سخر هيكل من السعودية وصرح بأنها لن تجرؤ على التصدي لإيران في اليمن، وإذا بعاصفة الحزم تجبهه كصفعة محترمة، وتجعله يطلب مذعورا إيقاف الحلقات التي شرّق وغرّب فيها تهكما وتحليلا استراتيجيا سخيفا إن من هدم برجي التجارة في نيويورك، هم صرب يوغوسلافيا، وإن بلاك ووتر، هي من يقتل السوريين اليوم. أول ما سينبعث تلقائيا عند أي أحد منا وهو يقرأ هذه النتيجة: أية تخاريف ومغالطات هذه!. فكيف بالله لو علم القارئ الكريم أنها استنتاجات من ينصبه تلاميذه بأنه أشهر صحفي ومحلل سياسي في العالم العربي، ويكادون أن يصلوا في الدفاع عنه بأن تحليلاته لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وهم للآن يدافعون عنه في صحفهم ومنابرهم الإعلامية ومجالسهم الخاصة رغم كل هذا الهراء الذي يروجه دون احترام لتاريخ أو منطق. محمد حسنين هيكل، صاحب الاستنتاج العظيم الذي صدّرت به مقالتي، والذي يلقبه محبوه بـالأستاذ، وقف ضد دول الخليج والسعودية تحديدا طيلة تأريخه الصحافي والسياسي، ولم يفوّت فرصة للنيل منا إلا وانتهزها، مسكون بما فعله الملك الشهيد الفيصل في تلك الحقبة، بل في آخر واقعة له وفضيحة، سجل هيكل مع الإعلامية لميس الحديدي في قناة CBC المصرية عدة حلقات، وسخر بأن السعودية لن تجرؤ على التصدي لإيران في اليمن، وأن دول الخليج أعجز من أن تقدم على خطوة كهذه، وهم أجبن من أن يتدخلوا عسكريا، وإذا بعاصفة الحزم، تجبهه كصفعة محترمة، وتجعله يطلب مذعورا إيقاف الحلقات التي شرّق وغرّب فيها تهكما وتحليلا استراتيجيا سخيفا –كباقي تحليلاته من نوع صرب يوغسلافيا- وأمعن في الإشادة بطهران وما تفعله. في الأسبوع الماضي، وفي صحيفة السفير تحدث عن أن السعودية ودول الخليج تتصرف بطريقة متخلفة، وأن: مصر وإيران وتركيا أوطان حقيقية، والباقي كله يشكل فسيفساء بين أوطان حقيقية، في إشارة منه إلى أننا ودول الخليج لسنا سوى دول هامشية أمام الدول الثلاث الكبرى المشار إليها. لا يزال الرجل بعقلية الستينيات، ولا تزال هذه العقلية تخترم كثيرا من المثقفين المصريين والشوام للأسف الشديد، واشتكى من هذه الرؤية بعض المثقفين السعوديين، وأتذكر منهم الدكتور تركي الحمد إبان مكاشفاتي معه، ولا أدري ما السبب في عدم رؤية هؤلاء لما وصلت له دول الخليج -التي يعتبرونها هامشية- من تقدم في كل الأصعدة، وبزت تلك الدول التي يتشدق بها هيكل وتفاهة التهريج معه. السعودية اليوم هي رأس وقلب العالم العربي والإسلامي، في حين تأخر غيرها من الدول، فإشارة يد من سلمان بن عبدالعزيز؛ هرعت تستجيب لها دول التحالف في فترة قياسية أذهلت كل المحللين والساسة في الغرب، والخليج في جملته اليوم يشكل أقوى إعلام على مستوى العرب، بل وبعض قنوات هذه الدول باتت عالمية، ولم ير هؤلاء المثقفون أي شيء من هذا. ولن أتكلم عن القوة الاقتصادية التي نتوافر عليها، ونؤثر على بورصات العالم عبرها. سأعود لهيكل، وأعجب من الدفاع المخزي من قبل جمهرة محبيه، بحيث إنهم يتناوشون أي رجل يفكك تخريفاته، ما جعل شاكر النابلسي رحمه الله يقول: إن دلَّ هجومهم على شيء، فإنما يدلُّ على مدى الوثنية السياسية المتغلغلة في العالم العربي، وعبادة الأصنام السياسية التي أصبحت في النصف الثاني من القرن العشرين أشد وأعنف وأعظم من عبادة الأصنام الدينية في جاهلية العرب الأولى. من الذين تناوشه هؤلاء: فؤاد زكريا أستاذ الفلسفة، والذي ألف كتاب: (كم عمر الغضب: هيكل وأزمة العقل العربي، 1983)، وأيضا كتاب سيّار الجميل (تفكيك هيكل)، وقال فيه: إنه يتوهم الأوهام حقائق، ويصدقها الناس، وهي لا أصل لها ولا حقيقة لها، وإنه: زور التاريخ في أشياء كثيرة ولوى عنقه؛ حتى يكتب أهواءه السياسية، مغلفة بأحداث تاريخية فسرها كما تراءى له. ربما كان أعنف من رد على تخاريف الرجل في لقائه مع صحيفة السفير؛ هو المفكر التونسي أبو يعرب المرزوقي الذي قال عنه نصا في صفحته الشخصية بالإنترنت، ولخصها موقع (التقرير) بالتالي: ويعود المرزوقي إلى تعريف (زمّارة الملالي، هيكل)، فيقول إنه: (كذّاب الصحفيين)؛ لأنه (صحفي لا يحترم مهنته ويزيف التاريخ، يخبر عن الماضي بدل الحدث، بسرقة وثائق دولته)، وهو (دجّال المحللين)، موضحًا أنّ شرط التحليل العلم بحقيقة القوة اللطيفة. فكيف يعوّض أساس دور مصر، الإسلام، بالفرعونية والعمالة للملالي والحرب على ثورتي المسلمين؟ وهو (أحمق الاستراتيجيين)؛ لأنه يفاخر بأنه نصح بالانفصال عن السودان، وغباؤه الاستراتيجي أعماه عما رددت عليه به منذ عقد: مصير النيل والحبشة، وهو (سفيه القوميين الدكتاتوريين)؛ لأنه لم يكن قوميًا، بمعنى عروبة خدمة الإسلام ولسان مرجعية الأمة، بل تنكر الفرعونية مثل البعثية تنكر الطائفية، وهو (عميل الباطنية)؛ لأنّ الباطنية هي هذا التنكر الذي فضحته الثورة في الشام والعراق ولدى الميليشيات الخمس المخربة لحضارة الإسلام. المفكر التونسي الحرّ أبو يعرب المرزوقي يفند كلام هيكل عن السعودية ويقول: الميليشيات هي بقايا الباطنية والصليبية والعلمانية والليبرالية والقومية الفاشية، وأدوات تخريب كانت تحارب الإسلام سرًا ففضحتها الثورة، كما أنّ عداءها للسعودية علّته أنّها القلعة الوحيدة الصامدة أمام هذه الحرب السرية قبل الثورة ثم العلنية بعدها وخاصة بعد تخلّيها عن الثورة المضادة، مشيرًا إلى أنه قبل هذا التخلّي، كانوا يريدون من السعودية أن تموّل تخريبهم للإسلام عن طريق تخويفها من الثورة ومن الإخوان لذلك كانوا ينافقونها. عاصفة الحزم كانت صفعة مدوية لأمثال هيكل، جعلتهم يقيئون قهرا وحنقا، ويتذكرون ما فعله اليمنيون بسيدهم الأول قبل خمسين عاما.
مشاركة :