تردد الحديث كثيراً في الأشهر الستة الماضية، حول أهمية عدم السفر ما لم يستوجب الأمر ذلك. ويقول الأشخاص الذين كانوا يسافرون كثيراً قبل فترة تفشي وباء كورونا، إنهم صاروا يدركون الآن أن القيام بالكثير من رحلات السفر لم يعد أمراً ضرورياً حقاً، بفضل تطبيقات إلكترونية مثل «زووم» وغيره من التطبيقات المنافسة. وترى وكالة «بلومبرغ» للأنباء أن من الضروري حقاً أن يكون المحامون حاضرين بأنفسهم أثناء المحاكمات، لكن أن يتم السفر عبر البلاد من أجل حضور موعد محدد لمدة ساعة على سبيل المثال يعد إهداراً للوقت والمال. وقد يحتاج مندوبو المبيعات للانتقال إلى موقع العميل من أجل إتمام صفقة ما، لكن ببساطة، يمكن القيام بذلك عن بعد. وكانت أغلب تداعيات تفشي الوباء مفزعة، لكن التراجع الحاد في حجم رحلات الطيران لأغراض العمل بشكل خاص، كان كشفاً مثيراً. وقد يكون ذلك مبرراً لقيام شركة «يونايتد آيرلاينز» القابضة أخيراً برفع الكثير من الرسوم التي يكرهها العملاء إلى حد كبير، وهي «رسوم التغيير» التي تبلغ قيمتها 200 دولار أميركي، التي يتم فرضها عند قيام العملاء بحجز رحلات جوية ثم تغييرها. وسرعان ما قام عدد من شركات الطيران الأخرى، ومن بينها «دلتا آيرلاينز» و»أميركان آيرلاينز»، باتخاذ نفس الإجراء الذي اتخذته «يونايتد آيرلاينز»، التي تعهدت بأنها لن تعيد فرض تلك الرسوم مجدداً بعد انتهاء أزمة الفيروس. من جانبه، قال إد باستيان، الرئيس التنفيذي لشركة «دلتا آيرلاينز»، في بيان له: «نرغب في أن يقوم عملاؤنا بالحجز والسفر بطمأنينة، علماً أننا سوف نستمر في تقييم سياساتنا للحفاظ على المستوى العالي من المرونة التي يتوقعونها». ولم يتطلب الأمر سوى تراجع حجم العمل في قطاع الطيران بنسبة 70 في المئة من أجل التخلص من تلك الرسوم المزعجة جداً بالنسبة للعملاء. في الحقيقة، فإن رفع «رسوم التغيير» لن يحدث فرقاً كبيراً بالنسبة للمسافرين بغرض العمل، كما لن يفيد باقي المسافرين. لذا، فإن هناك بعض الإجراءات الأخرى الصديقة للعملاء التي قد تقوم شركات الطيران باتخاذها من أجل إنعاش تلك الصناعة. أولاً، تخصيص مساحة أكبر لجلوس الركاب، فأكثر ما يتسبب في إزعاج الركاب حقاً هو قيامهم برحلة كاملة وسط الدفع بالركبتين باتجاه المقعد المقابل لهم. ويشار إلى أن المسافة بين المقاعد يتم تقليصها منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي. ثانياً، توفير مقاعد أكثر راحة، إذ كلما كان الحشو داخل المقاعد بسيطاً كلما كان غير مريح، وهو أحد الأمور التي قامت بها شركات الطيران بصورة تدريجية من أجل تضخيم حجم الأرباح على حساب العملاء، إذ تقدم الشركات مقاعد مثبتة أضيق وأنحف من الطبيعي. ثالثاً، فلنكتفِ بهذا القدر من أطباق الجبن. فهل يمكن توفير طعام حقيقي من جديد على متن الطائرات؟ رابعاً، عمل حمامات أكبر. فعندما يصل الأمر إلى مرحلة عدم القدرة على الاستدارة في حمام الطائرة بدون لمس الجدران، فإن الأمور تكون قد تجاوزت الحد المعقول. خامساً، عدم التقيد بشرط عدم زيادة الوزن عن 50 رطلاً. إذ يقوم بعض المسافرين بوضع الحقيبة على الأرض ويبدأون في سحب بعض أغراضهم منها، بحيث يكون وزن الأمتعة أقل من حد الوزن، وذلك لتجنب الاضطرار إلى دفع مبلغ إضافي قدره 100 دولار. وترى «بلومبرغ» أن كل ما تم اقتراحه سوف يؤدي إلى حرمان شركات الطيران من بعض الإيرادات المتكررة. ومن المحتمل أن تؤدي تلك الإجراءات إلى تراجع أسعار أسهمها في البورصة (أو بالأحرى تؤدي إلى مزيد من التراجع). ولكن ماذا في ذلكً؟ إن صناعة الطيران تسعى منذ عقود إلى توفيق أوضاعها، حتى وصل الأمر إلى تبقي أربع شركات طيران أميركية كبرى فقط، إذ إن الشركات الجوية جعلت من الطيران تجربة بائسة بشكل متزايد. لقد ركزت تلك الشركات على الأرباح أكثر من التركيز على الركاب. ويجب أن يتغير ذلك الآن. وتشكك «بلومبرغ» بجدية في عودة أعداد المسافرين بغرض العمل إلى ما كانت عليه في السابق قبل فترة تفشي الوباء. فلمَ يعود المسافرون الآن بعد أن رأوا الضوء في نهاية النفق؟ كما أن من غير المرجح أن تجني صناعة الطيران الأرباح التي حققتها خلال الأعوام الستة الماضية. في النهاية، سيبدأ المسافرون في الطيران من جديد، لكن لن يحدث ذلك حتى تثبت شركات الطيران أنها تهتم حقا بالعملاء. إن إلغاء «رسوم التغيير» هو مجرد بداية.
مشاركة :