الرويعي وقراءة النص... هزيع الباب الأخير أنموذجا

  • 9/5/2020
  • 01:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

يبدأ فيلمه بمطلع لقصيدة غراء لشاعر الصعاليك وأبرعهم الشنفرى، الذي يتفتق إنسانية ونبلا على الرغم من تشرده، فهو يرحل عن قومه إلى عالم آخر حاملا معاني الفروسية والكرامة، فقومه غير لائقين بوجوده معهم. فتمرد عليهم وهجرهم، ما علاقة الشنفري بموضوع فيلم هزيع الباب الأخير؟.كنت أتصور بأن هذا الفيلم سيكون عرضا ببليوغرافيا كلاسيكيا، يستعرض حياة الشاعر الكبير الأستاذ قاسم حداد، مع إلقاء بعض قصائده، وشيء من سيرة حياته، وقصته مع الشعر الحر والحداثي، ولكن لم يرتض خالد هذا السيناريو الأصفر، وهو المتمرد تجريبيا، حيث توغل فيلمه في دخول مكابدات وجدانية وفكرية وعرة، مستعينا بأولاد المسرح وبناته دون خشبة، من تشكيل موسيقي وغناء ومؤثرات صوتية وإضاءات متنوعة، وأعمال تشكيلية فنية، وتمثيل، وقد استدرج هذا المخرج بمكره ودهائه وبراعته ضيوفه ليقدموا شهاداتهم مستغلا نبرات أصواتهم المتفاعلة مع فن قاسم، ليختطف الزوايا الوجدانية في تعبيراتهم الارتجالية، وجعلهم في مسرحه كأنما يلقون مونولوجاتهم الهادئة، بينما يرتفع صوت المايسترو الفنان خالد الشيخ ودندناته عاليا، ولم لا؟ وهو عندليب البحرين والخليج العربي، وهكذا يقتنص المخرج تلك المونولوجات ليبني حبكة شبيهة بالدراما من خلال فتح الأبواب، وتلاقح الفنون المختلفة بروح النص، حيث يأخذ المتلقي إلى رمزية أبواب قاسم المغلقة ليفككها، لا ليفتحها.اشتغل الرويعي على تفكيك مكابدات قاسم من خلال بعض قصائده ليبني تصورا آخر من خلال دراما مقتنصة في لقطات درامية محكمة أدتها الفنانة نسرين شريف، وغناء وموسيقى خالد الشيخ، والفنانتين هدى عبدالله وأميمة الخليل، ولتجسيد تلك المكابدات ببالونات سوداء متطايرة، وتشي بوجود فسحة من الأمل في عتمة شاسعة، كما يراها قاسم المتشائل في نظرته للواقع العربي.ذهب الرويعي بعيدا في مواءماته التعبيرية بعدسة لا تسجل الحدث وتعالجه فنيا، بل بمشهدية نقدية تحمل المتلقي إلى الذوبان في التجربة الوجدانية للكلمة والصورة والصوت لتنتج مولودا إبداعيا دراميا رسم ملامحه منذ كان (نصا شعريا) جنينيا لينضج (دراميا) بعزف ولحن وغناء وتمثيل متكئا على حسه التجريبي في تغيير مفاهيم بالية عفا عليها الزمن، بروح تنظر إلى جمال النص برؤية فنية متكاملة أنتج جراءها نصا آخر لقاسم، كاسرا حائط القدسية وجمود النص كما يقول قاسم، بقراءة ثانية بعيدة عن أدوات النقد والتشريح النصي التقليدي في بناه الثابتة والمتغيرة.ولذلك كانت أبواب قاسم مواربة، بدأها الرويعي بتمرد شنفري، وختمها بتمرد قاسمي، حيث كلاهما لا يعرفان إلا التمرد، والخروج على تقاليد الكلمة وشرفها التي لا يمكن المساومة عليها تحت أي ظرف.تحتاج الساحة الفنية والأدبية إلى مثل هذه التجارب الجادة في الإخراج الإبداعي الذي يكون فيه الإخراج منظومة (نقدية) تأخذ بسياق الدهشة الفنية المتكاملة العناصر، ولا تعتمد فقط على جلالة النص وفخامته بل على ما يشعره الآخر في فهم هذا النص والولوج إلى مكامن قائله، فهو لم يسرق نصا، بل أنجب نصا سينمائيا مرتشفا من رحم الكلمة وتأوهات الأغنية بعزف متلون في فضاءات الصورة واللقطة وأعمال الجرافيكس.

مشاركة :