من وحي «حجة الوداع»

  • 9/4/2020
  • 00:08
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

خلق الله من بين البشر والحيوان والنبات والطبيعة الأقوياء والضعفاء.. أمَّا البشر فمنهم من متَّعه بقوَّة الجسد وصفاء الفكر.. وكذلك من الحيوانات كالنمل والنحل التي تختار رحيقها من الزهور لتعطينا شراب عسل مختلف ألوانه، والطيور المهاجرة التي تتنقل ما بين شمال الكرة الأرضيَّة وجنوبها ذهابًا وإيابًا.. وعلى ذلك قس بالعديد ممِّا حولنا من مخلوقات قويَّة وأخرى ضعيفة.. وحتَّى العربيَّة لغة قرآننا الكريم الذي أنزله الله على رسولنا الكريم هداية للبشر ونموذجًا للسلوك الأخلاقي، ففي أحرفها القوي والضعيف.. يتقدَّم في القوَّة أحْرُفٌ دون سواها، فيهَا من النصح والهداية والزجر لهداية البشر واستقامة سلوكهم في الحياة ابتغاء مرضاة الله والخلق، ومنها:• الصوت؛ ﴿وَاغضُضْ مِنْ صَوْتِكَ﴾.• المشي؛ ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرِحًا﴾.• النَّظر، ﴿وَلَا تَمُدَّنَ عَيْنَيك﴾.• السَّمْعُ، ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾.• الطَّعَامُ، ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفَوا﴾.• الأَلفاظُ، ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حَسَنًا﴾.• المجلس، ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾.• النَّفس، ﴿لِا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ﴾.• الأفكار، ﴿إِنَّ بَعْضَ الظَّنِ إِثْمٌ﴾.• التصريحات، ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْس لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾.أمَّا حَرف الطَّاءِ، فله في لغتنا من القوَّةُ مَا ينفرد به، في الشعر خاصَّةً، كقول أبي العلاء المعرِّي في البيتين التاليين:سَبِّح وَصَلِّ وَطُف بِمَكَّةَ زائِراًسَبْعِينَ لَا سَبْعًاً فَلَسْتَ بِناسِكِجَهِلُ الدّيَانَةَ مَنْ إِذَا عَرَضَت لَهأَطْمَاعُهُ لَمْ يُلْفَ بِالمُتَماسِكِوأضعف الحروف هو الفاء، حيث لا نجد في الآيات الكريمة التي بدأت بحرف الفاء صفة من صفات القوة: (كالجهر والشدة والإطباق... إلخ)، وإنَّما للنهي، كالقول (أُفٍّ) للوالدين، تعبيرًا عن الضيق والتأفُّفكما جاء في قوله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ فيما تقَّدم من قوَّة الجُمَل، وضعف سواها، نجد متانة مكارم الأخلاق التي بعث الله رسولنا الكريم لإتمامها، وبلَّغها الحجيج في (خطبة الوداع) التي ألقاها صلى الله عليه وسلم عليهم في حجَّته الأولى والأخيرة في السنة العاشرة للهجرة، متضمَّنة قيمًا دينيَّة وأخلاقيَّة عدَّة.جدير بنا مع استقبال كلِّ سنة هجريَّة أن نتدارس خطبة الوداع، ونتدبَّر معانيها، وخاصَّة قوله عليه الصلاة والسلام:«أَيُهَا النَّاس، إنّ دِمَاءَكُمْ وَأمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَليكُمْ حَرَامٌ إلى أنْ تَلْقَوْا رَبَّكُمْ، كَحُرمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا في شَهْرِكُمْ هَذَا في بَلَدِكُم هَذَا، وإنَّكُم سَتَلْقَونَ ربَّكُم فَيَسأَلُكُم عَن أعْمَالِكم، وَقَدْ بَلَغْتُ.. فَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانةٌ فليؤُدِّهَا إِلى مَنْ ائْتمَنَهُ عَلَيها.. وإنْ كلَّ رِبًا مَوضُوعٌ، وَلَكِنْ لَكُم رؤُوسَ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وِلَا تُظْلَمُون».في هذه الخطبة المباركة الجامعة، توجيه نبويٌّ كريم، مصداقًا لأمر إلهيُّ في محكم كتابه للكفِّ عن التعامل بالربا على أشكاله ومسمَّياته كافَّة.. وهو ما يحتاج إليه عالم اليوم للخلاص من الأزمات الاقتصاديَّة التي بسبب احتكار مجموعة معيَّنة من رجال المال والنقد ثروات الشعوب ومدخراتها، قد كادت، إن لم تكن قد فعلت حقًّا.. تَأتي عَلى ثروات العالم كافَّة.. وجميل جداً أن نستعيد نظم أبي العلاء المعري للعبرة والالتزامِ بما جاء في (خطبة الوداع) من نهي وإرشادٍ.. ومن أفلح ممَّن اتَّبع قول الخالق جلَّ وعلَا، وهدي رسوله الكريمَ.

مشاركة :