المنطقة العربية. وفي ندوةٍ نظَّمها مركز الإمارات للسياسات، وخُصِّصت للبحث المعمق والموضوعي في دلالات المعاهدة الإماراتية الإسرائيلية، وآفاق العلاقات بين البلدين، وانعكاسات هذه الخطوة النوعية على البيئة الإقليمية، قالت رئيسة مركز الإمارات للسياسات، الدكتورة ابتسام الكتبي: «إن دولة الإمارات اتخذت خطوة إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل بناءً على إدراك كامل وعقلاني لأهدافها ومصالحها الاستراتيجية، ولانعكاساتها الإيجابية على الإقليم برمته». وأوضحت الكتبي: صحيح أن دولة الإمارات وإسرائيل ليس بينهما حدود مشتركة، وأن البلدين لم يكونا في حالة حرب أصلاً، لكن الدولتين تتطلعان إلى جني المكاسب من تنمية العلاقات الثنائية بينهما في القطاعات المختلفة، كما تأمل الدولتان في توظيف تقاربهما استراتيجياً، وبخاصة في قضايا المنطقة التي يملكان تصوراً متقارباً تجاهها. ومن جانبه، أوضح الدكتور زيد عيادات، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، أن «معاهدة السلام» بين البلدين جاءت ضمن سياق التحولات الجيوسياسية، التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط، منذ العقد الأول في القرن الحادي والعشرين، والتي أبرزت الحاجة إلى رؤى ومقاربات جديدة لمعالجة أزمات المنطقة ومشكلاتها، مؤكداً أن نتائج هذه الخطوة تتجاوز المنافع المشتركة للدولتين لتنعكس استراتيجياً على المنطقة برمتها. وأكد عيادات أن الرابح الأكبر من هذه الخطوة هي دولة الإمارات، لكن الرابح الثاني هو القضية الفلسطينية، لأن الإمارات نجحت من خلال المعاهدة بتجميد قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بضم 30 في المئة من أراضي الضفة الغربية وغور الأردن. ولفت عيادات إلى أن المعاهدة تُعزز دور الإمارات في الضغط على إسرائيل لمصلحة الفلسطينيين، مثلما تفعل مصر والأردن، كما أن المعاهدة تجعل الإسرائيليين يدركون أنهم يربحون في علاقتهم بالعرب، وهو ما يسحب البساط من تحت اليمين الإسرائيلي، ويجعلهم أكثر مرونة تجاه التوصل إلى تسوية للقضية الفلسطينية. وأضاف عيادات: «إن العلاقات الإماراتية- الإسرائيلية لا تقتصر على التعاون في قضايا السياسة والأمن، بل هي تنشد توثيق التعاون في مجالات الاقتصاد والاستثمار والتجارة والتكنولوجيا، وفي مجابهة التهديدات غير التقليدية المتمثلة بفيروس «كوفيد- 19» والأمن الغذائي والأمن السيبراني». وبدوره، أشار الدكتور عبد المنعم سعيد رئيس الهيئة الاستشارية للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، ورئيس مجلس إدارة دار نشر «المصري اليوم» في القاهرة، إلى أن المعاهدة تعبّر عن روح جديدة لدى القيادة الإماراتية تنطلق من أننا كعرب يمكننا إحداث تغيير في مسار المنطقة، مضيفاً: «إن الإمارات تُقيم علاقات مع إسرائيل من منطلق قوة، فهي دولة ناجحة في الاقتصاد والتنمية، كما أنها تقدم نموذجاً جاذباً من حيث التنوع والتسامح والإدارة الحكومية المتميزة والقدرة على الاستفادة من العولمة، والأهم أنها تعكس صورة (العربي) الذي لا يخاف من إسرائيل، والذي يتعامل معها بمنطق الندية». وذكر سعيد أن المعاهدة جزء من «التيار التعاوني»، الذي أخذ يبرز في السنوات الأخيرة في المنطقة، والذي يقوم على قيم الاستقرار والازدهار والتقدم، وأدى لإنشاء منتدى غاز شرق المتوسط، الذي يضم من المنطقة فلسطين والأردن ومصر إلى جانب إسرائيل. وفي ما يخص البعد الجيوسياسي للمعاهدة، يرى سعيد أن المعاهدة تسهم في تغيير توازن القوى في المنطقة، وأنها تطرح مشروعاً للتعاون الإقليمي بعيداً عن المشاريع التي خَسَّرت شعوب المنطقة وهددت دولها الوطنية، مثل المشروع الأصولي المتطرف، أو مشروع التوسع العثماني، أو مشروع تمدد النفوذ الإيراني. وأوضح سعيد أن الولايات المتحدة رعت الاتفاق الإماراتي- الإسرائيلي، رغم تراجع انخراطها في قضايا المنطقة، وهي ستستمر في جهودها لخلق علاقات سلام بين إسرائيل والدول العربية، سواء استمرت إدارة ترمب أو جاءت إدارة بايدن.
مشاركة :