من المسلمات الأساسية في مجال تنظيم تضارب المصالح، أن التضارب في حد ذاته لا يعتبر جريمة إلا إذا انتوى الشخص تحويله إلى ما يسمى ب"تضارب المصالح الفعلي الضار" actual harmful COI. ولا يعني وجود رجل أعمال في السلطة أنه في وضعية تضارب في المصالح، بل قد يكون في وضعية تضارب مصالح من النوع الضروري necessary conflict of interest !! لكن متى يكون تضارب المصالح ضروريًا ؟؟ هناك بعض الأشخاص المعروفين بخبرتهم الاقتصادية العالية ونزاهتهم على المستوى الأخلاقي، ويكون المنصب في قطاع التجارة في حاجة إلى تقلد أشخاص يمتلكون الكفاءة المهنية و الكفاءة الأخلاقية، أو قد يصنفون بعض الأشخاص على أنهم "أصحاب تخصصات نادرة" وفي هذه الحالة يتم استثناءهم من القواعد العامة أو بمعنى آخر قد يحدث التعارض في عملية تنصيبهم نتيجة الخروج عن القواعد العامة نظرًا لحاجة المنصب أو الوظيفة لهم، والمقياس المسيطر في مثل هذه المواقف هو معيار "المنفعة" Benefiting المتوقعة على المديين البعيد والقريب. ولهذا السبب، يمكن تعيين بعضًا منهم للاستفادة من خبرته الاقتصادية في مجال الصناعة والتجارة مثلا، أو الاستفادة من خبرته البرلمانية عندما يتقلد عضوًا في البرلمان، ولدينا أمثلة لبعض النماذج الوطنية المشرفة. حيث يكون موقف تضارب المصالح في بعض الأحيان موقفًا مطلوبًا حتى وان اتسم بالتعارض في ظاهره، وهي بالطبع مواقف استثنائية خاضعة للضبط والتنظيم. لكن في الوقت ذاته، هناك بعض النماذج في بعض الدول، التي حولت تضارب المصالح المحتمل potential COI إلى التضارب الفعلي. فقد استفاد بعض المسئولين من هذا التحول، لتحقيق مكاسب خاصة في نطاق أعمالهم التجارية. ففي عام 2019 سلط الإعلام الدولي الضوء على نماذج لأعضاء مجلس الشيوخ الذين استفادوا من تضارب المصالح لتحقيق مكاسب مالية، حيث وُضعت قضية عضو مجلس الشيوخ الهندي السابق "فيجاي مالايا" تحت دائرة الضوء، لتقصي تجاوزاته المالية والأخلاقية نتيجة وقوعه في وضعيتين تضارب المصالح بين مساهميه ومستثمريه وموظفيه من ناحية، وبين مصالحه الخاصة ومصلحة الناخبين كعضو في مجلس الشيوخ الهندي من ناحية أخرى. وقد كان "فيجاي مالايا" رئيسا لمجلس إدارة مجموعة برونز المتحدة ، ومؤسس شركة الطيران الفاخرةKingfisher Airlines. وفي عام 2009 تراكمت الديون على شركة الطيران حتى وصلت إلى 5665 كرور روبية ما يصل إلى 810 مليون دولار أمريكي ثم تجاوزت المليار دولار أمريكي. وفي أزمات متتابعة ومتلاحقة دون توقف، تلازم معها خسائر مالية فادحة نتيجة قيام إدارة الضرائب بتجميد 11 حسابا لمالايا، وعلى إثر ذلك، قرر "مالايا" في 2010 الانضمام إلى مجلس الشيوخ الهندي بدافع استغلال سلطته كعضو في المجلس لحل أزماته وتعويض خسائره المالية، قبل لجوءه للفرار. وبالفعل استطاع مالايا الوصول للسلطة وتم تعيينه في لجنة الطيران المدني في المجلس، وتغيير القواعد للسماح بالاستثمار الأجنبي المباشر في شركات الطيران الهندية. وفي الوقت الذي سافر فيه إلى لندن ، كان "مالايا" عضوًا في اللجنة الاستشارية لوزارة الطيران المدني واللجنة الدائمة للتجارة. وبعد هروبه إلى لندن، أوصت لجنة الأخلاقيات في البرلمان بطرده من البرلمان الهندي. وقبل طرده، قام "مالايا" بإجراء محاورات خاصة بينه وبين "آرون جايتلي" وزير المالية الهندي آنذاك داخل أروقة البرلمان، حيث طلب "مالايا" مساعدة "جايتلي" في اجراء التسوية بين البنوك وبين شركته، إلا أن هذا الطلب باء بالرفض، الأمر الذي أدى إلى فرار مالايا خارج البلاد.
مشاركة :