توزعت الاتصالات السياسية بين عدد من القادة اللبنانيين خلال الساعات الماضية، بين زواريب العاصمة والقرى والمناطق في محاولة لإيجاد حل لأزمة النفايات المنزلية في العاصمة وضواحيها، لنقل ما تراكم منها منذ 17 الجاري الى مكبات موقتة تمهيداً لإرساء الحل الجذري بعد بضعة أشهر، وبين اتصالات أخرى بلغت المدار الدولي لإيجاد حل موقت لتراكم «نفايات الأزمة السياسية»، التي تعطل عمل حكومة الرئيس تمام سلام، والتي أخذ يفيض بها «مكب» مجلس الوزراء الى الحد الذي دفع رئيسها الى التفكير في الاستقالة بغياب التوافق على نقل «القمامة السياسية» الى «مكبات الحوارات السياسية» بين القوى المختلفة، طالما يتعذر إيجاد «مطمر» لها بإنهاء الشغور الرئاسي الذي يشكل المصدر الرئيسي «للروائح الكريهة» التي تعم لبنان. وفيما نشطت الجهود من أجل وقف تقاذف المناطق والقرى والزواريب اللبنانية عملية نقل النفايات المنزلية، التي بدأت أمس، فإن الجهود في شأن التخفيف من نقل نفايات الأزمة السياسية قبل جلسة مجلس الوزراء التي تنعقد غداً الثلثاء، انصبت على ما هو دون إيجاد مخرج ولو موقت لعودة الحكومة الى ممارسة أدنى واجباتها بمعالجة استحقاقات جوهرية على الدولة، وانحصرت بنصح الرئيس سلام بعدم الإقدام على الاستقالة تجنباً لما هو أسوأ، أي الفراغ الكامل في السلطة السياسية. أخطار الاستقالة وبعد اتصال ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان، سيغريد كاغ الموجودة في الخارج، بسلام، داعية إياه الى التريث في الاستقالة، طالبه السفير الأميركي في لبنان ديفيد هيل الذي زاره أول من أمس بعدم الإقدام على هذه الخطوة، نظراً الى أخطارها الإضافية على البلد والتي تدفع الى مزيد من الفراغ. وقالت مصادر مطلعة لـ «الحياة» إن هيل أبدى قلقه من الخطوة معتبراً أنها تهدد الحد الأدنى من التماسك الداخلي وذهب الى أبعد من الاستقالة فناقش مع سلام بالتفصيل ما يمكن أن ينتج منها في مرحلة تصريف الأعمال، معرباً عن قلقه من أن تغيب ضوابط الأزمة الموجودة حالياً وتنقل البلد الى أخطار جديدة. وذكرت هذه المصادر أن الجانب الأميركي يميل الى الاعتقاد أن المدة الفاصلة بين تحوّل الحكومة الى تصريف الأعمال وبين إيجاد الحل الجذري الذي يعيد العملية السياسية في لبنان الى مسارها الطبيعي، بانتخاب رئيس للجمهورية، قد يطول أشهراً، لأن الوضع الإقليمي الدولي لم ينتقل بعد الى الأزمات الإقليمية التي تتيح إنهاء الشغور الرئاسي ولن ينتقل بسرعة الى معالجة هذا الاستحقاق نظراً الى وجود أزمات أخرى على أجندته وبالتالي فإن الاستقالة تزيد من المشكلة. وبلغ القلق الأميركي درجة الطلب الى هيل تمديد وجوده في لبنان قبل الانتقال الى مهمته الجديدة في باكستان أسابيع قليلة، لمتابعة الوضع عن كثب. وتوقعت المصادر المطلعة أن تتسع دائرة الاتصالات الخارجية والدولية بسلام وفرقاء آخرين خلال الساعات المقبلة، لثنيه عن التفكير في الاستقالة، ومنها عواصم أوروبية لنقل التمني نفسه إليه وتأكيد دعم جهوده، وفيما تُركت هذه الجهود التوقعات حول مآل جلسة الحكومة غداً لمواصلة مناقشة ما يسميه سلام مقاربة طريقة اتخاذ القرارات في الحكومة، لتكهنات عدة، بينها أن يلجأ سلام الى الاعتكاف، فإن موقف الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله بأنه طرف منحاز الى زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون في شرطه بت التعيينات الأمنية قبل بحث أي نقطة أخرى في مجلس الوزراء، جعل أفق المعالجة الداخلية لأزمة شلل الحكومة أكثر صعوبة، مقابل مناشدات قيادات لبنانية عديدة لسلام عدم الاستقالة. كما أن تكرار نصرالله حصر المشكلة بين عون وتيار «المستقبل» وتحميل الأخير المسؤولية، دفع مصادر قيادية في التيار الى الريبة من وراء هذا الموقف، معتبرة أن «حزب الله» يستخدم العماد عون غطاء لنقل المشكلة الى «المستقبل»، والعماد عون يستقوي بالحزب ولديه مطلب واحد «لسنا الجهة التي يمكنها تحقيقه له»، وهو رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش. إلا أن محيط سلام واصل سرد الأسباب المتعلقة بعرقلة عمل مجلس الوزراء مصالح الناس، فهناك مراسيم يرفض وزراء معنيون توقيعها، لصرف بدلات تقاعد وتعويضات لموظفين أحيلوا على التقاعد ينتظرون تأمين لقمة عيشهم، وهذا حق لهم على الدولة. وهناك مراسيم لقرارات اتخذت ما زالت عالقة. والبلد أمام استحقاق تأمين اعتمادات لدفع رواتب الموظفين في آخر شهر آب (أغسطس) المقبل. وخسر لبنان قروضاً وهبات بمئات ملايين الدولارات نتيجة تعطيل الحكومة والبرلمان من الاجتماع لإقرارها، وهناك بليون و400 مليون دولار مرشحة لأن يخسرها لبنان في هذا الإطار. وفي رأي وزراء أن هذه أمثلة الحد الأدنى. ويرد بعض هذا المحيط على القول إن تحويل الحكومة إلى تصريف الأعمال بالاستقالة سيؤدي الى دب الفوضى في الوزارات حيث سيتصرف بعض الوزراء على هواهم، بالقول إنهم الآن يتصرفون بلا أي رادع... حريص على عدم الدخول في سجال وأمس، قال الرئيس سلام لزواره إن ما قاله السيد نصرالله عن الأزمة يمثل وجهة نظره كمرجعية سياسية من ضمن مرجعيات البلد، وإنه حرص في ظل الأزمة على ألا يدخل في سجال مع أحد أو أي فرضية بأن أقوم بما علي من واجبات. وأشار هؤلاء الزوار تعليقاً على التوقعات في جلسة مجلس الوزراء غداً، الى أن سلام يعتبر أن المشكلة هي في أداء المجلس وتعطيله، وأنه لن يستبق الجلسة في ما يخص استقالته أو عدمها لأن كل الاحتمالات واردة ومفتوحة، وأن المواقف التي يتخذها كان هاجسها على الدوام خدمة البلد والسعي الى تحمل مسؤولية الأزمة الوطنية المتعلقة بشل عمل مجلس الوزراء من القوى السياسية المختلفة، من أجل مواجهة الأزمة بطريقة موضوعية. كما ينقل هؤلاء الزوار عن سلام قوله إنه في «ضوء المناقشات سيكون لي كلام واضح»، يكشف فيه المزيد من المعطيات عن الأوضاع، انطلاقاً من الدور الاستثنائي الذي على الحكومة والقوى السياسية أن تلعبه في ظل الشغور الرئاسي. ويكرر سلام شرح موقفه مما يسميه مقاربة عمل مجلس الوزراء، مؤكداً أنه اعتمد في البداية طريقة الإجماع في القرارات، وفق المعطى السياسي «لكن في مرحلة لاحقة قلنا إن الإجماع أدى الى التعطيل وإن المقاربة المطلوبة هي البعيدة من التعطيل، لأني رغبت في إبعاد المواضيع الخلافية عن عمل مجلس الوزراء، لأنه ليس المجال لمعالجة هذه الخلافات، التي هي مسؤولية القوى خارج الحكومة التي ينحصر عملها في معالجة شؤون الناس في انتظار حل الأزمة السياسية». لم يلمس أي انفراج إلا أن سلام أبلغ زواره في خصوص جلسة غد، أنه ما زال على نيته إفساح المجال أمام النقاش «وأحاول توفير مستلزمات عمل مجلس الوزراء، لكن للحظة لم ألمس أي انفراج أو حلحلة أمام استحقاقات عملنا كحكومة، ولم ألمس وجود اختراق لهذا الوضع الصعب». وعن مطالب العماد عون من الحكومة قال: «العماد عون ممثل في الحكومة ككل القوى السياسية التي لها مواقفها...». وبخصوص المناشدات له كي لا يستقيل، يقول سلام لزواره إنه في ظل تحمله مسؤولياته «خصوصاً أن انتخاب رئيس للجمهورية ليس قريباً على ما يبدو، ولم أكن يوماً بعيداً عن مصالح الناس وأحاسيسها، وأي قرار أتخذه يأخذ في الاعتبار مصلحة العباد والبلاد، وهذا أسلوب عملي منذ حصول الشغور الرئاسي الذي مضى عليه سنة». ويكرر سلام التأكيد أنه يولي أهمية لمعاناة الناس ويأخذ في الاعتبار تمسكهم به وعدم استقالته، إزاء الأخطار التي تواجهها البلاد والتي تحتاج الى عناية «ولم يُعرف عني أني متهور أو متسرع، وأمارس عملي بكثير من الدراية، واعتمدت مقاربة لعمل مجلس الوزراء في ظل الوضع الاستثنائي والشغور الرئاسي، والذي يتطلب أن تكون المقاربة متحركة»، ويكرر القول إننا «اعتمدنا بداية الإجماع ثم اضطررنا للعودة الى التوافق، لأن المقاربة الأولى لم تكن كافية فحصل شلل في مجلس الوزراء ولشؤون الناس. وهذا لا يشبه موضوع الشغور الرئاسي، وعلينا أن نحمّل المسؤولية لكل الفرقاء». ويرى أن رئيس مجلس الوزراء هو المرجعية في السلطة التنفيذية في البلد، والتي لا يمكن أن تتوقف عن العمل لأنه ضرر كبير للبلد، ولو كنا نجتمع لتسيير أمور الناس لكانت الأمور مختلفة. وعن استحقاق انتهاء مدة خدمة القيادات العسكرية، يعتبر سلام أن كل استحقاق يعالج في وقته، والحكومة مقبلة على انتهاء خدمة رئيس أركان الجيش اللواء وليد سلمان في 7 آب، داعياً الى انتظار ما سيطرحه وزير الدفاع على هذا الصعيد.
مشاركة :