إلى متى سيصمد العالم أمام تكاثر أعداد الجياع | | صحيفة العرب

  • 9/5/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تتسع تحذيرات الخبراء من الآثار السلبية لمعظم الأنظمة الغذائية المتبعة من قبل الحكومات، والتي قد تخلف أعدادا أكبر من الجياع حول العالم خاصة في ظل اتساع المخاوف من موجة ثانية من الوباء. والسؤال الرئيسي المطروح اليوم هو ما مدى قدرة الزراعة ومنظومات الغذاء في المستقبل على تلبية حاجات البشر المتزايدة بطريقة مستدامة؟ نيويورك - يتجه العالم إلى أزمة جوع غير مسبوقة لم يشهدها منذ عقود بعد أن عمقت أحدث التوقعات الرسمية المخاوف من عدم قدرة الحكومات على التصدي لهذه المشكلة التي باتت الشغل الشاغل لدوائر صنع القرار زمن كورونا. ويرجح خبراء وفاة أكثر من 132 مليون شخص بسبب الجوع في العالم خلال العام الجاري، وهو ما يزيد عن التقديرات السابقة، وبمعدل زيادة تصل إلى ثلاثة أمثال متوسط معدل الزيادة السنوية خلال الفترة التي مضت حتى الآن من القرن الحادي والعشرين. وتواجه البشرية تحديات متضاربة حيث تؤثر جهود تكثيف الإنتاج الزراعي لمحاربة الفقر والجوع على البيئة، وبالتالي بشكل غير مباشر على مستقبل قدرة الأرض على العطاء الزراعي ما يؤدي إلى تدهور الإنتاج الزراعي في نهاية المطاف. ويعدّ قطاع الزراعة من أكثر القطاعات تأثرا بتغيّر المناخ، وخاصة مزارعي الأسر من ذوي الحيازات الصغيرة في الدول النامية، رغم أن أنظمة الزراعة والغذاء مسؤولة عن نحو 30 في المئة من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة. وفي أسوأ السيناريوهات المتوقعة، تقول الأمم المتحدة إن حوالي 10 في المئة من سكان العالم قد لا يجدون الطعام الكافي خلال العام الحالي، وربما يزداد هذا الرقم، فهناك الملايين من البشر سيعانون من أشكال أخرى من انعدام الأمن الغذائي، بما في ذلك عدم القدرة على دفع ثمن الطعام الصحي، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى الإصابة بالسمنة وسوء التغذية. ومن المتوقع أن تستمر تبعات أزمة الغذاء الحالية في مناطق عدة من العالم لسنوات طويلة. فحتي في أفضل التوقعات، ترى الأمم المتحدة أن أزمة الجوع ستكون أشد من التقديرات السابقة خلال السنوات العشر المقبلة. وقد يصل عدد الذين يعانون من نقص التغذية في العالم بحلول العام 2030 إلى حوالي 909 ملايين إنسان، في حين كانت التقديرات قبل جائحة كورونا تشير إلى حوالي 841 مليون إنسان. وبحسب تقديرات منظمة أوكسفام الخيرية الدولية، فإنه بنهاية العام الحالي سيصل عدد الأشخاص الذين يتوفون نتيجة الجوع المرتبط بتداعيات كورونا في العالم إلى 12 ألف شخص يوميا، وهو ما يزيد عن عدد الوفيات الناجمة عن الإصابة بالفايروس. وترى وكالة بلومبرغ للأنباء أن فايروس كورونا أدى إلى اضطراب سلاسل توريد المواد الغذائية والأنشطة الاقتصادية، وتقويض القدرة الشرائية للمستهلكين. وتشير بعض التقديرات إلى أن عدد الوفيات يوميا في العالم بسبب الجوع الناجم عن تداعيات جائحة كورونا سيزيد عن عدد الوفيات الناجمة عن الإصابة بالفايروس، ولئن كانت دول العالم الثالث أكثر تضررا إلا أن الدول الأخرى ليست بمنأى عن ذلك. وما يجعل الأمر غير مسبوق هو أن الجوع يحصد الأرواح بينما تزداد فوائض الغذاء في العالم بنسب مرتفعة. كما أن هذا يحدث في شتى بقاع العالم، مع توقع مستويات غير مسبوقة من انعدام الأمن الغذائي في الدول التي اعتادت الاستقرار النسبي في التوريدات. ففي مدينتي كوينز ونيويورك، يضطر الجوعى إلى الوقوف لمدة تصل إلى 8 ساعات أمام أحد بنوك الطعام للحصول على صندوق أغذية يحتوي على كمية تكفي استهلاكهم لمدة أسبوع، في حين يحرث المزارعون في كاليفورنيا الخس مع الأرض، وفي واشنطن تركوا الفاكهة تتعفن على الأشجار بسبب انخفاض الأسعار. ماريانا تشيلتون: ستظل تداعيات هذه الأزمة دون حل على مدى أجيال ماريانا تشيلتون: ستظل تداعيات هذه الأزمة دون حل على مدى أجيال وفي أوغندا، تتراكم كميات الموز والطماطم في الأسواق المفتوحة، في حين أن الأسعار الزهيدة ما زالت تعد مرتفعة بالنسبة للكثيرين من الزبائن المحتملين، العاطلين عن العمل. كما تم ترك كميات الأرز واللحوم في الموانئ في وقت سابق العام الجاري، بعد تكدس الإمدادات في الفلبين والصين ونيجيريا. وفي أميركا الجنوبية، تقف فنزويلا على أعتاب مجاعة. ونقلت بلومبرغ عن ماريانا تشيلتون مديرة مركز مجتمعات خالية من الجوع في جامعة دريكسل القول “ستظل تداعيات هذه الأزمة على مدى أجيال… في عام 2120 سنظل نتحدث عن هذه الأزمة“. وفضحت جائة كورونا عمق انعدام المساواة في العالم، كما أنها تمثل قوة حاسمة لتحديد من سيحصل على الطعام ومن لن يحصل عليه، ما أظهر بقوة الانقسامات الاجتماعية في العالم حيث يواصل الأغنياء التمتع بتراكم ثرواتهم بوتيرة متسارعة. وفي المقابل، فقد الملايين من العمال وظائفهم، ولا يملكون من المال ما يكفي لإطعام عائلاتهم، رغم تريليونات الدولارات التي ضختها الحكومات في شكل حزم تحفيز ساهمت في زيادة التفاوت العالمي إلى أعلى مستوياته. وإلى جانب الأزمة الاقتصادية، أدت إجراءات الإغلاق إلى تحطم سلاسل التوريد، وخلق مشكلة خطيرة في ما يتعلق بتوزيع الطعام. كما أن الجائحة أدت إلى تحول مفاجئ عن تناول الطعام في المطاعم، والتي اعتاد الناس في معظم دول العالم تناول أكثر من نصف وجباتهم بها، ما يعني تراجع الطلب على إنتاج المزارعين الذين اضطروا إلى التخلص من إنتاجهم من الحليب والبيض في ظل غياب أي وسائل بديلة لتوصيل هذا الإنتاج إلى متاجر البقالة أو إلى المستهلكين. وفي منطقة تيرانوفا رانش بولاية كاليفورنيا، تكبد المزارع دون كاميرون خلال العام الحالي خسائر بلغت 55 ألف دولار في محصول الكرنب بسبب انخفاض الأسعار. وجاء نصف الخسائر تقريبا حوالي 24 ألف دولار، من قراره التبرع بجزء من المحصول لصالح بنوك الطعام المحلية بعد تراجع الطلب على الإنتاج من جانب المستهلكين التقليديين. وبالإضافة إلى ذلك كان على كاميرون دفع أجور عمال الحصاد وتحميل الشاحنات. ويقول كاميرون “نعرف أن هناك مناطق أخرى في بلدنا تحتاج إلى المنتجات الموجودة لدينا، لكن البنية التحتية ليست كافية لنقلها. هناك أوقات تتوافر فيها الأغذية، ولكن بسبب العوامل اللوجستية لا يمكن نقلها إلى الأماكن التي تحتاجها”. واضطر إلى تدمير حوالي 50 ألف طن من محصول الكرنب لديه، لأن بنوك الطعام المحلية لم تقبل جميع الكميات التي أراد التبرع بها. ولن تكون الزيادة في حدة أزمة الجوع في العالم خلال السنوات الخمس القادمة شيئا يذكر مقارنة بالتوقعات الآن. فحتى في أفضل الحالات، تتوقع الأمم المتحدة ارتفاع عدد الجوعى في العالم خلال العام الحالي بأكثر من الزيادة الكلية له خلال السنوات الخمس الماضية. ويقول نيت موك، الرئيس التنفيذي لمنظمة وورلد سنترال كيتشن الخيرية، “من المستحيل النظر في الموقف الراهن، وعدم الاعتقاد بأن هناك مشكلة… هذه الجائحة أظهرت بشكل حقيقي مدى الشروخ في النظام العالمي ومن أين يبدأ انهياره”. وينتج العالم اليوم ما يكفي من الغذاء لإطعام سكان العالم، لكن يتم إهدار ما يقارب ثلث هذا الطعام وتبديد الكثير من الموارد الطبيعية مثل المياه في نفس الوقت. وحذّر تقرير منظمة الأغذية العالمية “فاو” من أن قدرة البشر على إطعام أنفسهم في المستقبل معرضة للخطر بسبب الضغط الشديد على الموارد الطبيعية وتزايد عدم المساواة وآثار التغيّر المناخي. ويتوقع أن يصل عدد سكان العالم إلى 10 مليارات نسمة بحلول العام 2050، وفي ظل نمو اقتصادي معتدل سيرتفع الطلب على المنتجات الزراعية إلى النصف مقارنة بالمستويات الحالية ما يزيد الضغوط على الموارد الطبيعية الشحيحة أصلا. وترجّح تحوّلات أنماط الاستهلاك تراجع تناول الحبوب وتزايد استهلاك اللحوم والفواكه والخضروات والأطعمة المصنعة، ما يؤدي إلى زيادة ضغوط إزالة الغابات وتدهور الأراضي وتزايد الانبعاثات.

مشاركة :