أطلق رواد مواقع التواصل الاجتماعي في تونس حملة لتنظيف مقابر جميع المحافظات من السحر والشعوذة، وسلطت هذه الحملة الضوء مجددا على تفشي هذه الظاهرة التي يرى كثيرون أنها تسببت في تأزّم الأسر وتشتّت العديد من العائلات والأزواج. تونس - ضجّت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك خلال الأيام الأخيرة في تونس، بحملة تدعو إلى تنظيف المقابر من أعمال السحر والشعوذة، في وقت يعتبر فيه مختصون في علمي النفس والاجتماع أن أعمال الشعوذة قديمة قدم تواجد الإنسان لكن أنشطتها تزدهر زمن الأزمات. وكانت بداية هذه الحملات في السنة الماضية بعد أن قرر الشباب في إطار “حالة وعي” شهدها الشارع التونسي تنظيف المقابر، إلا أنهم فوجئوا بوجود كم هائل من أعمال الشعوذة والتعويذات والسحر. وأكد أستاذ علم الاجتماع منير السعيداني في تقرير نشرته وكالة تونس أفريقيا للأنباء “وات”، أن أنشطة المشعوذين تتطور حين يفقد الناس أملهم في بلوغ احتياجاتهم في الصحة والعلاج والعمل، مشيرا إلى أن عدم انتفاع المواطنين بأنظمة صحية تحل مشاكلهم يمكن أن يدفع بهم إلى البحث عن مسوغات للعلاج ولو على أيدي السحرة. ويرى أن الفشل في تحقيق التطلعات ومواجهة المشاكل الاجتماعية والمادية كالإحباط إزاء الشعور بعدم النجاح في المسار الدراسي وتأخر سن الزواج والبطالة، كلّها حجج يتعلّل بها زبائن المنجمين. وأضاف السعيداني أن ظاهرة الإقبال على المنجمين تنتشر لدى الفئات الاجتماعية الأكثر فقرا والتي تتسم بثقافة تقليدية، وتستند في ارتيادها لمحلات المنجمين إلى حجج دينية تؤكد وجود السحر وأثره في حين أن ثقافتها الدينية سطحية، معتبرا “أن ظاهرة الشعوذة تجاوزت مجرد الاعتقاد وتحولت إلى نظام اقتصادي مهيكل ومرخص له من قبل الدولة”. وأوضح المختص في علم الاجتماع أن انتصاب المئات من العرافين والعرّافات في البلاد منهم من يتخذ يافطة النشاط ضمن ما يعرف بـ”الطب الروحاني”، يؤكد وجود هذا النظام الاقتصادي في وقت بدأ المجتمع التونسي يتحسس الطريق شيئا فشيئا نحو حل مشاكله الاجتماعية والاقتصادية. وأشار إلى أن التوجه إلى العرافين ينقسم إلى مظهرين اثنين، يتمثل أولهما في الاعتقاد البسيط لدى الأشخاص الذين يملكون إيمانا ضعيفا بالظاهرة لكنهم مستعدون للتخلي عنه بإيعاز من آخرين، في حين يتمثل المظهر الثاني في وجود اعتقاد راسخ لأناس طالت أزماتهم. ومن جانبه أكد المختص في علم النفس نعمان بوشريكة أن أنشطة السحر والشعوذة ليست حكرا على المجتمع التونسي وهي ظاهرة شبيهة بالمعتقدات والأيديولوجيا، مبينا أن فكرة اللجوء إلى المشعوذين موجودة في المجتمعات الأوروبية أيضا. وأوضح قائلا “حين يعجز الأفراد عن تحقيق احتياجاتهم يستندون إلى تأويل غير عقلاني”، موضحا أن الجانب الأسطوري الشفوي يرسم صورة للمشعوذ باعتباره القادر على جلب الرزق من خلال التمائم وأعمال السحر التي ينجزها. ممتهنو الشعوذة تزيد أنشطتهم عند الأزمات خصوصا مع تفاقم البطالة وتوتر الحالات النفسية بفعل الحجر الصحي كما أشار إلى أن ممتهني الدجل والشعوذة تزيد أنشطتهم عند الأزمات خصوصا مع تفاقم البطالة وتوتر الحالات النفسية بفعل الحجر الصحي وفي ظل انعدام ثقافة المطالعة وغياب الشعور بالاستقرار. وعن الجدل القائم مؤخرا على منصات التواصل الاجتماعي، بشأن ما عرف بـ”تنظيف المقابر”، لم يستبعد بوشريكة أن يكون هدف هذه الحملة إلهاء المجتمع عن مشاكله الاجتماعية. وقالت إذاعات محلية إن الحملة التي أطلقها رواد مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك في تونس منذ فترة لتنظيف كافة المقابر من الأوساخ ومن أعمال الدجل والشعوذة والسحر، كشفت عن وجود عملية تحيّل جديدة تتمثل في “البحث عن السحر والشعوذة في القبور بمقابل مادي”. وأشارت إلى أن أحد الإعلاميين تحول الخميس إلى مقبرة الجلاز بالعاصمة تونس لمتابعة هذه الحملات وقد التقى بأحد المواطنين الذي طلب منه تمكينه من 100 دينار للبحث عن السحر داخل مقابر العائلة. وصرح أحد المشاركين في حملة لتنظيف مقبرة بمنوبة، بأنهم عثروا على صورة لعدد من المواطنين وخيوط وشعر فتيات وغيرها من أنواع السحر والشعوذة. وأكدت إحدى الإذاعات المحلية أن حملات تنظيف المقابر لا تهدأ ولا تتوقف في جميع أرجاء معتمديات محافظة توزر في الجنوب التونسي، مشيرة إلى أن الأهالي باتوا يطالبون المشاركين في الحملات بالقدوم إليهم للبحث في مقابرهم عن الدجل والشعوذة والسحر، التي تم وضعها في المقابر. وأشارت إلى انتشار حملة تنظيف المقابر بشكل كبير في توزر وأسفرت الحملات عن العثور على أعمال سحر وطلاسم غريبة غير مفهومة وملابس داخلية للسيدات ملطخة بالدماء وتكفين بعض الأشياء وهياكل الحيوانات. وأكدت تقارير إلكترونية أن الشباب استعانوا ببعض الشيوخ لفك تلك الأعمال والتعامل معها بشكل صحيح، وقاموا بالبحث داخل المقابر المهجورة، وكشفوا الكثير من الأعمال المنفذة على فساتين زفاف وجماجم حيوانات وأوراق مكتوب عليها بالحبر الأحمر والأسود أسماء بنات وسيدات وشباب، بالمرض أو التفريق أو الموت أو عدم الزواج وخراب البيوت أو عدم الإنجاب. ولفت طارق بالحاج محمد أستاذ علم الاجتماع التونسي في تحليل سابق لتفشي هذه الظاهرة، إلى أن اللجوء إلى السحر والشعوذة ليس حكرا على الفئات المهمّشة اجتماعيا وفكريا واقتصاديا وثقافيا، بل هو ممارسة رائجة لدى جميع الشرائح الاجتماعية وإن كان ذلك بدرجات وأشكال مختلفة، مشيرا إلى أن ما يجمع بين هذه الفئات هو تركيبة نفسية وثقافية معينة تبرّر وتفسر تصرفاتها. وأوضح أنه حتى الفئات الأكثر تعلما والأرقى مكانة اجتماعية ومادية باتت تلجأ إلى السحر والشعوذة نظرا لسيطرة طريقة معينة على تفكيرها تتسم بعدم العلمية والعقلانية، لأن التفكير العلمي هو حالة حضارية وثقافية وليس مرتبطا بالشهادة العلمية والمراكز الاجتماعية. Thumbnail وأكد بالحاج محمد أن من تربى على فكر الخرافة من الصعب عليه أن يتخلص منه مهما بلغ من مستوى دراسي ومادي، والالتجاء إلى السحر مؤشر عن الفقر النفسي والثقافي والحضاري أكثر منه مؤشرا عن التهميش الاجتماعي والاقتصادي والدليل على ذلك أن شخصيات عامة ومشاهير وأثرياء يقصدون باستمرار العرافين والدجالين. كما بين أن السحر والشعوذة هما تعبيران واضحان على سيكولوجية الإنسان المقهور والمهزوم الذي يحاول البحث عن حلول ووصفات غيبية لمشاكله الواقعية. ولفت إلى أنه “حين لا نجرؤ على تحمل مسؤولياتنا في الحياة أو نعجز عن تحملها أو حلها نلتجئ للسحرة والمنجمين والعرافين ليجدوا لنا الحلول بالنيابة عنا نظرا لسيادة ثقافة التواكل أو لاستبداد حالة اليأس بنا”. وقال الخبير التونسي إن الأشخاص يلتجئون للسحرة والعرافين إما لتأمين مستقبلهم المهني أو الشخصي أو لحل مشاكلهم النفسية والواقعية أو لتصفية حساباتهم مع خصومهم. كما أفاد بأن استبداد حالة فقدان الأمل واليأس بالأشخاص تجعلهم يلتجئون إلى الدجالين، موضحا أنه “حين يلاحقهم الماضي بخيباته وآلامه وحين يحاصرهم الإحساس بالعجز في الحاضر وحين يفقدون الأمل في المستقبل يندفعون نحو الخرافة بحثا عن الحل والراحة والمعجزات”. كما نبّه بالحاج محمد إلى أن هذه الظاهرة بعمقها وتفشيها تعدّ مؤشرا على الفقر والتخلف الحضاري والعلمي والثقافي وتمثل عرضا جانبيا من أعراض أمراض اجتماعية ونفسية أخرى أكثر خطورة. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :